17-مارس-2022
الأوليغارشية الروسية

يحيط بوتين نفسه بطبقة من كبار الأثرياء الذين تربطهم به مصالح متبادلة (Insider)

استهدفت العديد من العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قلة من الأثرياء الموالين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ممن تربطهم به صلات وعلاقات متنوعة.

تريد واشنطن إيصال رسالة للشعب الروسي مفادها أنها ترى أن العدو الحقيقي لها هو الأوليغارشيةوالنخبة الحاكمة حاليًا في روسيا، وليس الشعب الروسي

ينخرط هؤلاء الأثرياء في أعمال في شتى المجالات كالسياحة (الفنادق واليخوت وغيرها)، والفرق الرياضية والإعلام، ويمتلكون الأصول والأسهم والعقارات في روسيا وخارجها. وحين الحديث عن الأوليغارشية الروسية، سرعان ما يتبادر إلى الذهن صور للقصور الفخمة والسيارات الفارهة وتجارة الذهب والمجوهرات الثمينة.

وقد وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن حديثه في خطاب حالة الاتحاد مطلع آذار/مارس الجاري لهذه الأقلية الأوليغارشية الروسية، وقال: "أقول للأوليغارشية الروسية والزعماء الفاسدين الذين جمعوا مليارات الدولارات من هذا النظام العنيف بأن وزارة العدل الأمريكية تعمل على تشكيل فريق عمل مخصص لملاحقة جرائم الأوليغارشية الروسية، ولن نسمح للأوليغارشية أن تستمر في كسب المزيد من الأرباح عن طريق الفساد". 

لكن من أين أتت تسمية الأوليغارشية في المقام الأول؟

لا تأتي هذه التسمية من فراغ، وهي تهدف توجيه سهام الانتقاد إلى جزء صغير من المنظومة الحاكمة في روسيا، في محاولة لتأليب الرأي العام الروسي ضد هذه الجماعة في سياق الأزمة الأوكرانية الحالية باعتبارها من ضمن المسؤولين عما تشهده روسيا وما ستشهده من معاناة مستقبلية في حال استمرار العقوبات الغربية.

يضاف إلى ذلك، أن الإدارة الأمريكية تريد إيصال رسالة للشعب الروسي مفادها أنها ترى أن العدو الحقيقي لها هي الأوليغارشيةوالنخبة الحاكمة حاليًا في روسيا، وليس الشعب الروسي، وبأن هذه الأقلية هي خصم للعب الروسي أيضًا.

البدايات من التسعينات

تعود تسمية الأوليغارشية أو الأوليغاركية إلى بداية التسعينات من القرن الماضي عندما تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتبع هذا السقوط اختلالات اقتصادية وأمنية وكثر الفساد في البلاد من أطراف عديدة في محاولة لوضع اليد على البنى الصناعية والانتاجية في البلاد، واتخذ هذا التنافس الحاد أشكالًا عنفية أيضًا.

ونتج عن هذا الصراع ظهور طبقة استطاعت أن تستأثر بالسلطة وأن تشارك في أول حكومة بعد الانهيار بقيادة الرئيس بوريس يلتسين وذلك في العام 1991. وهكذا شكلت هذه الطبقة والتي هي عبارة عن مجموعة من الأقلية، شكلت حكمًا واستأثرت بالسلطة والمقدرات في البلاد وباتت تعرف بالاوليغارشية.

وبحلول العام 2000، تولى فلاديمير بوتين الرئاسة، وحاول فرض سيطرته وإخضاع الأوليغارشية الروسية لسلطته ورؤيته وكف يد من يعارضه.وقد فضل العديد من الأوليغارشيين الفرار من البلاد هاربين من سطوة بوتين، وكما سُجن آخرون وصودرت ممتلكاتهم. في حين حصل آخرون على جنسيات أجنبية واستثمروا أموالهم في دول غربية، فيما بقي في روسيا من وافقوا على الإذعان لسياسات بوتين.

