03-مارس-2022

زعزعة الاقتصاد الروسي قد لا يكون حلًا أمنيًا كافيًا (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

في خطابه عن حالة الاتحاد، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثمن الحرب في أوكرانيا على المدى الطويل، قائلًا "في حين أنه قد يحقق مكاسب في ساحة المعركة، سيدفع ثمنًا باهظًا يستمر على المدى الطويل". لكن ما مدى تأثيرالعقوبات الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي؟

تعد العقوبات الاقتصادية السلاح الأبرز لدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي للتأثير بشكل أكبر على القوة الاقتصادية لروسيا. فكيف سيكون تأثيرها؟

تعد العقوبات الاقتصادية السلاح الأبرز لدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي للتأثير بشكل أكبر على القوة الاقتصادية لروسيا. حيث توعد بايدن الأوليغارشيين الروس بمصادرة "يخوتهم وشققهم الفاخرة وطائراتهم الخاصة" والتي قال إنهم "حصلوا عليها نتيجة أعمال غير شريفة". وقد كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الولايات المتحدة تُعدّ لتوسيع العقوبات المفروضة على كبار رجال الأعمال الروس وشركاتهم وأفراد أسرهم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وأضافت الصحيفة أن البيت الأبيض ووزارة الخزانة الأمريكية يُعدّان قائمة بالأفراد المستهدفين، وبعضهم ممن فرض عليهم الاتحاد الأوروبي عقوبات، ومنهم عليشر عثمانوف الذي يملك شركة كبرى للحديد والصلب.

وعلى سبيل المثال، يدرس البيت الأبيض فرض عقوبات جديدة على عليشر عثمانوف مالك مجموعة الحديد والصلب التي قدرت قيمتها بأكثر من 15 مليار دولار. ومن المحتمل أن تشمل العقوبات الأمريكية أيضًا قيودًا على السفر ومصادرة الأصول الخارجية التي يمكن أن تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

وبحسب واشنطن بوست، من المتوقع أن تكون العقوبات الأمريكية أكثر تعقيدًا من تلك التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، حيث لا تستهدف الأفراد فحسب، بل أفراد عائلاتهم والشركات التي يمتلكونها أيضًا، وفقًا لمسؤول في البيت الأبيض تحدث عن تلك العقوبات الأمريكية شرط عدم الكشف عن هويته.  وقالت شركة Metalloinvest التي يملكها عثمانوف وهي شركة تعدين في بيان لها إنها تعتبر العقوبات المفروضة عليه "غير صحيحة وغير عادلة"، كما أصدر عثمانوف بيانًا يتهم فيه الاتحاد الأوروبي قائلًا إن "تلك مزاعم كاذبة وتشهيرية تضر بشرفي وكرامتي وسمعتي التجارية".

What are the US sanctions against Russia and will they work? - Vox

وتمثل العقوبات الإضافية جزءًا من حملة الإجراءات الاقتصادية غير المسبوقة ضد الأوليغارشية الروسية المرتبطة بالكرملين. ففي الأسبوع الماضي وحده أعلن القادة الغربيون عن سلسلة من الإجراءات العقابية التي تستهدف شبكة من رجال الأعمال والمانحين المرتبطين بالسياسة والذين يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم حلفاء مهمون للرئيس الروسي.

بالإضافة إلى العقوبات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، تعهد القادة الغربيون  بإنشاء "فرقة عمل" جديدة لإنفاذ القانون للمساعدة في تحديد وتجميد أصول الأوليغارشية الروسية التي تنتهك تلك العقوبات.  ويسعى الحلفاء الأمريكيون والأوروبيون إلى قطع مصادر تمويل بوتين لعملياته الحربية في ظل توقعات أن تدفع تلك العقوبات روسيا نحو أزمة اقتصادية.  ووفقًا للصحيفة، هناك ورقة صادرة عام 2017 عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، تتحدث عن أن عددًا من رجال الأعمال المشمولين بالعقوبات خدم في مستويات عالية في حكومة بوتين، أو لعبوا دورًا فعالًا في توفير التمويل إما للرئيس الروسي شخصيًا أو لجهود الكرملين في الخارج.

وتعمل تدابير العقوبات الأمريكية من خلال إضافة المسؤولين الروس ورجال الأعمال والشركات والمجموعات الأخرى إلى قائمة تحتفظ بها وزارة الخزانة الأمريكية، وأي كيان أو شخص يظهر في تلك القائمة ستجمد أصوله، كما يمنع على الأمريكيين بشكل عام كل التعاملات المالية معهم.

وتشير الصحيفة أن تحقيقًا أجرته عام 2021 استنادًا إلى مجموعة من السجلات المالية بينت كيف أن العقوبات الأمريكية الحالية أصابت أهدافها الروسية، لكن حاليًا من الصعب الحديث  إلى أي حد سيصل تأثير تلك العقوبات بسبب استمرار تحريك رؤوس الأموال الروسية من خلال النظام المالي العالمي غالبًا من عن طريق حسابات سرية.

 لكن تلك الإجراءات هي تعبير عن التغيير الكبير على السياسة الغربية، وهذا ما يؤكده مستشار مكافحة الفساد للمشرعين في الكونغرس بول ماسارو الذي يشير إلى أن "العقوبات ضد هؤلاء غير مسبوقة في نطاقها وحجمها". ويضيف "كان يُفترض أن العديد منهم لا يمكن المساس بهم"، وتابع "سوف تهز العقوبات نظام بوتين المارق في جوهره".

عواقب أمام العقوبات

لكن محاولات الغرب لمعاقبة النخب المالية في روسيا تواجه عقبات لوجستية كبيرة وتنطوي على مخاطر  من انتقام الكرملين كما تقول الصحيفة. حيث تحدث بعض الخبراء بأن تلك الإجراءات قد تدفع أيضًا نخب رجال الأعمال في روسيا إلى أن يكونوا أكثر وليس أقل دعمًا لبوتين، كما يحتمل أن تضرب تلك العقوبات أيضًا وعن غير قصد الأوليغارشية الروسية التي تعارض حرب موسكو في أوكرانيا.

ومن المحتمل أيضًا أن تتعطل الجهود المبذولة لتجميد أو مصادرة أصول رجال المال المقربين من بوتين بسبب البنية القانونية الأمريكية التي تسمح للجهات المجهولة التي تستخدم الأموال غير المشروعة في كثير من الأحيان بتشكيل الشركات وشراء العقارات وغيرها من الأصول تحت ستار صارم من السرية.

Sanctions against Russia | Latest news, analysis, and comment from the i  paper

وما يزيد الأمور تعقيدًا أن بعض الأوليغارشية يشرفون على العمليات التجارية العالمية التي قد تشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعدم الارتياح بشأن تقويضها، فقد تؤدي العقوبات المفروضة على نخب الأعمال الأجنبية إلى مصادرة أصولهم وممتلكاتهم من الشركات، ولكن يمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على العمليات التجارية التي تشمل سلعًا ومواد مهمة للاقتصاد العالمي. حيث يمكن للإجراءات العقابية أن تلحق الضرر أيضًا بالمالكين الروس في قطاع تصدير الغاز في البلاد، والذي سعت الولايات المتحدة وأوروبا عمومًا إلى إعفائه من العقوبات.

مدى العقوبات

لم تقتصر الإجراءات على معاقبة رجال المال المرتبطين بمحيط الرئيس الروسي فقط بل انتقلت لعمل الشركات الغربية داخل روسيا أو من تملك علاقات مع جهات روسية. وفي هذا الإطار نشرت وكالة بلومبرغ المهتمة بالشأن الاقتصادي مقالًا بعنوان النزوح الكبير من روسيا. وأشارت إلى أن هناك شركات قطعت علاقاتها أو تُراجع عملياتها في روسيا مع تزايد تشديد الحكومات الغربية للعقوبات ضد البلاد. فقد خلصت تلك الشركات إلى أن العمل هناك أصبح  مشكلة عميقة المخاطر، سواء فيما يتعلق بالسمعة أو بالجانب المالي.

وتصدرت شركة BP Plc النفطية وهى أكبر مستثمر أجنبي في روسيا هذا الطريق بإعلانها المفاجئ الأحد الماضي أنها ستتخلى عن حصتها البالغة 20% في شركة Rosneft التي تسيطر عليها الحكومة الروسية، وهي خطوة قد تؤدي إلى شطب 25 مليار دولار. وكانت الحصة نتاج مشروع مشترك بين شركة النفط العملاقة ومجموعة من المليارديرات.

تبعتها شركة شل بي إل سي يوم الاثنين التي وضحت أن السبب هو "العمل العدواني العسكري الذي لا معنى له لروسيا". وقالت إنها تنهي شراكاتها مع شركة غازبروم التي تسيطر عليها الدولة، بما في ذلك منشأة الغاز الطبيعي المسال سخالين -2 ومشاركتها في مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2  الذي منعته ألمانيا الأسبوع الماضي. وتبلغ قيمة كلا المشروعين حوالي 3 مليارات دولار. وبحسب الوكالة التقى وزير الدولة  للأعمال والطاقة الاستراتيجية البريطاني كواسي كوارتنج مع الرئيس التنفيذي لشركة شل بن فان بيردن يوم الاثنين لمناقشة مشاركة الشركة ورحب بالخطوة. وكتب على تويتر "تحدثت في وقت سابق اليوم إلى بن فان بيردن  الرئيس التنفيذي لشركة شل. قامت شركة شل بالخطوة الصحيحة لسحب الاستثمارات من روسيا بما في ذلك سخالين الثاني. هناك الآن واجب أخلاقي قوي على الشركات البريطانية لعزل روسيا. يجب أن يكون هذا الغزو فشلاً استراتيجيًا لبوتين".

كما أعلنت شركة Equinor ASA وهي أكبر شركة طاقة في النرويج وتستحوذ الدولة فيها على الحصة الأكبر  أنها ستبدأ في الانسحاب من مشاريعها المشتركة مع روسيا، والتي تبلغ قيمتها حوالي 1,2 مليار دولار، وقال الرئيس التنفيذي أندرس أوبيدال "في الوضع الحالي نعتبر أن موقفنا يجب الدفاع عنه".

وأعلن صندوق الثروة السيادية النرويجي وهو الأكبر في العالم، أنه سيجمد أصولًا روسية تبلغ قيمتها حوالي 2,8 مليار دولار، وسيتوصل إلى خطة للخروج بحلول 15 آذار/مارس القادم. وقالت شركة توتال إنرجي الفرنسية التي تشارك في مشاريع الغاز الطبيعي المسال الكبرى في روسيا، إنها لن توفر رأس المال بعد الآن في البلاد.

كما تقوم شركات القانون والمحاسبة الكبرى أيضًا بإجراء عمليات تقييم. وقالت شركة المحاماة بيكر ماكنزي إنها "تراجع عملياتها في روسيا، وستقطع العلاقات مع العديد من العملاء الروس من أجل الامتثال للعقوبات". ومن بين عملاء الشركة التي تتخذ من شيكاغو مقرًا لها وزارة المالية الروسية و VTB  ثاني أكبر بنك في روسيا، والذي تعرض لتجميد الأصول والعقوبات من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. 

وقال متحدث باسم الشركة "نحن لا نعلق على تفاصيل علاقات محددة مع العملاء، ولكن هذا سيعني في بعض الحالات الخروج من العلاقات تمامًا". وعلى نفس الخطى أعلنت  لينكليترز ومقرها لندن في بيان لها إنها "تراجع كل أعمال الشركة المتعلقة بروسيا"، وقالت KPMG LLP إنها ستقطع العلاقات مع بعض العملاء الخاضعين لموجة العقوبات الأخيرة ضد روسيا، وفقًا لما نشره رئيسها البريطاني جوناثان هولت على موقع LinkedIn.

شركات السيارات أيضًا

ويتزايد الضغط على الشركات التي لديها مشاريع مشتركة في روسيا، فقد أعلنت شركة Daimler Truck Holding AG إحدى أكبر الشركات المصنعة للسيارات التجارية في العالم أنها ستوقف أنشطتها التجارية في روسيا حتى إشعار آخر، وقد تراجع العلاقات مع شريك المشروع المحلي Kamaz PJSC. كما أعلن كل من Volvo Car AB وVolvo AB صانع الشاحنات عن توقف المبيعات والإنتاج في روسيا، وأشارت شركة Harley-Davidson Inc إلى أنها علقت أعمالها في روسيا، والتي مثلت مع بقية أوروبا والشرق الأوسط 31% من مبيعات الدراجات النارية العام الماضي.

بدورها قالت شركة جنرال موتورز إنها أوقفت الشحنات إلى روسيا مستشهدة بـ "عدد من العوامل الخارجية، بما في ذلك مشكلات سلسلة التوريد ومسائل أخرى خارجة عن سيطرة الشركة". وتصدر جنرال موتورز حوالي 3000 مركبة سنويًا إلى روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية.  وفي اليابان قالت معظم شركات صناعة السيارات الكبرى إن العمل مع روسيا سيظل كما هو، على الرغم من أن شركة ميتسوبيشي موتورز قالت إنها ستجتمع لتقييم مخاطر التشغيل هناك.

U.S., U.K., Europe and Canada to block Russian access to SWIFT | The Japan  Times

هذا وهبط سهم رينو الفرنسية لصناعة السيارات بنسبة 12% يوم الاثنين، وتعتبر روسيا هي ثاني أكبر سوق لها. وتمتلك رينو حصة 68% من شركة  AvtoVaz المحلية مما يجعل المركبات ذات العلامة التجارية Lada تستحوذ على حوالي خمس السوق الروسية. كما تصنع رينو كابتور وداستر ومركبات أخرى في مصنعها الخاص في موسكو.

ماذا عن المعادن؟

كما تشير وكالة بلومبرغ  إلى أن صادرات المعادن الروسية المستخدمة في الأغراض الصناعية أخذت في التراجع بحسب مسؤولين تنفيذيين ومحللين يتعقبون التدفقات التجارية. فقد تحدثت مصادر مطلعة إن أكبر شركات تصنيع الصلب في روسيا سجلت تراجعًا في الصادرات منذ بداية الغزو، فقد علقت ألمانيا كافة مشتريات الصلب تقريبًا.

وبوجود روسيا وسط أكبر خمسة منتجين على مستوى العالم للصلب والنيكل والألمنيوم، فإن تراجع شحنات المعادن يهدد بتفاقم نقص الإمداد في السوق الذي يعاني فعليًا من عجز في المعروض. وبالرغم من عدم استهداف العقوبات للمعادن بشكل مباشر إلا أن الأسعار تزداد جراء مخاوف من أنه ربما تسفر الإجراءات الأخيرة عن عرقلة سداد مستحقات للموردين وتحفز البنوك على كبح تمويل مشتريات البضائع الروسية.

في هذا السياق، يوضح تقرير لمحللين من مجموعة "غولدمان ساكس" تراجع شحنات المعادن الروسية وأن "المشترين يحجمون في ظل ظروف عدم اليقين حيال العقوبات وتصعيد الصراع". ويضيف أنه "في ظل تراجع الصادرات بطريقة ملموسة من روسيا وكازاخستان وأوزبكستان، ستتعرض كافة أسواق المعادن الأساسية لنقص في المعروض بطريقة سريعة في الأجل القريب". حيث يرفض بعض وكلاء الشحن نقل سلع روسية على غرار النيكل، بيد أن التأثير على الكميات كان محدودًا إلى حد الآن وفقًا لمصادر أخرى مطلعة على الموضوع بحسب الوكالة.

وقال متحدث باسم شركة نورنيكل "تسير عملياتنا بشكل طبيعي، ونواصل تنفيذ كافة التزاماتنا التعاقدية، ونبقى ملتزمين نحو عملائنا وشركائنا". والأخيرة تعد شركة الإنتاج الروسية الوحيدة للنيكل. وعلقت الشركة الروسية المتحدة "روسال إنترناشونال" وهى أكبر منتج للألمنيوم على مستوى العالم بعد الصين، الشحنات في مصفاة أكسيد الألمنيوم في أوكرانيا التي تمد مصاهرها في موطنها بالخام.

وقالت آمي شيفكار المحللة الرئيسية في فريق شركة "وود ماكينزي" (Wood Mackenzie) المتخصص في سوق الألمنيوم: "سينجم عن العقوبات في حال لم تستطع الأطراف إنجاز المعاملات مع شركة روسال كما كان الحال في سنة 2018، وجود خطر من أن تتضرر جميع أصول خام أكسيد الألمنيوم الخارجية الخاصة بالشركة". وأضافت "أي تراجع كبير في إنتاج أكسيد الألمنيوم سيضر بإنتاج المعادن الأولية في مدة زمنية قصيرة وهو ما سيسفر عن تفاقم العجز في سوق الألمنيوم الأولي".

