22-مارس-2019

سعد الحريري (Getty)

لا يمكن لأحد أن يفهم راهنية العلاقة ومستقبلها بين ميشال عون وسعد الحريري ما لم يُدرج ضمن وعيه وحساباته سلسلة من الحقائق والوقائع. وهي تحديدًا ما تدفع الرجل وصهره إلى التعامل بصورة الحاكمين بأمرهم في كل صغيرة أو كبيرة، بما في ذلك التجاسر على المسّ ببديهيات الأعراف والبرتوكول، وبأبسط صلاحيات رئيس الحكومة العاجز تمامًا عن القيام بدوره المحوري ضمن تركيبة الدولة والنظام، وصولًا إلى فرض الأجندات وإطلاق اللاءات والتهديد السافر بإسقاط الحكومة عند كل مفترق أو استحقاق.

وصل سعد الحريري إلى الحياة السياسية على ظهر مذبحة ظلت تحضر في خلفيتنا العميقة كلما حضر اسمه أو طيفه

وصل سعد الحريري إلى الحياة السياسية على ظهر مذبحة ظلت تحضر في خلفيتنا العميقة كلما حضر اسمه أو طيفه، وهي خلفية تجاوزت في مضامينها وفي مفاعيلها كل كبوات الممارسة السياسية أو ضعف الكاريزما الشخصية، حيث لم يكن الرجل حينها وريثًا تقليديًا للدم أو الزعامة، بقدر ما جسّد صورة فاقعة عن منتهى الظلم، وعن عذابات متأصلة وراسخة في الوجدان وفي التاريخ، فصار حضوره موازيًا للثأر والمواجهة، ومرادفًا للشفقة والتعاطف، فيما يختصر غيابه أو تغييبه كل عناوين الهزيمة والهوان.

اقرأ/ي أيضًا: الحريري يرد الصاع لعون

أخذت الممارسات السياسية اليومية تقضم شيئًا فشيئًا من رصيده الهائل، ثم راحت المنزلقات والأزمات الكبرى تؤسس لصورة مغايرة عن تلك التي ترسخت عقب الاغتيال، وقد تبلورت بالتزامن مع موجة من الإفلاس المتدحرج لمؤسساته وشركاته، وصولًا إلى أفول إمبراطوريته المالية، ومعها الصورة الأسطورية التي صنعها رفيق الحريري. سريعًا تبدلت تلك الصورة الحاضرة في الأذهان، وتحوّل سعد الحريري من ضمانة لاستمرار الحريرية إلى لعنة أصابتها في مقتلها، فاستحالت عبئًا يُثقل الكواهل المتعبة، بعد أن كانت متنفسهم الوحيد.

في ظل هذا الواقع، وقف سعد الحريري عاجزًا وعاريًا إزاء العاصفة التي اندلعت في بيته وضمن بيئته ووصلت إلى حضنه الإقليمي، وقد راحت تتعاظم على وقع الكبوات المتلاحقة والشعور العارم بعدم أهليته السياسية أو الشخصية لمواكبة المرحلة والتحديات. عند هذه اللحظة تمامًا وقع الزلزال، وأُجبر الرجل على إذاعة بيان استقالته من الدولة التي تُشكل حاضنته السياسية.

تحوّل سعد الحريري من ضمانة لاستمرار الحريرية إلى لعنة أصابتها في مقتلها

تحضر هذه الوقائع وهذه المحصلة في خلفية العقل السياسي والجماعي، وهي باتت تحكم عن قصد أو غير قصد كل المسار السياسي الذي يسلكه سعد الحريري من جهة، ويسلكه خصومه أو أصدقاؤه من جهة أخرى، لكن ما يبعث على شديد القلق هي الخلفية التي تكونت لدى الشيعية والمارونية السياسية على وجه الخصوص، وهذا ما يُفسر جزءًا كبيرًا من سياساتها وطريقة تعاطيها مع مختلف الملفات المطروحة، لا سيما لجهة الإصرار على قضم دوره وسلب صلاحياته والتعاطي معه وفق ذهنية المنتصر والمهزوم.

لا حل لهذه المعضلة إلا في ابتعاد سعد الحريري مرحليًا وطوعيًا عن رئاسة الحكومة وعن واجهة المشهد السياسي، وهو ابتعاد لا بد أن يترافق مع خارطة طريق واضحة وبعيدة المدى، قوامها الحد من الخسائر والانهيار، والتوثب نحو استعادة دور حقيقي ووازن ضمن المعادلة السياسية والوطنية، عبر الاستناد حصرًا إلى حرفية وروحية الدستور، وإلا فإن ما لم يأخذه حزب الله بالدم والمثالثة، سينتزعه ميشال عون وصهره بالكيد والممارسة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وما أدراكم ما ميشال عون

إفلاس حزب الله بسبب الحرب السورية.. "السيد" يخسر زعامته ونقوده