09-يوليو-2017

لقطة من الفيلم

في الفيلم الأمريكي الجديد War Machine أو "آلة حرب" تدور الحكاية في إطار كوميدي ساخر حول الحرب الأمريكية على أفغانستان، وتتركز الأحداث على الأشخاص الذين دعموا تلك الحرب ودافعوا عنها وكانوا سببًا في اتخاذ الولايات المتحدة القرار بشن الحرب.

الصحفي الباكستاني البارز أحمد رشيد كتب مقالًا على موقع "بي بي سي" يشيد بالفيلم ويعتبر مشاهدته ضرورة واجبة على كل المهتمين. أحمد رشيد، عسكري سابق وقام بتأليف عدة كتب تتعلق بالشأن الباكستاني والأفغاني، آخرها كتاب "باكستان على حافة الهاوية: مستقبل أمريكا وباكستان وأفغانستان". في السطور التالية ترجمة للمقال الأصلي.

أفلام هوليوود لا تسأل الأسئلة الاستراتيجية الصعبة. إذا غزت أمريكا بلادًا لا تعرف شيئًا عنها، فكيف تنتصر القوات الأمريكية؟

يبدو أن أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها الحديث (استمرت 16 عامًا) في طريقها لتمديد زمني قادم، مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إرسال عدة آلاف من الجنود إلى أفغانستان.

وكما هو الحال مع الحروب في الشرق الأوسط، تُبرز أفغانستان الخيارات السياسية الصعبة واستراتيجيات مكافحة العصابات المسلحة التي تتبعها الولايات المتحدة بلا جدوى منذ 11 أيلول/سبتمبر. واليوم، هناك ستة بلدان مسلمة (العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان) في حالة انهيار، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سياسات الولايات المتحدة في تلك البلدان. 

إن "الحرب على الإرهاب" التي أطلقها الرئيس جورج بوش الابن، والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، والسياسات المتضاربة من أجل تغيير النظام السياسي في خضم معارضة إسلامية متطرفة تتزايد باستمرار، خلقت جميعهًا معضلات أكبر بالنسبة للولايات المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الأصليين".. هل تصنع السخافة فيلمًا؟

ومنذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، ظهر العديد من الكتب والأفلام الوثائقية الجيدة حول هذه المعضلات، ومع ذلك لم تتمكن هوليوود طيلة الفترة الماضية من إنتاج فيلم يُعلم أو يُطلع المتفرجين العاديين على الصورة الأكبر عن سبب استمرار الفشل وانتشار الجهادية المتطرفة.

أفلام هوليوود القليلة التي قُدمت عن حروب أمريكا تميل إلى أن تكون إما هزليات أو أفلام "أكشن" على طريقة الكاوبوي، يظهر فيها العسكريون الأمريكيون كأبطال يهتمون لشؤون الغير ولكنهم قتلة محترفون.

ثمة استثناء وحيد يتمثل في فيلم "خزانة الألم" لكاثرين بيغلو، الذي فاز بستة جوائز أوسكار، وقدّم المعضلات الأخلاقية التي واجهتها إحدى وحدات الجيش الأمريكي للتخلص من المتفجرات في العراق. ولكن حتى "خزانة الألم" لم يعالج سوى جانب بسيط من المشكلة، مثلما فعلت أفلام وثائقية أخرى عن القوات الأمريكية في أفغانستان مثل "ريستريبو" و"كورنغال".

أفلام هوليوود لا تسأل الأسئلة الاستراتيجية الصعبة. إذا غزت الولايات المتحدة أو تدخلت في بلدان لا تعرف شيئًا يذكر عنها، فكيف تنتصر القوات الأمريكية على الدعم المحلي؟

هل بناء الأمة وتعزيز الديمقراطية في تلك البلدان ممكن عمليًا من قبل جزء من الحكومة الأمريكية، في حين أن جزءًا آخر ينتهج استراتيجية حرب؟ هل يمكن للولايات المتحدة أن تفهم المجتمعات عبر فوهات السلاح؟ لقد تركتنا هوليوود خاليي الوفاض من أي فهم للفوضى العالمية المتصاعدة.

ذلك حتى الآن، ففي الفيلم الجديد اللافت "آلة حرب" أو War Machine من بطولة براد بيت، يتم تصوير تلك المواضيع السابقة ببراعة، رغم أنه يبدو للوهلة الأولى كنموذج آخر من أفلام الحرب القائمة على تحقيقات صحفية ممزوجة بالخيال،. ديفيد ميشود، الكاتب والمخرج الأسترالي، و شبكة نيتفليكس أنجزا فيلمًا سوداويًا وساخرًا وعاطفيًا ومضحكًا للغاية، فضلًا عن كونه وثيقة تثقيفية حول التدخلات الأمريكية.

يستند سيناريو فيلم War Machine إلى مقالة للصحافي الراحل مايكل هاستينغز نشرتها مجلة رولينج ستون وصدرت لاحقًا في كتابه "المشغّلون: الموحش والمرعب داخل حكاية حرب أمريكا في أفغانستان".

