28-فبراير-2019

حماة 1940

المسافات طويلة إلى ذلك الحد الذي يمكنك أن تسيرها وحدك

اخلع سواد قلبك وانتعل شعاع الشمس وتابع مسيرك

ستجد هناك بعض الملايين الذين يسيرون جميعًا

لا تغتر بهم فأحيانًا تكون المسافة أطول من أن تكون في جماعة

لا فرق إذًا في أن تكون معهم أو معهم

في الحالتين لن تجد نفسك إلا معك أو معك

فلا تترك شيئًا للريح

الرياح كما الرصاص كل نسمة منها ستحمل ذكرى، أو لون عينين لم تستطع إخراج سهمهما من صدرك

أو أنها ربما تحمل رائحة عطرك على شالها الذي نسيت لونه

كانت تقول لي: أنت كذبة العمر.

وكنت أكمل أنا: أنت أجمل كذبة.

واعدتها مرة أمام مبنى المحافظة في حماة، وانتعلت شعاع الشمس وسرت وحيدًا تاركًا لجموعهم

الطريق ونغم الخطى التي تسير عليه موافق تمامًا لدقات قلبي الذي يسبقني ببضع أمتار ويردد أشتاقك.

رجل مسن يقطع الشارع وامرأته الستينية تمسك يده ليعبرا بأمان

فتيات وشباب يمشون في الطرف الآخر. يحملون كتبًا أو أسفارًا في أيديهم

كنت أظن أن الأزهار في منتصف الشارع ستكون أزهى ما عادتها، أراها خاملة مثل عكاز ذلك المسن.

لماذا لم تتكلل بالجمال ألم تعلم أننا سنلتقي؟

سألت نفسي...

أنظر في الشوارع الأربعة ولا أجدك.

في الشارع الأيمن كانت هناك امرأة تفرد ثوبها على الأرض وتقول للمارة من مال الله، والمارة يعتقدون أن هذه المرأة أغنى منهم فلا يعطونها، ويعتقدون أن المال في جيوبهم ليس لله فلا يعطونها أيضًا، يا للعجب! فلا المال مالهم ولا السائلة سائلتهم!

في آخر الشارع نفسه مطعم مكتظ بالبطون؛ نفس البطون تمر من جانب المرأة ولا تفكر إن كان بطنها فارغًا أو ممتلئًا.

في الشارع نادي رياضي وبعض الصور لأولئك الذين بنوا عضلات أجسادهم، الصور حقيقية وبإمكاننا جميعًا أن نملك هكذا أجسام، لكن ليس هذا ما نحتاجه اليوم ما نحتاجه بناء فكر وبدوره سيبني الأجسام.

الشارع ليس مؤهلًا لتدوسه خطاها؛ فأيقنت أنها لن تأتي منه فأدرت ظهري للريح فيه فالرياح التي لا تحمل شيئًا منك عليها أن تموت.

 

في الشارع الآخر ازدحام أكبر صراف آلي رجال ونساء متقاعدون ينتظرون ثمن رغيف خبز لأطفالهم أو ثمن علبة دواء لأمراضهم

ترى أليس فيهم رجل ثري يعطي هذه السائلة؟ سألت نفسي

الشارع ليس فيه روح من الجمال أو للجمال.

إذا سأدير ظهري للريح فيه فأنت لم تمري فيه

الطرق التي تمرين فيها ولو لمرة واحدة سيغطيها الياسمين حتمًا.

وما زلت أنتظرها...

أنظر إلى الساعة في منتصف الساحة في الدقيقة ستون مرة. ولم تأتي...

في الشارع الآخر محل حلويات يعرض بضاعته على الواجهة هو لم يفكر بأولئك الذين لا يملكون ثمن قطعة صغيرة من السكر فكيف لهم أن يشتروا الحلوى، طفل يمسك بثوب أمه ويطلب منها قطعة حلوى، لا تلتفت إليه ولا تأبه بطلبه ربما هي الآن لا تملك سوى أجر عودتها إلى منزلها فكيف لها أن تشتري الحلوى أو أن تنظر إليها، الأطفال يظنون أن أهلهم يملكون مال الدنيا ولا يدركون حجم الغصة حين يحرمون أطفالهم أشياء حرموها قبلهم...

في نفس الشارع من الطرف الآخر جنود يمشون مختالين بزيهم العسكري، فرحين بالموت للذي يسير في الطرقات ولا يأبهون بأنفسهم، ربما بعضهم الآن ليس لهم أثر والبعض الآخر نسي أولئك الذين ماتوا ويسيرون وحدهم يرافقهم النسيان

الطريق كما غيره سأتركه... خطاها تحتاج إلى طريق فرشوه ياسمينا لم يزهر بع ليزهر بخطاها

أنظر مجددًا إلى الساعة في منتصف الساحة تأخر موعدنا 10 دقائق.

"الغايب عذرو معو"، واسيت نفسي.

بقي شارع واحد حتمًا ستأتي منه

الورد على حافتي الطريق و...

"كل عام وانت الحب... كل عام وأنت الحب".

يغني عبد المجيد عبدالله فأخرج هاتفي لأن هذه النغمة مخصصة لرسائلك فقط

"حسن وانا جاي ع الموعد شفت أخوي وسألني وين رايحة قلتلو اجيت اشتري اغراض وراجعة ع البيت، نحنا هلق بالسرفيس باقي 5 ركاب بعبي تعال بسرعة مشان تلحق نطلع سوى... اشتقتلك"

"اشتقتلك"

لو كنت تعرفين كم أنا مشتاق لك لمزقت هواء العابرين كي لا يروك

لو تعرفين كم أنا مشتاق لك لجعلت النهار بضع ثوان فقط كي نلتقي

ولم أزل في إشتياقي لك...

 

خمس دقائق فقط أستقل سيارة أجرة إلى الكراج ولم أكمل النظر في الشارع الأخير

أصل والسرفيس ممتلئ ولا يوجد مكان إلا على "الشلال"، أي المكان الواقع خلف السائق أركب ناظرًا بخلسة إلى عينك التي غمزت عيني.

لم تسمح لي الفرصة لأخبرك أنني من حينها لم أزل في غرقي في بحرهما

الأجر دفعته عن أخوك أولًا فاعتذر  وقال: "الله يسلمك، مافي داعي لأن معي اختي مابدنا نعزبك"

هو لم يكن يعلم أني مستعد لأدفع الأجر عن الجميع لأجلك، فكيف له ألا يعذبني وهو من عذبنا كلانا.

المسافة بحضورك كنت جد قصيرة لم تشبع عيناي من عينيك.

صحيح الورد كان ذابلًا هناك أيعقل أن أخاك مر من جنبه قبل وصولي فذبل حزنًا على لقائنا الذي لن يتم...

ولم نلتق.

 

اقرأ/ي أيضًا:​

دفتر لأنفاس الهايكو

علامات المرآة الأخيرة

دلالات: