01-مارس-2019

صورة من قبر كارل ماركس بعد التخريب الثاني (تويتر)

شبح يخيم على أوروبا، كان ذلك منذ قرنين من الزمن. غير أن شبخ كارل ماركس يعود على ما يبدو مجددًا مستثيرًا الغضب في قلب من يعارض طرحه. وبعد قرنين يرجع المنظر الشيوعي الأبرز لخلق الحدث، هذه المرة قبرًا من حجر، وسط مقبرة الهايغيت اللندنية، حيث لم يسلم وهو في هذه الحالة من التخريب والتدنيس، مرتين متتاليتين خلال شهر واحد، ما يحيل إلى إصرار الجاني على فعلته. لكن من الفاعل، ولأي غرض قام بفعلته؟

ربطت أصلي غول، رئيسة منظمة داي-مير في تصريح لـ"ألترا صوت"، بين الهجوم على قبر ماركس وتصاعد الخطاب اليميني الشعبوي في أوروبا

ماركس يتعرض للهجوم، مرّتين!

للمرة الثانية تعرض قبر ماركس للهجوم، خلال شهر واحد فقط. كانت المرة الأولى ليلة الخامس من شباط/فبراير المنصرم، حيث استيقظت مقبرة هايغيت اللندنية على وقع هذا الحدث؛ شخص ما تسلل ليلًا، وانهال على اللوحة التذكارية للقبر، التي يعود عمرها إلى 1883، بمطرقة فولاذية مهشمًا معالم الحروف المنقوشة عليها، مصوبًا على اسمه بإرادة محوه، حسب رواية إدارة المقبرة.

يؤكد إيان دانغافيل، المسؤول في مقبرة هايغيت، أن الهجوم كان مستهدفًا مقام كارل ماركس بالخصوص، إذ لا قبر غيره مسّ بسوء، مدينًا هذه الجريمة المروعة، على حد تعبيره، ومؤكدًا على أنها انتهاك لتاريخ وموروث إنساني، ليس من حق أي شخص المساس به مهما كان موقفه السياسي من صاحب القبر أو فكره. بذات اللهجة المنددة، عبرت إدارة المقبرة في تغريدة على تويتر، عن استنكارها لهذه الفعلة. كما تم فتح تحقيق في ملابسات القضية من طرف شرطة المقاطعة.

اقرأ/ي أيضًا: ماردٌ يسرق شبح ماركس: تدمير العالم من أجل إنقاذه

في السادس عشر من ذات الشهر، سيتعرض نفس القبر إلى هجمة ثانية، وكأنه الموعود وحده بهذا الأمر. هذه المرة بصبغة حمراء، خطت على واجهاته الرخامية الأربعة عبارات ونعوت انتقامية. "عقيدة الكراهية" أو "مهندس المجازر"، هذا ما كُتب على قبر ماركس، من قبل فاعل لا يزال مجهولًا إلى الآن. غير أنه أبان بجلاء، في هذه المرة على الأقل، أن استهدافه ذاك نابع عن خلفية سياسية. هذا ما وقفت عنده تغريدات إدارة المقبرة، واصفة الحادث بـ "العبثي، الغبي والجاهل".

دفاعًا عن قبر ماركس

من باب الرد على الهجمات المتكررة المستهدفة للنصب التذكاري لقبر كارل ماركس بالعاصمة البريطانية، تحركت مجموعة فعاليات يسارية نتديدًا بالحدث. ودفاعًا عن قبر ماركس، اجتمع ما يزيد عن مئة مشارك، في احتجاج أقيم بالقرب من القبر المذكور، دعت له أولًا منظمة دامير الشيوعية، مركز الجالية التركية والكردية بشمال لندن، ملبية النداء منظمات يسارية أخرى، من بينها رابطة الشباب الشيوعي البريطانية، ومؤسسة مكتبة كارل ماركس التذكارية.

