03-أبريل-2019

تجمع لناخبين المعارضة في إسطنبول (ياسين أكيغول/أ.ف.ب)

ألترا صوت – فريق التحرير

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات التركية الإثنين الماضي عن تصدر حزب العدالة والتنمية الحاكم النتائج الأولية للانتخابات المحلية التي تشهدها البلاد، بعد منافسة قوية خاضها مع كبرى أحزاب المعارضة التركية، حزب الشعب الجمهوري الذي جاء في المرتبة الثانية، وتمكن من الفوز برئاسة بلديتي أنقرة وأزمير كبرى الولايات التركية، فيما لا تزال نتائج فرز الأصوات في مدينة إسطنبول متضاربة حول الحزب الذي تمكن من حسم رئاسة بلديتها لصالحه.

استخدمت المعارضة التركية ورقة اللاجئين في حملاتها الانتخابية أسوة  بتحريض اليمين الأوروبي ضدهم

العدالة والتنمية يتجه إلى الطعن للحفاظ على بلدية إسطنبول

على عكس السنوات الـ17 التي كان يتصدر فيها حزب العدالة والتنمية نتائج الانتخابات، فقد جاءت هذا العام مختلفة بعدما فقد الحزب سيطرته على رئاسة بلديات كبرى المدن التركية رغم تصدر تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والحركة القومية بأكثر من 51% من الأصوات، مقابل 37% لتحالف الأمة المكون من حزب الشعب الجمهوري، وحزب "الجيد" المشكل حديثًا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟

ووفقًا لموقع TRT عربي فقد خسر العدالة والتنمية 10 بلديات من أصل 50 بلدية كانت بحوزته خلال الانتخابات الماضية التي جرت عام 2014، وهو ما يعكس تراجعًا في شعبيته بشكل واضح، لكنه في مقابل ذلك تمكن من الظفر برئاسة بلديتي شرناق وبيتليس ذات الغالبية الكردية، الأمر الذي يدل على تبدّل المزاج السياسي للناخب التركي.

لكن وعلى الرغم من التراجع الذي شهده العدالة والتنمية مع حليفه الحركة القومية، يبدو أن تحالف الأمة غير قادر على تكوين كتلة معارضة متماسكة ودائمة لما بعد الانتخابات، لأنها ملتزمة بمحاولة "إضعاف أردوغان" فقط، فيما ستوفر السنوات الأربع والنصف القادمة التي تفصل عن أقرب موعد للانتخابات التركية فرصة لتحالف الشعب يعيد فيها تشكيل طبيعة التحالف، وإعادة صياغة قاعدة دعمهم للظفر بالانتخابات.

وكانت الانتخابات المحلية التركية قد عكست في نتائجها حجم التغيرات التي شهدتها الحياة السياسية التركية منذ منتصف نيسان/أبريل 2017 عندما صوت الناخبون الأتراك على التعديلات الدستورية التي سمحت بانتقال نظام الحكم في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي، والذي يمنح بموجبها الرئيس التركي صلاحيات أوسع، وفي تموز/ يوليو الماضي، جرت أول انتخابات رئاسية وبرلمانية في التاريخ السياسي الجديد لتركيا، حسم فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتخابات الرئاسية لصالحه من الجولة الأولى، كما تمكن من خلال تحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية من الفوز بغالبية مقاعد البرلمان التركي.

انتخابات محلية  بصبغة سياسية

بالرغم من أن الانتخابات المحلية مرتبطة بتطوير البنية التحتية، وتنفيذ المشاريع الخدمية للمدن، فقد حملت في دورتها الأخيرة صبغة سياسية نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا، إضافة لملف اللاجئين السوريين الذي استخدمته المعارضة التركية في حملتها الانتخابية أسوًة باليمين الأوروبي، والخلاف التركي–الأمريكي حول منطقة شرق الفرات.

  • الاقتصاد المحلي على قائمة اهتمامات الناخب التركي

بالتدقيق في نتائج الانتخابات يتضح أن خسارة العدالة والتنمية لم تكن في المدن الكبرى فقط، بل امتدت لتشمل مدنًا أخرى مثل أنطاليا وأضنة ومرسين وهاتاي، فيما حقق الفوز في بعض المدن مثل بورصة بهامش ضئيل في الأصوات، ويرجع ذلك وفق موقع ميدل أيست أي البريطاني إلى استمرار التوتر بين المناطق الريفية والحضرية ما ساهم في تقويض فرص العدالة والتنمية الفوز بالانتخابات، فقد أظهر استطلاع للرأي الشهر الماضي أن الاهتمامات الرئيسية للناخبين تندرج ضمن ارتفاع نسبة البطالة وتكاليف المعيشة.

إذ شهد النمو الاقتصادي التركي تراجعًا واضحًا خلال الأشهر العشر الماضية، وهو ما أثر على اهتمام الناخبين الأتراك بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إذ دخلت تركيا منذ الأزمة الاقتصادية التي عصفت بها العام الماضي ركودًا اقتصاديًا دفع بمعدلات البطالة لتتجاوز نسبة 10%، ووصل لـ30% بين الشباب، وفقدت الليرة التركية 28% من قيمتها، وعادت مرًة ثانية لتفقد 2,5% من قيمتها قبل أسبوع واحد من الموعد المحدد لإجراء الانتخابات المحلية، فضلًا عن وصول نسبة التضخم لـ20% خلال الأشهر الأخيرة.

اعتبرت الصحافة التركية أن النتائج الأولية للانتخابات جاءت بـ"بمثابة التصويت بالثقة على النظام الرئاسي"، لكنها شددت في الوقت عينه على أن الناخبين الأتراك اختاروا في أصواتهم "الاستقرار وحذروا الحكومة التركية من أوجه القصور فيها"، وهو ما تؤكده الإحصائيات الرسمية التي تحدثت عن وصول نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية لـ84%.

