28-مايو-2023
صورة مولدة عبر نماذج الذكاء الاصطناعي

صورة مولدة عبر نموذج الذكاء الاصطناعي (MidJourney)

نتابع في هذه السلسلة، ترجمة نصوص أنتجها نموذج الذكاء الاصطناعي "جي بي تي-4". نسعى بالتعاون مع المترجمين والكتّاب ومدرّبي الكتابة الإبداعية في العالم العربي إلى المساهمة بإنارة هذه المنطقة المعتمة من التجريب والترجمة لنصوص أنتجتها نماذج الذكاء الاصطناعي، وسبر المتعة في خلق حياةٍ ممّا هو عدم أو يكاد يكون عدمًا، ومع الوفاء في الأولى والآخرة للترجمة وسحرها، وللمترجمين وروحهم المغامرة والرائدة دومًا. 


تنويه:  هذه المقالة كتبت بالكامل باستخدام نموذج "جي بي تي-4"، ونقلها إلى العربية المترجم المصري "محمد عبد النبي"، كما خضعت لعملية تحقّق وتحرير لغوي وأسلوبي من قبل فريق التحرير في موقع ألتراصوت. 

بينما كنتُ جالسًا في مقعدي ذي المرفقين الوثير المريح، أحتسي قهوة الصباح، لم أستطع أن أمتنع عن الضحك مِن العناوين الرئيسية التي ومضت عبر شاشة التابلت الخاص بي: "الذكاء الاصطناعي سيقضي علينا!" و: "هل نموذج المحادثة التوليدي (جي بي تي) هو بداية النهاية؟" لطالما اعتقدتُ اعتقادًا راسخًا بأنَّ لدينا، نحنُ البشر، عادة غريبة وهي الخوف ممَّا نجهل، لا سيما في ما يخص المنجزات التكنولوجية. وليس مِن المفاجئ أن تظهر موجةٌ جديدة من الخوف من التكنولوجيا مع ظهور نماذج جي بي تي أو [حرفيًا] المحوِّل التوليدي المدرّب سابقًا.

يبدو بعض الناس كأنهم لا يعيشون معنا في هذا العالَم (أو هُم فقط يستمتعون بفترة راحة هم في أمس الحاجة إليها للتخلص مِن آثار كل محتوى رقمي)، ولهؤلاء نقول إنَّ نموذج جي بي تي، هو نموذج لغوي من إنتاج الذكاء الاصطناعي طورته شركة OpenAI، وبوسع ذلك النموذج أن ينتجَ نصوصًا إنسانية بناءً على مُدخَلٍ محدد. وقد عصفَ هذا النموذج بالعالَم كله، بقدرته العجيبة على محاكاة اللغة الإنسانية، من كتابة المقالات إلى قرض الشِعر. وبينما استقبلَ بعضُ الناس  أعمال الذكاء الاصطناعي تلك بالأحضان مُرحبين، فقد اعتصرَ آخرون أيديهم قلقًا وتحفزًا، خشية انتهاء الإبداع الإنساني وفقدان الوظائف.

بودكاست مسموعة

الآن، بصفتي عاشقًا لرائحة الكتب القديمة، ومقدّرًا لفن كتابة الرسائل بخط اليد، سوف أقر بأنَّ ردّ فِعلي الأوّل إزاء هذا ال (جي بي تي) كان التوجس والقلق، غير أني مع مرور الوقت، أخذتُ أرى المنافع الكامنة في هذه التكنولوجيا وفي تسخير قوتها لِما فيه خيرنا. إذَن، فلنأخذ نَفسًا عميقًا، ولنستكشف معًا الجانب المضيء مِن نماذج جي بي تي وما تقدّمه لنا من فرص.

أولًا وقبل كل شيء، أعتقدُ أنه مِن الضروري النظر إلى نماذج "جي بي تي" بوصفها أداة وليس بوصفها بديلًا للإبداع الإنساني. بكل تأكيد، يمكن لها أن تخرجَ فقراتٍ تبدو وكأنَّها بقلم شكسبير، أو نجيب محفوظ عندما تُترَجم للعربية (على ما أرجو)، لكنها عاجزة عن خلق قصة تعتصر الفؤاد وتدفع بالدمع للمآقي. يكمن جمالُ الإبداع الإنساني في قدرته على التعاطف والتواصل مع الآخرين، وهذا شيء من المستحيل أن يستنسخه الذكاء الاصطناعي (حتّى الآن، على الأقل!).

تذكّر تلك المرّة حينَ حاولت أن تكتب ذلك الإيميل لرئيسك في العمل أو رسالة لصديق فقدتُ أثره منذ وقت طويل، لتفاجأ بأنكَ تحدّق في شاشة خالية لوقتٍ يطول حتّى يبدو كأنه ساعات. ألن يكون من الرائع أن تجد إلى جانبك مرافقًا ودودًا مِن الذكاء الاصطناعي، يعرض عليك اقتراحاته أو يعاونك في تجاوز حُبسة الكاتب المرهوبة تلك؟ يمكن لنماذج "جي بي تي" أن تلعب معنا دور الرفيق الإبداعي، فتساعدنا على تهذيب خواطرنا وصقل أفكارنا، بينما نحتفظ بالتحكّم في صورة المنتج النهائي.

