18-أكتوبر-2019

طالب المحتجون في لبنان بإسقاط النظام (Wael Hamzeh/EPA)

توجهت الأنظار كلها إلى لبنان في الساعات الأخيرة، بعد خروج آلاف المواطنين إلى الساحات للتعبير عن سخطهم من الطبقة السياسية التي تحكم البلاد، رافعين سلسلة مطالب وصلت إلى الدعوة إلى إسقاط النظام، ومحاكمة المسؤولين واستعادة الأموال المنهوبة. وقد اتخذت الأمور منحى تصاعديًا في الأسبوعين الماضيين، من أزمة سعر صرف الدولار والمحروقات والخبز، مرورًا بالحرائق التي أصابت المناطق اللبنانية والتي كشفت عجز الدولة عن مواجهتها والتعامل معها، فيما كانت المعلومات الصحفية التي خرجت صباح الخميس، والتي تحدثت عن فرض ضريبة مرتقبة على الاتصالات على تطبيق واتساب، ورفع أسعار المحروقات، كالقشة التي قصمت ظهر البعير.

رفع المحتجون في لبنان سلسلة مطالب وصلت إلى الدعوة إلى إسقاط النظام، ومحاكمة المسؤولين واستعادة الأموال المنهوبة

مع العلم ان فرض ضريبة على تطبيق واتساب يعد منافيًا للقوانين، على اعتبار أن التطبيق مجاني، والمواطن يدفع لشركات الاتصالات لتشغيل الإنترنت، وبالتالي فإن فرض رسم إضافي على التطبيق، يصل إلى 6 دورلارات شهرية، هو سرقة موصوفة.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟

الشعب يريد إسقاط النظام

وقد تقاطر آلاف المواطنين إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت مساء الخميس، ورفعوا لافتات وأطلقوا هتافات منددة بعهد الرئيس ميشال عون وبحكومة سعد الحريري وبالطبقة السياسية كافة. فاقت أعداد الحشود المشاركة كل التوقعات، وتميزت بتنوعها الطائفي والاجتماعي. وقد قام المتظاهرون بإحراق الإطارات، وحاولوا مهاجمة المصارف والمؤسسات الرسمية.

وشهدت الساعات الأولى أحداثًا متسارعة، فقام مرافقو وزير التربية أكرم شهيب بإطلاق النار في الهواء وبين أقدام المتظاهرين، الأمر الذي أحدث غضبًا سريعًا في الشارع وعلى مواقع التواصل، ما دفع بشهيب إلى تسليم مرافقيه إلى الجهات الأمنية.

وتحت وطأة الاحتجاجات، تراجع وزير الاتصالات محمد شقير عن القرار، وألغى ضريبة الواتساب، في محاولة منه لامتصاص غضب الشارع، إلى أن ذلك لم يثن المتظاهرين عن الاستمرار بالاحتجاج ورفع سقف المطالب، بل إن أعداد المتظاهرين ازداد بشكل ملحوظ واتسعت رقعة المتظاهرات لتشمل عديد المناطق اللبنانية. مع الإشارة إلى أن الوزير  شقير كان قد أعلن أن الوزراء جميعهم قد وافقوا على رسم الواتساب، فيما خرج بعض الوزراء وأنكروا الأمر، ما يعكس التخبط الذي يعيشه المجلس الوزاري.

مشهد وطني جامع في بيروت والمناطق

وفيما كان أهل الحكم يتأملون بأن التظاهرة هي "فشة خلق" وأن الأمور ستعود إلى نصابها خلال ساعات، استمرت المظاهرات إلى ساعات الصباح الأولى، وامتدت إلى عشرات القرى والبلدات. وقام المتظاهرون في النبطية، أحد أكبر المدن الشيعية في لبنان، بتكسير لافتات منازل ومكاتب نواب الثنائي الشيعي الثلاثة في المدينة، كما أطلق أهل المدينة هتافات منددة بحزب الله وحركة أمل، وهذا تطور ملحوظ في الشكل وفي المضمون، ويوحي بأننا أمام مرحلة جديدة.

لم تنته التظاهرات مع انتهاء ليل الخميس، بل إن وتيرتها تصاعدت صباح الجمعة، خاصة مع إعلان وزير التربية عن إقفال المدارس والجامعات الجمعة كإجراء احترازي. أما جلسة الوزراء التي كان مقررًا عقدها في السراي في بيروت، فتم نقلها إلى بعبدا. وقام المواطنون بقطع الطرقات نحو بعبدا فتم إلغاء الجلسة، الأمر الذي شكل انتصارًا للحراك المدني الشعبي.

اقرأ/ي أيضًا: النكتة السياسية في لبنان.. هامش الغضب

بالرغم من مرحلة الغموض التي دخلت فيها البلاد، مع أحاديث متضاربة عن استقالات محتملة وقرارات حاسمة، مع انتطار كلمة لرئيس الحكومة سعد الحريري مساء اليوم الجمعة، يبدو إذًا أن الشعب اللبناني قال كلمته، ونجح في إيصال صوته وزعزعة عرش الحكم.

لم تنته التظاهرات مع انتهاء ليل الخميس، بل إن وتيرتها تصاعدت صباح الجمعة، خاصة مع إعلان وزير التربية عن إقفال المدارس والجامعات الجمعة كإجراء احترازي

تعلم الشعب جيدًا من دروس الماضي، وعرف أن الارتهان للخارج لم يعد مجدًيا، ولا سبيل أمام اللبنانيين سوى بالوحدة والتضامن، والانعتاق من الاصطفافات الطائفية والمذهبية، لمواجهة الطبقة التي عاثت في البلاد سرقة وفسادًا، ولعل هذه كانت الخلاصة الأوضح، التي بدت لمتابع حراك المحتجين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 النفايات مجددًا في لبنان.. أهلًا بالأمراض