24-ديسمبر-2015

صورة أرشيفية لاحتجاجات طلبة في مصر(محمود خالد/أ.ف.ب)

الخبر ليس مفاجئًا.. حل اتحاد طلاب مصر "المنتخب" بأمر من وزير التعليم العالي. وراء القصة كواليس وتفاصيل ومسؤولون قادوا الأزمة إلى طريق مسدود. التوقيت الذي خرج فيه القرار هو أول إشارة إلى أن حلّ الاتحاد المنتخب "عِنْد" بين الوزارة والحراك الطلابي، خاصة أن القرار صدر بعد بيان اتحاد طلاب مصر الذي هدد فيه بالتصعيد، ومنح الدولة مهلة أخيرة بيوم واحد للاعتراف به. وجاء فيه: "إننا ننتظر غداً كمهلة أخيرة، لإعلان الموقف الرسمي الذي يدعم إرادة الطلاب الذين لن يرضوا إلا بتحقيقها". ألقى البيان كرة النار في ملعب مسؤولي التعليم العالي في مصر، ورَّطهم، كانت جمله "ساخنة" أكثر مما ينبغي، فلا مسؤول ردّ، ولا وزير انتبه، فقط صدر قرار الحلّ "الغشيم" في اليوم التالي مباشرة.

توقيت حل اتحاد طلاب مصر "المنتخب" دليل على حالة "العِنْد" بين الوزارة والحراك الطلابي، خاصة بعد بيان الاتحاد الذي هدد فيه بالتصعيد

وفقًا للبيان، لن يقبل اتحاد طلاب مصر حلَّه، سيرفض، وسيطلق صواريخه على الجميع، سيصعّد الأمور إلى درجة لن تحتمل معها الدولة أي حراك طلابي قبل ذكرى 25 يناير. الأمور تبدأ بالتهديد وتنتهي بمصائب. هكذا تعوّدنا في مصر. ما نقطة القوة التي اعتمد عليه "طلاب مصر" قبل إطلاق بيانه؟ اعتمد على قوة الحراك الطلابي ربما، التي لا تراها الدولة حتى الآن، ولا تعتبرها موجودة، ولذلك أصدرت قرارها ولا تنتظر ردة فعل أو هكذا تتصوَّر.

حيثيات القرار لم تشر إلى أن انتخابات اتحاد طلاب مصر ليست في اللائحة الأخيرة (التي صدرت عام 2007)، النقطة الساخنة التي كانت على وشك إسقاط نتائج الانتخابات، ومنع الاتحاد، أو بقولٍ آخر: الورقة الأخيرة لإلغاء اتحاد طلاب مصر، لكن الدولة لم تلجأ إليها لأنها تورِّط وزير التعليم العالي المصري، أشرف الشيحي، في قضية إهدار مال عام، باعتباره حمّل خزائن الوزارة تكاليف انتخابات ليست في اللائحة الطلابية، وإجراؤها غير قانوني.

لجأ الوزير في قراره إلى ورقة أخرى كان يمكن تجاوزها، وهي الطعن على انتخابات جامعة الزقازيق، التي شاركت في انتخاب رئيس اتحاد طلاب مصر بطالب بديل لرئيس اتحاد طلاب الزقازيق، كان يمكن أن يبطل الطعن انتخابات الجامعة الخاصة به فقط، لكن "التعليم العالي" صنعت من "الطعن التافه" قنبلة فجّرت بها انتخابات طلاب مصر برمّتها.

تفجير انتخابات الطلاب.. تهديدات وتقارير أمنية

كان يمكن لأشرف الشيحي، وزير التعليم العالي المصري، أن يريح نفسه تمامًا، ولا يدعو لانتخابات طلابية منذ البداية. ولا إشكال إذ لديه الكثير ليقوله ويتحجج به أمام الرأي العام. يمكنه القول إن "البلد منهارة، عجلة الإنتاج متوقفة، الجامعة لا تحتمل حركات طلابية.." وغير ذلك. يبدو أن هذه هي الفكرة التي كان سيعتمدها ثم عاد ليقرأ تقارير أجهزة أمنية نصحته بإجراء الانتخابات، جاء فيها: "كل الأمور تسير على هوى الدولة، وكل شيء تحت السيطرة، وطلابنا جاهزون".