التكنولوجيا والحوالات المالية

وفيما تتعرض تجارة السلع الأساسية في روسيا لتهديدات آنية تخشى الشركات المنتجة في البلاد أيضًا من المخاطر طويلة الأجل النابعة من العقوبات التي تستهدف وارداتها من منتجات التكنولوجيا المتطورة، وقال مسؤولون تنفيذيون في ثلاث مؤسسات إن شركات التعدين في روسيا تعتمد على تراخيص المعدات والبرمجيات من البائعين في الخارج.

اقرأ/ي أيضًا: أوكرانيا: عن الاعتداء على الحياة التي تستحق العزاء

وبحسب جيسون فورمان الذي ترأس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة أوباما "روسيا تظل رائدة في مجال التكنولوجيا العسكرية والذكاء الاصطناعي، ناهيك عن العملات المشفرة، لكنها تعتمد على الواردات بالنسبة لمعظم الأشكال الأخرى للتكنولوجيا بدلًا من الإنتاج الداخلي، وهذه العقوبات المفروضة على صادرات التكنولوجيا لروسيا ستضر باقتصادها".

وعلى صعيد التحويلات المالية فقد بدأت البنوك فعليًا في الحد من تعاملاتها مع الشحنات الروسية، والتي تستبعد بعض المصارف الروسية من نظام المراسلات المالية العالمية بين البنوك "سويفت" (SWIFT)، فقد امتنع مصرفا "سوستيه جنرال" و"كريدي سويس" عن تمويل تجارة السلع الأساسية القادمة من روسيا، ولم يعد البنكان اللذان يعدان ممولين رئيسيين لتجارة السلع يوفران الأموال اللازمة لنقل المواد الخام على غرار المعادن والنفط القادم من روسيا.

كما قيد اثنان على الأقل من أكبر المقرضين المملوكين للدولة في الصين تمويل مشتريات السلع الروسية، وهو ما يؤكد أن تعهد بكين بالإبقاء على العلاقات الاقتصادية مع واحد من أهم شركائها الاستراتيجيين له حدود. وسيُعقد فقدان الوصول إلى نظام سويفت وفرض حظر كامل على الاستثمارات في روسيا مدفوعات التصدير والاستيراد، ويتوقع بنك "جيه. بي مورغان" أن تُقلص العقوبات نمو الناتج المحلي الإجمالي في النصف الثاني من عام 2022 بمقدار 3,5%".

World leaders slap sanctions on the Kremlin over invasion | AP News

وأضاف البنك أن الوصول المحدود إلى رأس المال الأجنبي سيدفع شركات النفط الروسية إلى الاعتماد على صفقات الدفع المسبق ومواجهة تكلفة أعلى في رؤوس الأموال، وقد يؤدي التراجع بخطوات بطيئة في مستويات المعيشة بإثارة الاستياء العام، مما يهدد حكومة بوتين التي تواجه بالفعل احتجاجات بين حين وآخر وقد يصبح انتشارها شيئًا لا مفر منه.

وسيدفع التعامل مع  روسيا على أنها دولة معادية إلى أن تصبح بشكل أساسي معزولة عن التدفقات المالية العالمية والاستثمار والتفاعلات الاقتصادية الطبيعية، ما يؤدي إلى التأثير على المداخيل الانتاجية والربحية للشركات الروسية، وعلى مستويات المعيشة للمواطنين.

سيظل التأقلم مع روسيا المدججة بالأسلحة القابعة في مستنقع التدهور الاقتصادي تحديًا رئيسيًا لأوروبا والولايات المتحدة في المستقبل المنظور

ورغم احتمالية نجاح العقوبات في توجيه ضربات قاسية للاقتصاد الروسي، فإن تصوير الأمر كنجاح أمني قد لا يكون دقيقًا، حيث "سيظل التأقلم مع روسيا المدججة بالأسلحة القابعة في مستنقع التدهور الاقتصادي تحديًا رئيسيًا لأوروبا والولايات المتحدة في المستقبل المنظور"، كما كتب محللون في بنك بيرنبرج للاستثمار.