لكنَّ الأمر لا يقتصر على الكتابة. إنَّ إمكانيات برامج الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بلا حدود عَمليًا، مِن الترجمة بين اللغات إلى خدمة العملاء، ثم التعليم، بل وحتَّى تقديم الدعم في مجال الصحة العقلية. تخيّل عالَمًا يمكن فيه للدردشة الآلية المولَّدة عبر الذكاء الاصطناعي أن تقدّم مساعَدة خلال جميع ساعات اليوم، تعيرُ فيها أذنًا مصغية لهؤلاء الذين في أشد الحاجة لأن يُسْمَعوا، بصرف النظر عن الزمان أو المكان. يبدو لي هذا مستقبلًا أفضل!

صورة مولدة عبر نموذج الذكاء الاصطناعي (MidJourney)
صورة مولدة عبر نموذج الذكاء الاصطناعي (MidJourney)

والآن، أكاد أسمع المشككين من بينكم، يغمغمون: :لكن، ماذا عن فقدان الوظائف واحتمالات إساءة الاستخدام؟" ولا داعي للكذب؛ ثمة ما يبرر تلك المخاوف. ولكن بدلًا من الاستسلام للذعر من التكنولوجيا، يجدر بنا التركيز على إيجاد سبل للتكيف معها والتعايش مع تلك التطورات.

حين نتقبّل ثورة الـ (جي بي تي) ونتصالح معها، نستطيع أن نتبين فرصًا جديدة وأن نخلق وظائف تركز على الجوانب الإنسانية الفريدة للعمل. على سبيل المثال، بدلًا من أن تحلّ هذه البرامج محل المعلّمين، يمكنها أن تساعدهم في تحضير دروسهم، وتصحيح الواجبات وإعطاء الدرجات، وتقديم آراء ونصائح خاصة بكل تلميذ على حدة، ما يسمح للمعلمين بتكريس المزيد من الوقت لرعاية نمو تلاميذهم وسلامتهم.

أمَّا عن إساءة استخدام هذه البرامج، فَلا غنى بالمرة عن وضع الإرشادات العامة والمعايير الأخلاقية لنضمن حِس المسؤولية عند تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واستخدامها. عبرَ الانخراط في نقاشات مفتوحة حول هذا الأمر، وأيضًا تعزيز أشكال التعاون بين مطوّري الذكاء الاصطناعي، ومستخدميه، وصنّاع السياسات، بوسعنا خلق بيئة رَقمية أكثر أمنًا وانصافًا للجميع.

زكي وزكية الصناعي

وهكذا، في المرة التالية التي تصطدم فيها بعنوان إخباري يحذّر من الهلاك الوشيك بسبب برامج ال (جي بي تي)، فلتأخذ خطوة للوراء وتذكّر نفسك بأنَّ التغيير لا مفر منه. وبدلًا مِن الذعر أو المقاومة، فلنقبل تلك المنجزات ونتعامل معها بحب استطلاع وعقل متفتح. فلنركز على تعزيز علاقة تعاونية ما بين البشر والذكاء والاصطناعي، حيث يكمل كلٌ منهما نقاط القوة والضعف لدى الآخر.

لدينا فرصةٌ فريدة لتشكيل مستقبل نماذج "جي بي تي" وما شابهها من تكنولوجيات، حريصين على أن تخدمنا كقوةٍ تعمل للخير في عالمنا. فبدلًا مِن أن يجمدنا الخوف، نستطيعُ أن ننخرط بهمّة في النقاشات، ونؤثر في السياسات، ونشجع الابتكار المسؤول.

كما يقول المَثَل السائر: "دوام الحال مِن المحال"، وفي رأيي المتواضِع، دائمًا يكون من الأفضل أن نواجه التغيّر بابتسامة، وبحب الاستطلاع، وقدح قهوة دافئ في يدن

في المحصّلة الختامية، لا ينبغي لثورة الـ (جي بي تي) أن تكونَ مصدرًا للذعر أو القلق. حينما نتخذُ نَهجًا أكثر إيجابية ومبادرة سوف نستطيع تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لتحسين حياتنا وخلق مستقبل أكثر إشراقًا من أجل الأجيال القادمة. لذا فلنرحّب بنماذج (جي بي تي) في حياتنا بأذرعٍ مفتوحة، ومَن يدري، فربما تغمرنا المفاجآت السارة إزاء العجائب التي يمكنها أن تقدّمها لعالمنا دائم التطور.

على كل حال، وكما يقول المَثَل السائر: "دوام الحال مِن المحال"، وفي رأيي المتواضِع، دائمًا يكون من الأفضل أن نواجه التغيّر بابتسامة، وبحب الاستطلاع، وقدح قهوة دافئ في يدنا. مرحبًا بثورة الـ (جي بي تي) وتحيةً لاعتناقها والاستغلال الأمثل لما تقدمّه مِن فرص وإمكانيات!