  • ملف اللاجئين.. سلاح المعارضة التركية الدائم

شكل ملف اللاجئين السوريين ورقة ضغط استخدمتها المعارضة التركية في حملتها الانتخابية، وتميزت هذه المرة بنزول مرشحي أحزاب المعارضة إلى المناطق التي ينشط بها السوريين اقتصاديًا، مثل منطقة فاتح التي تشهد تواجدًا كثيفًا للمحال والمطاعم السورية، حيثُ رفعت مرشحة حزب الشعب الجمهوري إيلاي أقصوي شعارًا لحملتها "لن أسلم فاتح للسوريين"، بالإضافة لبثها مقاطع مصورة عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر.

وكانت تقارير صحفية عديدة قد أشارت في أكثر من مناسبة إلى تبدل المزاج التركي العام إزاء ملف اللاجئين السوريين، بعد أن قدم لهم أردوغان تسهيلات منذ عام 2011 للقدوم إلى تركيا هربًا من الحرب الدائرة في سوريا منذ ثمانية أعوام، ووفقًا لإحصائيات أممية يقيم في تركيا قرابة 3,6 مليون لاجئ سوري، وتصنف تركيا في المرتبة الأولى من ناحية استقبالها للاجئين السوريين.

وأرجعت معظم التقارير سبب تبدل المزاج العام في تركيا اتجاه اللاجئين السورييين تحديدًا لما وصفته بالمنافسة على الوظائف الشاغرة، واختلاف الثقافات بين الشعبين، بالإضافة لانتشار الشائعات حول منح الحكومة التركية مبالغ شهرية للسوريين المقيمين في تركيا، أو تسجيل الطلاب السوريين في الجامعات دون خضوعهم لفحص القبول.

اقرأ/ي أيضًا: هل تنوي الولايات المتحدة تسليم غولن إلى تركيا؟

وبطبيعة الأحوال فإن الانتخابات الحالية ستساهم بشكل كبير في تحديد مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا خلال العام الجاري، بالأخص بعد تصريحات أردوغان الأخيرة حول منطقة شرق الفرات، بعدما شدد قبل بوم واحد من موعد الانتخابات بأن أنقرة ستحل "مسألة سوريا عبر المفاوضات إن أمكن، وإن تعذّر ذلك فحتمًا سيكون الحل ميدانيًا"، حيثُ تسعى تركيا لإنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا تمهد لعودة اللاجئين السوريين للاستقرار فيها.

  • المناخ السياسي داخليًا وخارجيًا

كانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أشارت إلى أن نتائج الانتخابات الحالية تعكس تراجعًا شعبيًا واضحًا عند مؤيدي حزب العدالة والتنمية، ويمثل فوز حزب الشعب برئاسة بلدية أنقرة "خسارًة كبيرة جدًا" للعدالة والتنمية، لما تمثله من رمزية في الحياة السياسية التركية، فضلًا عن إمكانية خسارة العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول التي لم تحسم فيها النتائج نهائيًا حتى لحظة إعداد التقرير، لكن في حال خسارة العدالة والتنمية لها ستكون ضربة موجعة.

فقد تأثرت الانتخابات المحلية بالمناخ السياسي العام داخل تركيا، حيث أشارت تقارير صحفية إلى أن لغة التهديد التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية أبعدت الناخبين الأكراد عن التصويت لصالحه، ودفعت بأنصار حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) بالتصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري، بالإضافة إلى أن تركيز العدالة والتنمية في حملته الانتخابية على مسألة بقائه مرتبطة ببقاء الدولة كان لها دور في تراجع شعبيته.

كما دخل حزب العدالة والتنمية الانتخابات بالتزامن مع الخلاف الدائر بين أنقرة وواشنطن حول صفقة مقاتلات F35 التي أوقف بيعها مجلس الشيوخ الأمريكي ردًا على شراء أنقرة منظمة الدفاع الجوي الروسية S400، وعدم إيفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوعوده بسحب القوات الأمريكية من شرق سوريا على الرغم من إعلانه القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.

ستساهم الانتخابات التركية الحالية والنتائج المترتبة عليها في تحديد مصير اللاجئين السوريين بشكل كبير، خاصة أنهم كانوا مادة دعاية انتخابية!

لذا فإن الأمر مع واشنطن لا يقف عند مسألة صفقات السلاح التي تبرمها أنقرة، بل يشمل تقديم التحالف الدولي بقيادة واشنطن الدعم لمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسعى لإنشاء "إدارة ذاتية" في شمال شرق سوريا، وهو ما يقف عائقًا أمام تنفيذ أنقرة لعملية عسكرية في  المنطقة، التي تسعى تركيا لتأمينها حتى تسهل عودة اللاجئين السوريين إليها.

إذًا، من خلال هذه العوامل المذكورة سابقًا، فإن الانتخابات المحلية التركية ستدفع بتحالف الشعب لإعادة بناء قاعدته الانتخابية مجددًا وهيكلة أطره، بالنظر لما أفرزته النتائج الأخيرة كونها تساهم بشكل أساسي في بناء القاعدة الجماهيرية للأحزاب السياسية، وتدفع بهم لتصدر المشهد السياسي التركي، لكن كل ذلك يبقى مرهونًا بالمشاريع الخدمية، وتطوير البنية التحتية، والحد من مستوى البطالة الذي ستعمل عليه حتى عام 2023 موعد الانتخابات المقبلة.

 

اقرأ/ي أيضًا

7 استفتاءات دستورية في تاريخ تركيا الحديث.. ماذا تعرف عنها؟

لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية؟