18-يناير-2019

تنتشر النكات السياسية في لبنان تعبيرًا عن السخط الشعبي (فيسبوك)

تميّز لبنان بهامش وإن قليل في مجال حرية التعبير عن الرأي بأشكاله المتعددة، مقارنة بمحيطه حيث تسود أنظمة ديكتاتورية تطبق على أنفاس شعوبها، وتكتظ سجونها بمعتقلي الرأي والسياسة. وقد اشتهرت النكتة السياسية في لبنان، والتي تعتبر أحد أشكال التعبير عن الرأي، منذ سنوات طويلة، سواء من خلال رسومات الكاريكاتور في المجلات والصحف، أو على خشبة المسرح الذي شهد تجارب عديدة، وأبرزها كان "مسرح شوشو" في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حيث كان يلقي الممثل حسن علاء الدين النكات السياسية اللاذعة بصوته التهكّمي وجسده النحيل، فيسخر من النظام الأمني ومن الفوارق الاجتماعية. وقد أُدخل شوشو إلى السجن أكثر من مرة بسبب ما كانت تسميه السلطات يومها تجاوزًا للخطوط الحمر.

بعد الثورة في عالم التواصل والاتصالات في السنوات الأخيرة، لم تعد مسألة إلقاء النكات السياسية محصورة بالفنانين والإعلاميين في لبنان

ثورة الاتصالات: النكتة السياسية ملك للجميع

في التسعينات، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، انتشرت في لبنان البرامج التلفزيونية الساخرة، والتي كانت تنتقد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتسخر من السياسين، وقد برز يومها عدد من الفنانين القادرين على تقليد أصوات عدد كبير من الساسة. كذلك انتشرت الأغنيات الساخرة من الأوضاع المعيشية الصعبة كـ"صارت سنة الألفين" و"الحلم اللبناني".

بعد الثورة في عالم التواصل والاتصالات في السنوات الأخيرة، لم تعد مسألة إلقاء النكات السياسية محصورة بالفنانين والإعلاميين الذين يمتلكون منصات إعلامية لإيصال أفكارهم، بل بات الموضوع ملكًا للجميع إذا جاز التعبير. وقد راجت بشكل كبير "صناعة النكات" وأنشئت صفحات مخصصة لذلك تصل لآلاف المتابعين. وتجمع هذه الصفحات بين البراعة في اللعب على الكلام وسرعة البديهة، ومهارات الفوتوشوب وتصميم الصور والفيديوهات، ويقف خلف هذه الصفحات في الغالب شبان وشابات موهوبون ولديهم لمسات فنية إبداعية، من دون أن يكون لديهم شهرة واسعة بالضرورة.

كذلك تساهم الهاشتاغات اليوم في تنظيم هذه النكات وفي انتشارها بشكل أسرع وأوسع، حيث يكون الهاشتاغ عبارة عن جملة قالها أحد الساسة، أو هفوة سقط بها. يُذكر في هذا المجال خطاب رئيس الجمهورية في عيد الجيش في العام 2018، حيث قال "فجر القرود" بدل فجر الردود، فانتشرت آلاف النكات الساخرة وأصبح وسم #فجر_القرود الوسم الرائج رقم واحد يومها.

وقد تأخذ هذه النكات أشكالًا مختلفة، كالسخرية من الشكل الخارجي، طول القامة أو قصرها، طريقة الكلام وما إلى ذلك. وقد يختلط فيها ما هو سياسي بما هو شخصي، ويدخل بعضها في خانة التنمر أو الفوقية والعنصرية. ومع ذلك، تبقى النكات التي يتم تداولها بشكل واسعة طريقة للتعبير عن السخط على السلطة، كما أن بعض النكات يكون لها ارتدادات سلبية وتتسبب باضطرابات أمنية. في العام 2006 تضمّن برنامج "بسمات الوطن" من إخراج شربل خليل، والذي تعرضه قناة الـLBC، مقطعًا كاريكوتريًا لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، الأمر الذي أثار سخط الشارع الشيعي فنزل عشرات الشبان إلى الشارع وقاموا بحرق الدواليب واتجهوا نحو مبنى الـLBC قبل أن تتدخل القوى الأمنية وتعالج الأمر.

تتعرض التغريدات التي يكتبها وزير الخارجية، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بدورها لسيل من الردود الساخرة، وتساعدهم في ذلك "السوريالية" في تغريدات باسيل وبعدها عن الواقع، وتغنيه بإنجازات عهد الرئيس ميشال عون، في الوقت الذي يرزح فيه اللبنانيون تحت نير المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. كان آخر تغريدات باسيل التي لاقت ردوداً ساخرة خلال العاصفة الثلجية "نورما"، التي ضربت لبنان مؤخرًا، حيث كتب باسيل في تويتر أنه يراقب العاصفة من  شرفته في اللقلوق، وقد انتشرت التعليقات الساخرة على كافة وسائل التواصل، والمستغربة حديث باسيل التفاؤلي، في الوقت الذي تغرق الطرقات والبيوت بالمياه نتيجة العاصفة التي كشفت اهتراء البنى التحتية وعجز الدولة الكامل عن القيام بمهامها.

أما رندة بري زوجة رئيس مجلس النواب نبيه بري، فكان لها حصة كبيرة في الفترة الأخيرة من النكات الساخرة، والتي لمّحت إلى قيامها بأخذ حصة لنفسها في كل المشاريع الاقتصادية التي يتم إنشاؤها في الجنوب.

بينما شهد لبنان في الأيام الأخيرة أحداثًا متسارعة على هامش استضافته للقمة العربية الاقتصادية، بعد أن أعلن معظم الدول العربية عن امتناع رؤسائها عن المشاركة في القمة وتخفيض مستوى التمثيل. وقد لاقت هذه الإعلانات المتتابعة ردودًا ساخرة من الناشطين اللبنانيين الذي أسفوا لوصول الأوضاع في البلد إلى الحضيض في كافة المجالات. وقد تداول المغردون نكاتًا عبر هاشتاغ #بقيوا_2 وهو عدد الرؤساء الذين سيحضرون القمة، وهم رؤساء موريتانيا والصومال.

اقرأ/ي أيضًا: "الحالة الباسيلية".. باقية وتتمدد

طبقة سياسية حاكمة تهزّها نكتة

وقد برز في العام 2018 قيام الأجهزة الأمنية في لبنان بتوقيف عدد كبير من الناشطين والتحقيق معهم، بسبب تغريدات ومنشورات كتبوها على صفحاتهم، تحمل بغالبيتها طابع النكتة الساخرة، وقد اعترض الناشطون على هذه الإجراءات وأصروا على حقهم في التعبير عن رأيهم، بينما انتشر هاشتاغ  الستاتوس_مش_جريمة للتأكيد على هذا الرفض.

برز في العام 2018 قيام الأجهزة الأمنية في لبنان بتوقيف عدد كبير من الناشطين والتحقيق معهم، بسبب تغريدات ومنشورات تحمل بغالبيتها طابع النكتة الساخرة

في ظل الأزمة السياسية الحادة التي يعيشها لبنان، وعجز ساسته عن تشكيل حكومة رغم مرور سبعة أشهر على تكليف سعد الحريري بتشكيلها، وفي ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة التي تقض مضاجع اللبنانيين، يجد الناشطون في النكات السياسية وسيلة أخيرة للتنفيس والتعبير عن غضبهم، في واقع لا يسمح على ما يبدو بأكثر من ذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لوبان محط سخرية اللبنانيين.. مع حجاب وبدونه

كوميديا جاد غصن "تبع الأخبار": نكتة المراسل السمجة