12-نوفمبر-2015

تخبط النظام تكشفه لنا لغة السيسي (Getty)

فيديوهات عبد الفتّاح السيسي الفكاهيّة المنتشرة في الأشهر الأخيرة خلال الخطابات والمؤتمرات الصحفيّة والمقابلات، أصبحت مادة للنكتة والسخريّة، تُظهره بمظهر لم نعهده منذ بداية الانقلاب، حيث كان ذلك الجنرال القوي الصلب والمخلّص والحازم و"الأب".. أمّا اليوم فباتت جملة التعليقات عليه تتلخص: "الواد مابيجمعش"، وهو التعليق الأدق لوصف حال النظام الحاكم في مصر ممثلًا بالسيسي.

أكثر ما يؤرّق السيسي اليوم هو سيناريو الإطاحة به من داخل المؤسسة نفسها التي راهنت على ثورة الخامس والعشرين من يناير

حالة الارتباك والتخبط واضحة على الرجل الذي يحاول أن يبث وكأن كل شيء في مصر بخير، لكن ما يكشفُه وبكل بساطة، هو لحظة خروجه عن النص. ففي كل لحظة يخرج فيها عن النص المكتوب خلال الخطاب مثلًا، أو أن يُسأل سؤال غير متوقع في لقاء تلفزيوني أو مؤتمر صحفي، أو أن تعترض طريقه مراسلة مغمورة به، تجده يُصرّح ما يُصرّح من غياب للمنطق في كلامه وصعوبة تكوين جملة سليمة، أو الذهاب نحو الشعاراتيّة والعاطفية (الخيار الأسهل)، مع حالة إنكار تامّة لما تمر به أم الدنيا من أسوأ الفترات في العصر الحديث وفي كافة المجالات.

تنبع حالة تخبط النظام التي تكشفها لنا لغة السيسي "الواد اللي مابيجمعش"، عن أسباب كثيرة، داخليّة وخارجيّة، تتلخص بعدم المقدرة على "تجميع" الوضع السياسي والاقتصادي في مصر بعد أكثر من عامين في السلطة والانقلاب على ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولا على "تجميع" العلاقات الإقليميّة والدوليّة، وبات هناك إدراك أن كل المشاريع والوعودات والأوراق التي قدمها هذا النظام لا تنجح، وأن الشيء الوحيد الذي نجح هو إيقاف موجة الخامس والعشرين من يناير، لكنها ما زالت تؤرّقه من عودة بعد الفشل المستمر في كل شيء، وآخر استفتاء على فشله كشفته لنا النسبة المتدنيّة جدًا في المشاركة في الانتخابات، وهو قول صريح برأي الشعب بأن "الواد مابيجمعش".. أصواتًا على الأقل.

لكن أكثر ما يؤرّق السيسي اليوم، وقد يكون يفكر فيه قبل النوم، هو سيناريو الإطاحة به من داخل المؤسسة نفسها التي راهنت على ثورة الخامس والعشرين من يناير لتخلصها من توريث جمال مبارك، كي يبقى الحكم بيد العسكر، وراهنت بعدها على الإخوان المسلمين ليخلصوهم من الخامس والعشرين من يناير عبر التحالف معهم، ثم راهنت على سيناريو السيسي لتخليصهم من الإخوان المسلمين من خلال "ثورة جديدة" في الثلاثين من يونيو كي يعود الحكم للعسكر مجددًا. 

إلا أنّ السؤال ما هو رهان المؤسسة العسكريّة في مصر بعد اليوم؟ حالة من الإدراك بدأت تتكون، أن سيناريو السيسي يفشل، والانفجار الكبير الآخر مسألة وقت وشديد، والتعويل على العلاقات الإقليميّة والدوليّة في ظل المتغيرات في السنوات الأخيرة، هو طوق نجاة لبرهة من الزمن ولا يمكن التعويل عليها طويلًا، حالة من النفاذ من السيناريوهات في هذه الفترة هو ما يبقي السيسي حاليًا في الحكم، وهو ما يبقيه في حالة من القلق والتخبط بسؤال السيناريو الذي سينتهي هو فيه، فلا يملك أن يقول في شرم الشيخ التي فرغت من السياحة إلا "أنا مش عايزكم تبقو قلقانين كده.. دا انتِ .. دا أنا بَبُصِلك بتفائل"!.

يمكن لأي باحث في العلوم السياسيّة، إعداد دراسة لاحقًا عن الوضع السياسي في مصر خلال سنوات حكم السيسي من خلال قراءة وتحليل فيديوهات السيسي هذه ودمجها مع نظريات في علم النفس، وتقسيمها لثلاثة لمراحل: مرحلة الصعود، مرحلة الجمود ومرحلة الهبوط، على سبيل الاقتراح. أو يمكن أيضًا، إطلاق موقع جديد يُسمى "ريمكس السيسي" بإمكان أي متصفح أن يقص ويُركّب هذه الفيديوهات وينتج فيديو جديد مع إمكانية إضافة بعض المؤثرات البصريّة والصوتيّة، وقد نشهد مسابقة مع جوائز في ذلك مستقبلًا تحت عنوان "الواد ما بيجمعش".


اقرأ/ي أيضًا:

موسم ترويع الإعلام في مصر