في مقال لموقع مورنينغ ستار اليساري، علّق أليكس غوردن، رئيس مؤسسة مكتبة كارل ماركس التذكارية، أن الحضور يومها فاق الـ 150 مشاركًا، من الذين أتوا دفاعًا عن حرمة المفكر الكبير، داقين ناقوس الخطر أمام هذه الأفعال التخريبية التي عادت للتواتر بصعود خطاب الكراهية اليميني داخل المجتمع.

من الفاعل؟

فتح تحقيق في النازلة من قبل شرطة العاصمة البريطانية، التي لم تتوفق في تحديد هوية الفاعل، أو حتى مشتبه به يمكن من خلاله فك خيوط الجريمة. غير أن المعاينة المباشرة لساحة الجريمة الأولى، أكدت كون المخرب استخدم يده اليسرى في العملية، لأن الندوب على اللوحة الرخامية كانت معقوفة من اليسار إلى اليمين، زد على ذلك أنه تم تحديد أداة الجريمة كونها مطرقة فولاذية، وهو ما يوضحه أثر الندوب وعمقها الذي لم يكن غائرًا. أما بالنسبة للجريمة الثانية، فقد تبين توجهها السياسي من العبارات المكتوبة، والتي تتهم ماركس بقتل 66 مليون بشري، أو كما أسمته مهندس المحرقة.

في المقابل، ربطت أصلي غول، رئيسة منظمة داي-مير، بين الهجوم على قبر ماركس وتصاعد الخطاب اليميني الشعبوي في أوروبا، قائلة في تصريح أدلت به لـ"ألترا صوت"، إن "تخريب قبر كارل ماركس مرتبط بصعود الحركات الفاشية والعنصرية في أوروبا وبريطانيا على وجه الخصوص". مضيفة أن "ماركس وفكره لا زالا على قيد الحياة، وهذا ما يرهبهم، بل ويجعلهم يواجهون الحجر بعد أن فشلوا في مواجهة الفكرة".

وترجع السيدة غول إلى أن فشل النهاية الفوكوياموية للتاريخ، أي النموذج الليبرالي الذي تتخبطه الآن عديد من الأزمات، والذي لا يكل في إنتاج أزمته مع كل محاولة لإصلاح أخرى، هو الأصل في صعود هذه الجماعات العنصرية كأثر جانبي على هامشه. ومن ناحية أخرى، تضيف المتحدثة، أن هذا الواقع يدل على نجاعة التحليل التاريخي كما أتى به ماركس، مثبتًا جماهير العمال والكادحين على النظرية الوحيدة المعبرة عنهم، لهذا عاد الإقبال على الماركسية كجواب للحظة التاريخية، وهذا ما أغضب المهاجمين.

اقرأ/ي أيضًا: المانيفستو في ضيافة القرن 21

ما العمل لمنع تكرر مثل هذه الحوادث؟

طرحنا السؤال على السيدة غول، فكان الجواب أن الاحتجاج الذي نظم داخل مقبرة هايغيت لم يكن إلا خطوة أولى، لتنبيه المهاجمين على أننا هنا للدفاع عن هذا الموروث الإنساني المتمثل في النصب التذكاري لكارل ماركس، كما نحمل على عاتقنا الدفاع عن فكره. زيادة على ذلك، فنحن نضغط من خلال تواصلنا مع إدارة المقبرة، والمؤسسة القائمة على رعاية تراث كارل مارس لتوفير أدوات حراسة لحماية النصب.

أصلي غول: "ماركس وفكره لا زالا على قيد الحياة، وهذا ما يرهب الجماعات اليمينية، بل ويجعلهم يواجهون الحجر بعد أن فشلوا في مواجهة الفكرة"

وفي تفاعل مع طلب منظمة داي-مير، أعلنت مؤسسة مكتبة كارل ماركس التذكارية عن تثبيت كاميرات مراقبة في محيط القبر، موضحة تعذر تعويضها بأجهزة إنذار، نظرًا لوجود ثعالب بالمقبرة مما سيجعلها ترن طوال الوقت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نكرهُ العمل.. يا رفيق لينين ما العمل؟

إدوارد سعيد والموقف من الماركسية