معنى الأوليغارشية باللغة العربية

يمكن الاستدلال بقاموس "بلاكويل للفكر الاجتماعي الحديث" لوليم آوثوايت والذي أشرف على ترجمته عالم الاجتماع العراقي، الدكتور فالح عبد الجبار، بهدف الركون إلى تعريف علمي دقيق لما يعنيه مصطلح الأوليغارشية ومقابله باللغة العربية. يشير الكتاب إلى أن تعريف مصطلح الأوليغارشية في العربية يعني "طغمة" وكما يمكن استخدام ترجمة "حكم النخبة" للدلالة إلى الأوليغارشية، ويشير إلى ان أفلاطون وأرسطو عرفا هذا المصطلح بأنه "حكم القلة". كما يورد القاموس بأن "الأقلية المنظمة تهيمن دومًا على الأغلبية غير المنظمة". 

الأزمة الأوكرانية

عقوبات ضد الأوليغارشية الروسية

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن هذه الأصول ستكون مدار بحث وسيتركز العمل على مواجهتها والتضييق عليها من قبل فريق أطلق عليه اسم KleptoCapture، (فريق ملاحقة اللصوص)، وهو فريق عمل متخصص في ملاحقة الأوليغارشية الروسية وأماكن تواجدها المعنوية والوهمية في كثير من الأحيان.

فإلى جانب 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وسويسرا والعديد من الدول الأخرى، تلاحق الولايات المتحدة المصالح الاقتصادية الروسية والمرتبطة بالكرملين، وذلك على حد تعبير بايدن من أجل "الضغط على روسيا بشكل مؤلم ودعم الشعب الأوكراني" مؤكدًا أن فلاديمير بوتين قد بات الآت معزولًا عن العالم "أكثر من أي وقت مضى"، على حد وصفه. 

وأشار بالقول "بالتعاون مع حلفائنا، نحن الآن نفرض عقوبات اقتصادية صارمة. نحن بصدد عزل أكبر المصارف الروسية عن النظام المالي الدولي ومنع البنك المركزي الروسي من الدفاع عن العملة الوطنية (الروبل)". كما وأشار بايدن إلى أن "الميزانية المخصصة للحرب الروسية التي وضعتها إدارة بوتين وتعادل 630 مليار دولار أصبحت بلا قيمة بسبب تدهور العملة المحلية الروسية بنحو 30% أمام الدولار"، فيما فقد سوق الأسهم الروسية 40% من قيمته ولا يزال التداول التجاري معلقًا.

وتابع بايدن خطابه  المنشور على الصفحة الرسمية للبيت الأبيض "نحن ننضم إلى حلفاءنا الأوروبيين للبحث وإيجاد الأصول المادية للأوليغارشية الروسية"، وأورد التالي "سنستولي على اليخوت الخاصة والشقق الفاخرة والطائرات الخاصة، وسوف نصادر كل مكاسبكم الخبيثة".

ففي إسبانيا على سبيل المثال، أفادت الحكومة أنها حجزت يختًا فاخرًا يسمى "فاليري" كان يرسو على ميناء مدينة برشلونة، وأشارت الحكومة بأن اليخت مملوك لأحد الأوليغارشيين الروس. وأعلنت السلطات الفرنسية مصادرة يخت Amor Vero  والذي تعود ملكيته لشخصية أوليغارشية روسية هو إيغور سيتشين، والذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء الروسي من عام 2008 وحتى العام 2012، ويشغل حاليًا منصب المدير التنفيذي لشركة النفط الحكومية روسنفت، ويعتبر سيتشين شخصية مقربة من الرئيس بوتين، وذلك بحسب ما أعلن وزير المالية الفرنسي برونو لو مير في تغريدة على تويتر.

ورأى بايدن بأن أمريكا وحلفاءها يمنعون روسيا بشدة من الوصول إلى التكنولوجيا، مما سيترك آثارًا كبيرة سلبية عليها وسينتج عنه إضعاف قوتها الاقتصادية والعسكرية لسنوات قادمة في المستقبل. وأعلن بايدن أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها سيغلقون المجال الجوي الأمريكي أمام جميع الرحلات الجوية الروسية، مما يزيد من عزلة روسيا، ويفاقم ضغوطًا إضافية على اقتصادها.

وأصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قائمة بالشركات والأفراد الروس المستهدفين بالعقوبات، وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC التابع لوزارة الخزانة، تدابير اقتصادية موسعة. تستهدف هذه التدابير النخبة الروسية وأعضاء من الكرملين وقادة الأمن السياسي والوطني في روسيا. وكما تشمل الاجراءات عقوبات على نخب النظام ورجال الأعمال التنفيذيين الذين يعدون بمثابة شركاء وميسرين للنظام الروسي، بما في ذلك أفراد مقربون من الرئيس بوتين. كما طالت العقوبات المتحدث باسم الرئاسة ديميتري سيرجيفيتش بيسكوف، والملياردير الروسي والمسؤول الداخلي في الكرملين فيكتور فيكسيلبيرج، وأعضاء في مجلس إدارة بنك  VTB الروسي، بالإضافة إلى 12 عضوًا في مجلس الدوما الروسي، من ضمنهم عضو مجلس الأمن الروسي فياتشيسلاف فيكتوروفيتش فولودين، بحسب ما أوردت وزارة الخزانة الأمريكية.

نفوذ بوتين على الأوليغارشية

تأتي هذه الخطوات بغية التضييق على رؤوس الأموال الأوليغارشية والتي ربما يستفيد منها فلاديمير بوتين في تمويل حملته العسكرية، والتي تعتبر واشنطن بأنها تشكل شريان حياة حيويًا يجب تعطيله أو "خنقه" بالحد الأدنى، كما أشار جو بايدن في خطابه.

غير أن هذه العقوبات لا تشمل بالضرورة جميع الأوليغارشيين الروس وخاصة أولئك الذين تحفل بهم صفحات مجلة فوربس للأثرياء ممن تتشابك مصالحهم مع الدول الغربية في أوروبا وأمريكا.

ووفقًا لدراسة أجريت عام 2017 عن الأوليغارشية الروسية نشرها مكتب الاقتصاد الوطني ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، خلصت إلى أن ما يصل إلى 800 مليار دولار يحتفظ بها الأثرياء الروس في المملكة المتحدة وسويسرا وقبرص ومراكز مصرفية خارجية مماثلة. هذه الثروة الهائلة، التي يمتلكها بضع مئات من الأفراد الأثرياء، تساوي تقريبًا ثروة بقية السكان الروس البالغ عددهم 144 مليون شخص. وكان لدى النظام الروسي وأوليغارشيته ما يكفي من الوقت في السابق من أجل تبييض هذه الاموال والأصول بشتى الطرق تجنبًا للعقوبات المحتملة، ومنها حصول الكثير منهم على جنسيات أوروبية أو إسرائيلية مما خلق تعقيدات قانونية أمام مصادرة أموالهم وأصولهم، بحسب ما أشار موقع ذي ناشيونال.

التلفزيون العربي

المسؤول الأمريكي السابق في ظل كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية والذي ساعد في صياغة العقوبات الأمريكية ضد موسكو في أعقاب غزو بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014، دانيال فرايد، حذر من أن معاقبة الأوليغارشية الروسية سيكون له على الأرجح تأثير محدود على إقناع بوتين بتغيير المسار العسكري في أوكرانيا. ويبرر فرايد رأيه بالقول "بوتين يسيطر عليهم. الأوليغارشية موجودة بفعل رضاه عليها، فبوتين بإمكانه معاقبتهم ن خلال السجن أو القتل"، وأضاف "الفكرة القائلة بأن الأوليغارشية الروسية يمكن أن تفرض نفوذها على بوتين فكرة حمقاء". لكنه رأى بأن تكلفة دعم الأوليغارشية لبوتين سترتفع وستكبر خسائرها غير ان ذلك لا يعني أن تنفض من حوله.