كان يمكن لوزير التعليم العالي المصري، أن يريح نفسه، ولا يدعو لانتخابات طلابية. ولا إشكال إذ لديه الكثير ليتحجج به أمام الرأي العام

الساعات القليلة التي فصلت بين القرارين، قراره السري الأول بتأجيل الانتخابات الطلابية أكثر من مرة بحجة يمكن استيعابها إذا كنت من أنصار أن الدولة المصرية لا تحتمل تفتيت القوى الوطنية، والفترة الراهنة على وشك أن تنفجر، والجامعة "على حقل ألغام" وكل الشعارات الوطنية المضحكة التي يرددها رجال الدولة، وقراره الثاني بالدعوة لانتخابات طلابية تنطلق من الكليات، وتنتهي باختيار مجلس اتحاد طلاب مصر، جرت فيها مياه كثيرة.

لم يتراجع الوزير ببساطة، القرار ليس قراره إنما يعود لاتصالات سياسية حسمت الموقف، وجعلته يقتنع أنّ السنة لن تمر دون انتخابات. ما الذي سمعه الوزير وقرأه في تقارير الأجهزة الحساسة على مكتبه؟

على كل حال، لقد ورطته وأوهمته، بالأرقام والأسماء والتفاصيل والتربيطات، أن "صوت طلاب مصر"، قائمة جهاز أمن الدولة، ستكسب الحرب، وتعلن الجامعات مناطق محرَّرة من الثوار والحركات والأحزاب، وإذا بالرجل يفاجأ بالقائمة الموعودة تسقط تحت أقدام الطلاب بأقل عدد من الأصوات، وبأقل قدر من الضجيج.

اقرأ/ي أيضًا: اتحاد طلاب مصر.. الطريق مفتوح لـ"شباب السيسي"

وفقًا لمصادر شهدت المعركة الطلابية من الداخل، حاولت وزارة التعليم العالي التدخل في الانتخابات، والتلاعب في نتائجها، وتهديد طلاب مستقلين بمنح أصواتهم لمرشح "صوت طلاب مصر"، وأمرت محررين صحفيين بجرائد خاصة بنشر أرقام تقديرية لعدد الأصوات المرتفع التي سيحصل عليها مرشح النظام، وكانت حبرًا على ورق، جرائد لا تحمل شيئًا من الحقيقة فقد سقط كل "طلاب الدولة" في اللحظة الأخيرة.

وفقًا لمصادر شهدت المعركة الطلابية من الداخل، حاولت وزارة التعليم العالي التدخل في الانتخابات، والتلاعب في نتائجها

محمد القاضي، رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس، الذي خسر معركة طلاب مصر، كان على يمين الدولة، وقال: "لن نتدخل في أزمة الطلاب المحبوسين، هم مسؤولية القضاء وحده". تصريح يشبه تصريحات محمد بدران، رئيس اتحاد طلاب مصر السابق وحزب مستقبل وطن الحالي، إذ اعتقد محمد القاضي أنه يؤهله ليصبح "طفل السيسي" هو الآخر.

في المقابل، عبد الله أنور، رئيس اتحاد طلاب مصر المعلَّق، حمل موقفًا صريحًا منذ اللحظة الأولى، قال: "نعدُّ قاعدة بيانات بالطلاب المحبوسين، وسنقدم أوراقهم للنائب العام للنظر في قضاياهم". وأكد عمرو الحلو، نائب رئيس اتحاد مصر الحالي: "التظاهر داخل الحرم الجامعي حق مشروع لأي طالب".

داخل مكتبه، سمع وزير التعليم العالي المصريّ، مواقف قيادات اتحاد طلاب مصر، القادم بشراسة إلى المشهد، ويمكن أن يجلس معه على مكتب واحد للتفاوض حول قضايا الطلاب، فأعلن رفضه اعتماد النتيجة، ولا تزال في جيبه حتى الآن، بعد أسبوعين من الانتخابات. كل يوم ينتظر الطلاب توقيعه، وتنصيب الاتحاد رسميًا، لكن الرجل يتحجج بالطعون المقدمة على شرعية الاتحاد، وصحة إجراءات انتخابه. ما الذي يؤخر النظر في الطعون؟ لا أحد يعرف، ولا أحد يعلن عن ذلك. حالة من العبث الكامل. ثم لماذا دعت الوزارة إلى الانتخابات من البداية؟

بنظرة بعيدة إلى المشهد برمته، ستكتشف أن سقوط "صوت طلاب مصر" وراء هذه الأزمة، فالوزير لا يريد بديلًا عن "قائمة الدولة" على كراسي اتحاد الطلاب، ثم إنه لا يكره الاتحاد الجديد، لكنه يحمل كراهية، يفرضها عليه منصبه، إلى خلفيته السياسية. الرجل يطرد الثورة من الجامعة ومبنى الوزارة!

