06-أكتوبر-2018

تتضاعف أزمة البصرة مع انقضاء مزيد من الوقت (Getty)

خفت صوت البصرة خلال الأيام القليلة الماضية مع ارتفاع ضجيج انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء الجديد في بغداد، لكنه كان واضحًا إلى درجة تكفي للكشف عن استمرار تدفق السم الى أجساد البصريين ومياههم، واستمرار حملات الاعتقال وملاحقة الناشطين والمتظاهرين، بتهم التورط بأعمال العنف التي صاحبت الاحتجاجات مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.

تعد أزمة البصرة إحدى أهم التحديات التي يواجهها رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، والذي كان قد طرح جملة من الحلول للأزمات التي تمر بها المدينة بشكل خاص وللعراق بشكل عام

وكانت مصادر في المدينة قد كشفت عن صدور مذكرات اعتقال جديدة بحق 14 متظاهرًا في البصرة بناءً على شكاوى تقدمت بها "أحزاب إسلامية"، ردًا على إحراق مقارها في  المدينة.

ورد المتظاهرون على القائمة الجديدة بتنظيم مسيرة احتجاج طافت وسط المدينة، في 3 تشرين الأول/أكتوبر، طالبت بالإفراج عن المعتقلين من الناشطين والكف عن ملاحقتهم، مشددين على ضرورة  "محاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين" الذين سقطوا خلال الاحتجاجات.

وضمت قائمة المطلوبين، ناشطين بارزين من بينهم نقيب اللعيبي نجل شقيق وزير النفط العراقي جبار اللعيبي، والذي عد مذكرة الاعتقال مستغربة، مؤكدًا أنه ورفاقه، أوقفوا سلسلة العنف التي ضربت المدينة بايقاف 50 ألف شخص عن التظاهر بعد حرق المقار الحكومية والحزبية والقنصلية الإيرانية، لفسح المجال للقوات الأمنية لبسط الأمن وكشف المتسبب الحقيقي بالعنف.  

اقرأ/ي أيضًا: بعثي ثم شيوعي إلى إسلامي.. تعرف على رئيس وزراء العراق الجديد

وكان اللعيبي قد توقع تعرضه ورفاقه إلى عمليات اغتيال، بعد تصاعد التهديدات ضد المشاركين في التظاهرات في الأسابيع الأخيرة، حيث اتهمتهم شخصيات قوية بأنهم مدعومون من قوات أجنبية مشبوهة، مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل.

بينما قال اللعيبي: "لن يطلقوا النار علينا بشكل مباشر أو عن قصد، لكن سيكون الأمر أشبه بسعاد العلي. سيقولون إنها قضية اجتماعية"، لافتًا إلى أن "المتظاهرين يعتقدون أنهم سيقتلون سرًا، تمامًا مثل سعاد". وكانت سعاد العلي الناشطة في مجال حقوق الإنسان قد قتلت وسط البصرة في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي.

في حين وعلى الرغم من التهديدات، يؤكد شباب البصرة عزمهم الاستمرار في تنظيم المسيرات والتظاهرات، احتجاجًا على عدم توفير المياه الصالحة للشرب حتى الآن، حيث تجاوزت حالات التسمم المسجلة في المدينة الـ 100 ألف حالة، بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان، فضلًا عن غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة والأمراض.

ويؤكد مواطنون من المدينة، أن المياه لم تعد صالحة للاستخدام الآدمي ولا حتى الحيواني، في المدينة التي تحتوي على 60% من احتياطيات النفط في العراق، فيما رفع عدد منهم شكاوى إلى القضاء العراقي، ضد جهات اتهموها بالوقوف وراء إصابتهم بالتسمم نتيجة المياه غير الصالحة للشرب التي لا يتوفر لهم غيرها منذ شهور عدة.

بدأت رئاسة استئناف محافظة البصرة، بعد أيام من تقدم المواطنين البصريين بشكاواهم بالتحقيق في حالات التسمم، بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية. وقال علي البياتي عضو المفوضية إن رئاسة استئناف البصرة الاتحادية، باشرت التحقيق في أكثر من 100 شكوى تم رفعها من قبل المفوضية، من بينها 60 شكوى رفعت دفعة واحدة، دون الكشف عن الجهات التي طالها الاتهام.

كان رامون بليكوا سفير الاتحاد الأوروبي في العراق، أعلن الخميس 4 تشرين الأول/أكتوبر، إصابته بالتسمم خلال زيارته إلى محافظة البصرة، جراء المياه الملوثة، ما استدعى نقله إلى فندق وسط المدينة لتلقي العلاج، مشيرًا إلى أنه "بات الآن يشارك أبناء البصرة في شعورهم".

رغم  التهديدات، يؤكد شباب البصرة عزمهم الاستمرار في تنظيم المسيرات والتظاهرات، احتجاجًا على عدم توفير المياه الصالحة للشرب حتى الآن

بينما شهدت البصرة احتجاجات دامية، بدأت في تموز/يوليو الماضي ضد الفساد وانعدام الخدمات، ثم اتخذت منحىً تصاعديًا في أيلول/سبتمبر، أسفر عن مقتل 12 متظاهرًا خلال أسبوع واحد، بعد إصابة عشرات الآلاف بالتسمم في أزمة صحية غير مسبوقة جراء تلوث المياه.

اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات البصرة.. رهان النجاة من مقامرة ميليشيات المحاصصة

تعد أزمة البصرة إحدى أهم التحديات التي يواجهها رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، والذي كان قد طرح جملة من الحلول للأزمات التي تمر بها المدينة بشكل خاص وللعراق بشكل عام، عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قبل تكليفه بتشكيل الحكومة التي يقع على عاتقها مسؤوليات جسيمة أبرزها ملف الأمن والخدمات.

كما تضمنت طروحات عبد المهدي، معالجات آنية وإجراءات عاجلة وسريعة لتوفير المياه والخدمات الأساسية وفرص العمل لسكان البصرة من أجل تهدئة الاحتجاجات، فضلًا عن التأكيد على أهمية "الضرب بشدة لا تقبل التساهل بالمتلاعبين والمهملين الذين أوصلوا الأزمة لهذه المستويات الخطيرة"، بالإضافة إلى ضرورة حل النزاع مع دول الجوار بشأن حصص المياه.

إذ يرى عبد المهدي أنه "إذا لم تصلح البصرة فلن تصلح بقية الأوضاع" في العراق، لكن ارتفاع معدلات الفساد قد يكون أحد أهم العوائق التي سيواجهها رئيس الوزراء الجديد، والذي منحه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر 12 شهرًا لثبيت خطوات "حثيثة وجادة نحو بناء العراق وفق أسس صحيحة، مبتعدًا عن التفرد بالسلطة والمناصب، بل الوطن هو المقدم والمواطن فحسب"، محذرًا من "انتفاضة كلية للشعب" في حال فشله.