14-أبريل-2016

الروائية لينا هويان الحسن

تصلح القضية المثارة ضد رواية الفتيان "البحث عن الصقر غنام" للكاتبة السورية لينا هويان الحسن لتكون مناسبة في قراءة نوع الأدب الذي باتت تروجه الجوائز الأدبية العربية، إضافة إلى السؤال الأخلاقي الذي يتعلّق بمدى نزاهة العديد من الكتابات التي تطلع علينا في الآونة الأخيرة. 

 فقرات كاملة من "البحث عن الصقر غنام" للينا هويان الحسن منسوخة من ويكيبيديا

القصة باختصار؛ اكتشفت الصحافية ليلاس سويدان، في مقال نشرته مؤخرًا في جريدة "القبس" الكويتة، أنّ فقرات كاملة من "البحث عن الصقر غنام" منسوخة من ويكيبيديا، وقد اعتبرت سويدان أن من حق الحسن أن تأخذ المعلومات التي تريدها من أي مكان، بما أنها ذات طابع علمي، لكن أن تنشرها كمان هي، فهذا ليس إلا سرقة أدبية كاملة الأوصاف. الحسن ردت بخشونة على صفحات التواصل الاجتماعي، وكتبت ردًا مكابرًا في القبس، دون أن تعتذر عما فعلته.

اقرأ/ي أيضًا: المكتبات في خلفيّة الصورة

من حق أي كاتب العودة إلى أية مصادر يريدها، لكن من الحق العلمي عليه أن يذكر المصدر، وهنا لا بد من الانتباه إلى تغريدة للكاتب والمترجم يزن الحاج: "من قال إن ويكيبيديا أو غوغل مصادر للسرقة، ومن قال إن الاستناد إلى ويكيبيديا موقف مقبول أكاديميًا أصلًا. مشاع المعلومة لا يعني جواز سرقتها". كما قال ردًّا في تغريدة أخرى، ردًا على الحسن التي ذكرت في ردها أن ما فعلته طبيعي: "تتحدث لينا عن الفرق بين التناص والاقتباس مع أن ما فعلته ليس هذا أو ذاك. إنه "تلاص" واضح. سرقة معلومات دون الإشارة إلى مصدرها".

تلفت هذه القضية إلى حجم مساهمة الشبكة العنكبوتية في تشكيل معرفة معظم كتاب اليوم، واعتمادها بديلًا عن الكتب والأبحاث والدراسات، التي يجب على الكتّاب الإبحار فيها ليقدموا للقارئ مادة جديرة بالقراءة، وليكون للنقاد اعتبار عملهم إضافة إلى الإنسانية. صحيح أن الإنترنت مصدر معلومات مهم، لكنه ليس مصدر معرفة على الإطلاق، ولن يكون كذلك مادام ما ينشر عليه بحاجة إلى تدقيق وتوثيق. ناهيك عن أن ويكيبيديا، نتيجة قبلوها للكتابة والحذف والإضافة من أي شخص، تقدم معلومات متناقضة أحيانًا، أو كاذبة، كأن يسجّل أحد المراهقين نفسه كزوج لأنجلينا جولي دون رادع! المشكلة الأخرى التي تترافق مع هذه هي اعتماد لغة الشبكة هويةً للنص بدلًا من اللغة الأدبية.

تكمن خطورة عملية القص واللصق في تخريب الذائقة العامة وإشاعة استسهال الكتابة، هذا طبعًا إذا غضضنا النظر عن رداءة النص الأصلي. وبخصوص حجة أن النص الأدبي لا يحتمل وضع إشارات علمية ومعرفية، لدينا مثال تقدمه رواية إلياس خوري الأخيرة "أولاد الغيتو- اسمي آدم"، حيث يضع في الصفحة الأخيرة إشارة يقول فيها حرفيًا: "إن هذه الرواية لم تكن ممكنة لولا قراءتي لشهادات إسبير منيّر وفوزي الأسمر، وأعمال وليد الخالدي وعارف العارف وإدوارد سعيد وسليم تماري وإبلان بابخ وأمنون راز كاركوتزين وآخرين، ونصوص من الأدبين الفلسطيني والعبري". كذلك هناك عشرات الشعراء الذين يذيلون قصائدهم بمراجع تاريخية وفكرية وإحالات سردية وأسطورية.

اقرأ/ي أيضًا: خرافة الحرية: أكثر من سياسية!

لا يخفى أن "البحث عن الصقر غنام" مكتوبة بهدف نيل جائزة الشيخ زايد، إذ أن الكاتبة رأت أنّ الخليج العربي سيقبل برواية تغازل فلكلوره المعروف في الصقور والصيد، وهذا يعني أننا أمام كتابة استهلاكية هدفها اقتناص الجائزة. وربما كانت هذه السقطة تعادل السرقة الأدبية أخلاقيًا من حيث حالة الفساد الفاقعة.

تكمن خطورة عملية القص واللصق في تخريب الذائقة العامة وإشاعة استسهال الكتابة

الكتابة من أجل الجوائز من جهة، وتفصيل كتابات روائية على مقياس ذوق مجتمعات هذه الجوائز، تنفي عن الأدب صفة الإبداع، وتجعل منه أدبًا ضد الأدب وكتابة ضد الكتابة. هو منطق استهلاكي يرى الحقل الأدبي سوقًا (الحسن كررت كلمة سوق في ردودها كثيرًا). ضمن هذا الفهم يمكن النظر إلى الكتابة كسوبر ماركت، وإلى دور الكاتب بوصفه دورًا تجاريًا لا يختلف عن دور الموزع، بما أن الكاتب في هذه الحالة يعيد توزيع كتابات سابقة في كتبه!

وبعيدًا عن عدم احترام الكتابة كفعل إنساني، حاولت الحسن، خلال ردودها في "القبس" وفيسبوك، التلويح إلى أنها من الواصلين إلى قائمة البوكر القصيرة، وكأنّ الجائزة، أية جائزة، تمنح الكاتب حصانة يستيطع من خلالها منع أي نقد يوجّه له، وتعطيه سلطة تجعله يتفوق على غيره من البشر، وهي نزعة غريبة فعلًا نكاد لا نجدها إلا لدى أبواق الأنظمة ومن يدور في فلكهم.

منذ مدة اتهمت لينا الحسن مواطنها الروائي خالد خليفة بأنه سرق من مقال لها فكرة روايته "الموت عمل شاق"، بناءً على تشابه في خط حكائي عمومي يمكن أن يخطر على بال أي أحد، متناسية أن الكتابة الروائية بناء وشخصيات وأحداث وأفكار وقراءات نفسية واجتماعية إلخ، وليست حكاية بسيطة ترد في مقال وحسب. ما الذي يمكن أن تقوله الحسن عن كتاب كامل لها يُتهم بالسرقة، بعد وصوله إلى القائمة القصيرة لجائزة "زايد للكتاب"، وعلى أثر الاتهام يقوم أمناء الجائزة بحجب هذا الفرع؟ سؤال برسم الجميع، والكاتبة قبل أي أحد آخر.

اقرأ/ي أيضًا:

مثل غصن متأرجح لا يقع

بودلير.. روائح أزهار الشرّ