27-مارس-2016

راشد دياب/ السودان

ما الفرق بين "الأدب العربي" و"الأدب المكتوب باللغة العربية"؟ وفي أيِّهما يمكن تصنيف ما ينتجه الأدباء السودانيون اليوم؟ حسنًا هذا السؤال ليس بالبساطة التي يبدو عليها، إذ يلزم النظر باتساع إلى جهات كثيرة لاختيار إجابة، فالسودان أكثر تعقيدًا مما يظهر في نشرات الأخبار، وأكثر تناقضًا مما يراه الآخرون.

السودان أكثر تعقيدًا مما يظهر في نشرات الأخبار، وأكثر تناقضًا مما يراه الآخرون

علمتنا المدارس، أن هناك ما يُسمى "الوجدان المشترك"، الذي بُني عليه وعلى عوامل أخرى؛ انتماء السودان إلى "الوطن العربي الكبير"، لكن لم يشرح لنا أحد، بدقة، ماهية هذا الوجدان الذي نتشاركه -افتراضًا- مع شعوب أخرى، تمتد "من المحيط إلى الخليج"، بل أخذنا الأمر كمسلَّمة تُستدعى وقت الحاجة، هذا قبل أن ينهشها التشكُّك، ومن ثمَّ تبهت وتتلاشى مفسحة لرؤى أخرى عن مكان السودان في محيطيه؛ الجغرافي واللغوي.

اقرأ/ي أيضًا: لن يتنحى!

في وسط السودان النيلي، ينظر الشارع غالبًا إلى نفسه كجزء من "الأمة العربية"، وهي مسلَّمة بالنسبة إلى كثيرين لا تقبل الجدال. لكن الأمر يختلف عند شريحة الأدباء الشباب، لا سيما من هم دون الأربعين، فعدا استثناءات قليلة، لا يبدو أن هناك من ينظر إلى نفسه كجزء من تلك الأمة، فبجانب من يعرّفون أنفسهم -منهم- كأفارقة صرحاء، وينشطون في دعم هذا الخيار؛ نجد هناك من لم يشغل نفسه حتى بهذا السؤال.

لا ينتمي أكثر الكتاب الجدد، بحسب ملاحظتي، إلى ذلك "الوجدان" العربي المشترك، ومن ثم تكاد لا تحمل كتاباتهم أثرًا له. بل حتى اللغة العربية التي يكتبون بها، ويتكلمها بعضهم كلغة أم، تخففت لديهم من المحمول الثقافي الذي يمكن التماهي معه. فمنذ وقت ليس قليلًا، لم تعد كتب التراث الأدبي العربي تشكِّل معظم ثقَّافة مجموعات كبيرة من السودانيين، أو تدعم معرفتهم باللغة، لذا لم تُمرَّر إلى القراء الجدد تلك الروابط التي ربطت آباءهم بتراث يتعاملون معه حتى الآن بوصفه يخصهم.

اقرأ/ي أيضًا: أرائحة موت في الأفق؟

قرأ الشباب هؤلاء، الترجمات العالمية، وشهدوا انفجار البث الفضائي، واتساع خيارات المشاهدة، وتعرفوا إلى لغة عربية جديدة في تراكيبها وصورها، وانفتحوا على علوم اللسانيات والنقد الجديد التي أتيحت في التسعينيات وبداية الألفية، كل ذلك غذّى في ما بعد، جدل "الهوية" الساخن في العقد الأول من القرن الجديد.

يبدو أن لدينا "وجدانًا سودانيًا مشتركًا" يمكن تقصِّيه في ما يكتبه الساردون والشعراء

إنني اليوم لا أجرؤ على وصف الأدب الذي يكتبه جيلي من الكتاب الشباب في السودان، بأنه عربي، بل أنفر من إطلاق هذا الوصف على كثير من إنتاج السابقين. حجتي في ذلك، أنه إنتاج لم يحوِ مشتركًا عربيًا سوى اللغة، وفي ما عداها فهو سوداني تمامًا. ما هو السوداني؟ حسنًا، يبدو أن لدينا "وجدانًا سودانيًا مشتركًا" يمكن تقصِّيه في ما يكتبه الساردون والشعراء: بيئات، وثيمات، وظواهر، ومشاكل وتعقيدات نختص بها دون غيرنا، ولن تجدها في أي عمل لم يكتبه سوداني.

وعلى عكس هذا، يصعب أن تجد "المشترك العربي الأعظم" وهو القضية الفلسطينية، ضمن اهتمامات ولغة وإنتاج الكتاب الشباب السودانيين، حتى قبل تراجعها عالميًا لصالح قضايا الإسلام السياسي والإرهاب وغيرها، كما لن تجد أشعارًا تمجِّد أيقونة عربية تاريخية، ولا تأريخًا أدبيًا لظواهر عربية، ولا أيًّا من الشواغل الشبابية العربية؛ تحوم في رؤوسهم.

كتابتنا مختلفة، إيقاعها مختلف، بل أكاد أظن أنها تتطور في خيط تفاعله ضئيل مع المحيط الخارجي، لكنه نشط التفاعل مع حركة التطور الداخلية المغلقة لظروف عدة، وهو أمر له حسناته أيضًا في رأيي. إن ما أود قوله بوضوح أكثر، هو إن إنتاجنا الأدبي يشبه موسيقانا: كلاهما مختلف عن بقية المصنَّف معه في الدائرة نفسها. هو أدب أسئلته تخص حالة فريدة، تقع في لحظة الذروة لمشادّة الأنا والأنت، ما سيأتي وما ينبغي أن يأتي؛ لذا لن أسميه. لن أتعجل وأقول إنه "سوداني" بتأكيد خالص، أو "أفريقي"، أو أي اسم، هو بركان متدفق لن يهدأ قريبًا، لكني بلا شك، أراه ليس أدبًا عربيًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

أنا مع حصار بلادي!

اقتلوا هاري بوتر!