يلعب براد بيت دوره في فيلم War Machine كشخص يقف على منحنى تعليمي شاهق حول كيفية الانتصار أو الهزيمة في الحروب  الحديثة

هذه المقالة أدت إلى إقالة القائد العسكري الأمريكي المسؤول عن الحرب في أفغانستان في 2010، الجنرال ستانلي مكريستال، بعد أن أدلى هو وضباطه بتصريحات مُحقّرة ومستخفة بشأن الرئيس باراك أوباما للصحافي. الفيلم يحكي القصة المؤدية إلى إقالة الجنرال مكريستال.

اختيار براد بيت لدور الجنرال جلين ماكماهون، وهو المعادل السينمائي للجنرال ماكريستال، المحبوب من قبل رجاله ولكن أيضًا الممتلئ بحس فكاهي غريب الأطوار؛ اختيار يكاد يكون مثاليًا.

يلعب بيت دوره ككوميديا عبثية بشكل جزئي في فيلم فيلم War Machine ولكن أيضًا كشخص يقف على منحنى تعليمي شاهق وشديد الانحدار حول كيفية الانتصار أو الهزيمة في الحروب الحديثة.

ممتلئًا بالتبجح والثقة بالنفس، يصل الجنرال ماكماهون إلى كابول لتولي المسؤولية بعد فشل سلفه الآخر. "دعونا نذهب لنكسب هذا الشيء"، و"دعونا ندّق هذا على الرأس"، يقول لمساعديه العسكريين، وهم زمرة من الممثلين على نفس القدر من الروعة تعمل شخصياتهم على كشف بطء إدراك الجنرال ماكماهون الذي يكرر ما حاول أسلافه الجنرالات فعله وفشلوا في تحقيقه.

الجنرال ماكماهون لا يمكنه الحصول على القوات الأمريكية الإضافية التي يحتاجها لأن مستر أوباما متردد في إرسال أي فرد. ولا يستطيع الجنرال أن يمنع المزارعين الأفغان من زراعة الخشخاش، لأن المسؤولين يقولون له أن المحاصيل البديلة مثل القطن سوف تتنافس مع ما ينتجه المزارعون الأمريكيون.

اقرأ/ي أيضًا: "18 يوم".. فيلم متواضع أشعل في نفوس المصريين ذكرى الثورة والميدان

أحد ضباط حلف الناتو يعلّم الجنرال ماكماهون واقعًا جديدًا، فيقول له: "لا يمكنك بناء دولة تحت تهديد السلاح" و"لا يمكنك كسب ثقة بلد بغزوه". الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي (يلعب دوره بن كينغسلي بشكل رائع) يقدّمه الفيلم بصورة ساخرة وهو يستمع إلى الجنرال ماكماهون أثناء وصفه كيف سيشكّل اتجاهًا جديدًا: "سنبني أفغانستان ونجعلها دولة حرة ومزدهرة"، ليردّ عليه كرزاي بابتسامة دالة "يبدو ذلك مشابهًا جدًا للاتجاه القديم".

العديد من اللقاءات السوداوية والصادقة تسرّع فهم الجنرال ماكماهون للأوضاع. يتساءل أحد ضباط المارينز المضطربين والغاضبين (يلعب دوره لاكيث ستانفيلد) كيف يمكن أن تنجح استراتيجيته المتناقضة في تحقيق الانتصار على الإرهابيين، ليأتيه الرد بأنه يجب عليه، هو المدرّب على القتل، إظهار "ضبط النفس الشجاع". "لا يمكنني التفريق بين الشعب والعدو"، يقول ضابط المارينز، ويكمل: "كلهم متشابهون بالنسبة لي، ولا يمكننا مساعدتهم وقتلهم في الوقت نفسه.أنا مشوش".

لن يحصل فيلم War Machine على فرصة توزيع سينمائي جيد، ومع ذلك هذا هو الفيلم الذي ينبغي عرضه في الجامعات وتجرى مناقشته بين الشباب

الممثلة تيلدا سوينتون، التي تلعب دور سياسية ألمانية في فيلم War Machine، تقول للجنرال مكماهون:"أنت منتشر في جميع أنحاء البلاد وتحارب 1000 معركة منفصلة مع السكان المحليين الذين لا يريدونك في قراهم، وهذه حرب لن تفوز بها أبدًا". يذهل الجنرال الأمريكي ويلوذ بالصمت.

لن يحصل الفيلم على فرصة التوزيع السينمائي على نطاق واسع، نظرًا لعرضه على "نتفليكس" على الإنترنت، ومع ذلك، هذا هو الفيلم الذي ينبغي أن يُعرض بشكل خاص في الجامعات والكليات، وتجرى مناقشته بين الشباب والكبار.

 يساعدنا فيلم War Machine على فهم سبب فشل مكافحة التمرد، وتوسع نشاط الإرهاب، ولماذا أدت الحروب إلى تدمير العديد من البلدان. وهو يساعد على تفسير لماذا بعد 16 عامًا من بدء حربها في أفغانستان لا تزال واشنطن تتجادل بشأن أعداد القوات التي سترسلها إلى هناك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرحلة في ثلاثية الشمال الإيراني لعباس كيارستمي

فيلم Beauty and The Beast: وردة ديزني الحمراء