بالنسبة له، وصول طلاب يعرفون الحق، ولا يرفعون رايات الباطل، ويتحدثون عن التظاهر، والاحتجاج، والتعامل مع الدولة رأسًا برأس، ويبحثون عن براءة المحبوسين بهتانًا وزورًا، مصيبة لا يقدر عليها الوزير، ولا تحتملها دولة بالكاد تتعافى من ثوارها ومعارضيها!

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات اتحاد طلاب مصر.. دولة الطلاب تحكم

يعرف الوزير "الشيحي" أنه راحل، لن يستمر في منصبه أكثر من شهرين حتى يشكل البرلمان حكومة جديدة تطيح برأسه إذا لم يقدم للنظام خدمة يضمن بها استمراره، ولهذا فقط يمنع وصول اتحاد طلاب مصر المنتخب. يعتبر هذا الإجراء صلاة للنظام، وقربانًا يضمن استمراره في الحكومة القادمة.

مستشار وزير التعليم المشبوه

من يدير أزمة الطلاب؟ السؤال وراءه قصة طويلة ومتورطون وشخصيات رسمية وقعت في المصيدة. حسام الدين مصطفى، مستشار وزير التعليم العالي ورئيس لجنة التواصل الطلابي، متهم بحث الطلاب على التصويت لمرشحين بعينهم، لكنه ينفي وينكر ويقول: "لم يحدث ذلك على الإطلاق ولا علاقة لي بالأمر، أنا لست عضوًا باللجنة العليا للانتخابات، لم أحث أي طالب على الإدلاء بصوته لمرشح بعينه، وكل ما قلته أنه لابد أن يتم إبعاد الجامعة عن السياسة، وعدم إقحامها في الصراعات الحزبية والسياسية".

التزوير ليس غريبًا على دولة لا ترى، والمستشار الذي يقول ذلك له مكالمات مسرَّبة على مواقع التواصل الاجتماعي، يأمر خلالها طلابًا بالتصويت لصالح مرشحي جامعتي عين شمس والمنيا، المحسوبين على ائتلاف "صوت طلاب مصر"، فلماذا يكذب إذًا؟

لا يعرف حسام الدين مصطفى أن هواتف أعضاء اتحادات الطلاب لا تزال مليئة بمكالمات له لم تذَع بعد. كان يتصل بهم يوميًا، يحرضهم على التصويت لفلان، ينسق بينهم وبين أجهزة الأمن، هو وحده الذي يعتقد أنه أذكى من الجميع، ويدير انتخابات اتحاد طلاب مصر كما يرى، لكنه خرج مضحوكًا عليه، وموجة تسريب المكالمات ستجتاحه، وقد تعزله من منصبه قريبًا.

لماذا يكره الوزير 25 يناير؟

عبد الله أنور، رئيس اتحاد طلاب مصر، مستقل. يرى المستقبل أمامه، ولا يحمل أفكارًا قديمة أو ينحاز لأحداث تاريخية "دخلت المتحف"، ربما تراه بلا مواقف، أو تعتبره دبلوماسيًا يعلن مواقفه بحساب، وهذا النوع من البشر يمكن التفاهم معه.

اقرأ/ي أيضًا: المستقلون يحصدون معظم مقاعد انتخابات طلاب مصر

عمرو الحلو، نائب رئيس "طلاب مصر" هو المشكلة، يعلن مواقفه مجانًا، يتبرّع بدخول معارك ليست معاركه، مشكلته هي مشكلة ثوار "25 يناير" بالضبط، أنهم خاضوا كل المعارك بالنيابة عن الآخرين، خاضوا معركة الإخوان، ومعركة السلفيين، ومعركة حازم أبو إسماعيل، ومعركة ضباط الجيش المنشقين، اعتبروا أنفسهم يعدون جيشًا يقف معهم في لحظة الحرب، وحين خرجوا إلى الجبهة، لم يجدوا أحدًا معهم، الكل باعهم بلا ثمن.

هكذا يتعامل "الحلو" مع نفسه، هو الثورة، والثورة لا تقبل شريكًا ولا تتفاوض ولا تدخل ألاعيب السياسة، ولا تتوقف عن الضجيج والمعارضة، والوزير لا يريد معارضة ولا يقبل بالصوت العالي، لذلك يكره الثورة، ويعادي الاتحاد الجديد.

اقرأ/ي أيضًا:

انتخابات الطلبة في مصر.. المنفذ المتبقي؟

منظمات حقوقية تراقب انتخابات الطلاب في مصر