28-ديسمبر-2015

السيسي يصلي (AP)

عاشت أوروبا عصورًا مظلمةً، وصفها بعض المؤرخين بألف سنة من الهمجية واستغلال الدين، عاثت فيها الكنيسة فسادًا حيث استعبدت أتباعها باسم الدين، في المرحلة التي شاركت فيها الأباطرة الحكم، ودخلوا على خط الإقطاع وتملكوا معظمها، حيث لعب رجال الدين دورًا كبيرًا في تخدير مشاعر الفلاحين المساكين وامتصاص نقمتهم، وإجهاض أية محاولة للثورة عليها والتمرد على ظلمها، باختلاق بعض الأكاذيب كتلك التي تقول إن الجنة وملكوت السماء لهؤلاء الفقراء. 

ها هي المؤسسة الدينية في الوطن العربي تشرّع للدكتاتور قتل كل من يعارضه أو يخرج ضده

لم يتوقف جشع الكنيسة عند ذلك الحد فقط، بل امتد إلى جيوب الفقراء ليسرقوا ما تبقى من مالهم باسم صكوك الغفران، وما زاد الأمر سوءًا هو طغيانها دينيًا عبر محاكم التفتيش، التي كانت تحكم بالموت أو السجن على من يعارضها، بدعوى أنها مفوضة من الله عبر البابا "ظل الله على الأرض". 

ما أشبه أوروبا في العصور الوسطى بعالمنا العربي في عصور التطور الحديثة! لا أكتب عن أوروبا كي أسرد تاريخها بمقدار ما أرغب في استحضار واقعٍ نعيش أحداثه كل يوم، فمن سلطة الكنيسة هناك إلى سلطة علماء السلطان هنا، ومن "ظل الله على الأرض" إلى رسول من عند الله كبقية الرسل، كما قيل عن السيسي. ومن صكوك الغفران إلى صكوك شرعنة غوغائية ودموية السلطان، ومن محاكم التفتيش إلى أجهزة الأمن والمخابرات التي تبدو محاكم التفتيش أمامها مجرد مزحة.

إن فساد المؤسسة الدينية في الوطن العربي ليس جديدًا، لكنَّ ثورات الربيع العربي أسقطت تمامًا تلك الأقنعة التي تنكرت بها طويلًا، وها هي الآن على مسمعٍ ومرأى من الجميع، تشرع وتحلل للدكتاتور، الذي تطلق عليه "ولي الأمر"، قتل كل من يعارضه أو يخرج ضده، بدعوى أنهم يخدمون أجندات خارجية تسعى لتدمير دولته الآمنة، كما تبرر مجازره بحق شعبه الذي تصفه بالجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى أنها تعطي لولي الأمر ذاك فتاوى مخصصة لتبرير نهبه لثورات وثروات ومقدرات الشعب، كونه يحتكم في ذلك لكتاب الله وسنة نبيه، وكأنها في ذلك كله تسير خلف هذه المقولة "إذا أردت أن تتحكم في جاهل، فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني". 

مصر ما بعد الانقلاب خير دليل على ذلك كله، حيث أصبحت مؤسستها الدينية المتمثلة بـ"الأزهر" و"دار الإفتاء" و"الأوقاف" خادمة وفية لنظام السيسي، لا تنطق بغير ما يريده أو يرضيه، وتستميت في تحليل وتشريع أفعاله الدموية والرعناء بحق الشعب المصري، حتى لو اضطرت في ذلك إلى تحريف آية من القرآن، أو تأليف حديث عن النبي. 

من طالب بوضع السيسي رسولًا من عند الله، هو لا يخشى الله أصلًا

لا بأس في ذلك عندهم، فمن أعطى الحق للسيسي بأن يفقأ عيون المصريين؟ إن كان ينفذ في ذلك شرع الله لن يصعب عليه ذلك، ومن وضعه رسولًا من عند الله فإنه لا يخشى الله أصلًا. حتى خطب الجمعة في مصر، أصبحت مهرجانًا ترويجيًا لقرارات ومشاريع السيسي، أو لبث قرار أو نقل رسالة من فخامته للشعب، وما يتبقى من الوقت يكون دعاءً له بتضرع وخشوع لله، كدعاء أئمة البيت الحرام في مكة لخادم الحرمين الشريفين وكل العائلة الملكية، يدعون لهم بطول العمر والصحة والتوفيق والسداد، وقس على مصر بقية أقطار العُرْبِ دون استثناء. 

أتفق مع مقولة ماركس "الدين هو تنهيدة الكائن المقهور، وهو القلب في عالم بلا قلب، هو الروح في محنة بلا روح، الدين أفيون الشعب". عندما يتلاعب به رجال الدين، ويشكلونه حسب أهوائهم وأهواء سلطانهم الذي يعبدون، ليسوقوا مخططاتهم بالطريقة التي يحق لهم حينها، تكفير وتجريم من يخرج ضدها، ويطلقونها تحت اسم الرب ولأجل تطبيق تعاليمه كما يزعمون، فلعبة الدين التي يصنعونها أصبحت الآن مكشوفة. 

اقرأ/ي أيضًا:

في ناصرية وساداتية السيسي

فيديوهات السيسي "الواد ما بيجمعش"