13-ديسمبر-2017

من الضروري الابتعاد عن صخب المدينة والتكنولوجيا (Pexels)

يجني الحوار المباشر وجهًا لوجه مع الآخرين الكثير من الثمار الإيجابية، لكنه صار فنًا يلفظ أنفاسه الأخيرة- ولكن ربما هنالك طريقة تُمكِّننا من إحيائه من جديد. سنتعرف على ذلك في هذا التقرير الذي أعدته الكاتبة سيليست هيدلي، ونشر في موقع صحيفة الغارديان البريطانية، حيث تقدم الكاتبة في هذا التقرير رؤيتها حول كيفية استعادة المحادثات المباشرة مع الآخرين، والاستغناء بشكل جزئي عن المحادثات الإلكترونية.


أن تستمع للآخرين، فهي خبرةٌ لا تُقدر بثمن. والأشخاص حولك بما فيهم الغرباء، لديهم أسرارهم ومواهبهم الخفية. فإن لم تسمع منهم، فربما يفوتك الكثير

تؤكد سيليست هيدلي أنه يبدو أننا صِرنا نتحدث أكثر من ذي قبل. وتستكمل: صحيح أنه صارت لدينا تطبيقات للتواصل، وفرصة للحديث أكثر من أي وقت مضى، لكن ما يعطينا الشعور بأننا في محادثةٍ حقيقيةٍ تم اختزاله فقط في مجرد التكلم. فالمحادثة هى تبادل الأفكار والآراء بين شخصين، وخلالها يتفهم كل شخص الآخر، ويقوم بالرد عليه، لكن المحادثات -بهذا التعريف- صارت تختفي أسفل تلك الجبال الضخمة من التغريدات، والمنشورات، والرسائل النصية، والصور، والرموز التعبيرية والوجوه الضاحكة (Emojis).

إنه ذلك النوع من المحادثات الذي أسعى لإعادة إحيائه من جديد، ذلك النوع من الأحاديث الذي يحفز التفكير النقدي، ويزيد التعاطف لدى البشر. إنه ذلك النوع من الترابط بين البشر الذي يساعد على مد جسور التواصل، والعبور فوق الانقسامات السياسية التي تفصلنا عن بعضنا البعض.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتنمية شركتك الخاصة؟ 6 نصائح ناجحة

هل ما يزال بإمكانك القيام بتلك المحادثات؟ بالتأكيد نعم. الحاجز الأول لذلك هو هاتفك الجوال، والذي إما يكون بيدك، أو على مقرُبةٍ منك؛ مما يمكِّنك من الوصول له بسهولة. وأظهرت الأبحاث أن الهاتف الجوال عاملٌ مشتت؛ وذلك لأن جزءًا من مادتك الرمادية (المسؤولة عن العمليات الحيوية مثل: البصر، والسمع، والتحدث، والذاكرة..) يكون مشغولًا بالتفكير في إذا كان سيُطلِق هاتفك جرسًا ليُنبِهك بوجود إشعار أو ما شابه.

كما أن الهاتف يشتت انتباه الشخص الذي تتحدث إليه. فقد أظهرت دراسة بالمملكة المتحدة، تم إجراؤها منذ سنوات قليلة مضت، أن مجرد تواجد هاتف، حتى لو أنه ليس مملوكًا أو تابعًا لأيٍّ من أطراف المحادثة، فإن ذلك الهاتف يجعل أطراف تلك المحادثة يرون ذلك الشخص غير ودود، وليس جديرًا بثقتهم. لذا فالخطوة الأولى ليست بأن تضع الهاتف جانبًا، بل تبعده عنك.

الخطوة التالية، توقفْ عن تجنب المحادثات التي تتوقع أن ينتهي بها الحال للجدال. وبإمكانك فعل ذلك عن طريق اختيار التعلُم من المحادثات، بدلًا من اختيار دور المعلم لكيف يجب أن تكون المحادثات. لا تحاولْ أن تقوم بتعليم الطرف الآخر من المحادثة كيف يجب أن تكون، عن طريق إثبات فساد رأيه، أو محاولة تغيير قناعاته، لأنه -على الأرجح- لن يحدث ذلك.

عِوضًا عن ذلك، حاول أن تجعل هدفك هو محاولة فهم منظورهم للأشياء، وطريقة تفكيرهم. وهذة طريقةٌ ممتازة لزيادة تعاطفك تجاه الآخرين، وتحفيز عقلك لخلق أفكارٍ جديدة. ربما تختلف مع ما يقوله الآخرين، لكنك تقدم خدمة لنفسك بالاستماع للآخرين. قُمْ بطرح الأسئلة، واستمع للأفكار الجديدة، ولا توجد مشكلة إذا لم تتفق مع آراء الآخرين.

اقرأ/ي أيضًا: وسائل التواصل الاجتماعي..هل توصل إلى الشك بالذات؟

وهذا يقودنا للخطوة التالية: الاستماع. الاستماع موهبة، ونحن نُولد دون معرفة كيف نُطبِق تلك الموهبة بالشكل الصحيح. في أغلب الوقت، لا نسمع لكل ما يقوله الشخص. غالبًا ما نستمع فقط لأول بضع كلمات يتفوه بها الشخص المواجه لنا، ثم نبدأ مباشرةً في صياغة ردنا. وتلك عادةٌ شائعة يصعُب تغييرها.

في سبيل تطبيق الاستماع بطريقةٍ فعالة، يجب عليك أن تسمح لأفكار الآخرين بدخول عقلك، والتدفق داخله، حتى تتمكن من استيعابها، ومن ثم استكمال الاستماع. وذلك نوعٌ من الانضباط، وتدريب على التركيز الكامل للذهن. أنه ليس بالأمر الهين، لكنه من الضروري إذا كنت حقًا تأمل في الاستماع لما يقوله الآخرون، وتريد استيعابهم.

الاستماع موهبة، ونحن نُولد دون معرفة كيف نُطبِق تلك الموهبة بالشكل الصحيح. في أغلب الوقت، لا نسمع لكل ما يقوله الشخص. غالبًا ما نستمع فقط لأول بضع كلمات يتفوه بها

لقد صرنا جميعًا محترفين في التعبير عن أفكارنا، ومشاعرنا، وقد منحتنا وسائل التواصل الاجتماعي بعددٍ لانهائي من الطرق لنشر تلك الأفكار والمشاعر. ولكن وسط كل ذلك الكلام، لا أحدًا يسمع.

لا يُعلمك التحدث شيئًا، لذا فإنه بغير المفاجئ أن نُدرك أننا لا نعلم شيئًا عن بعضنا البعض، ونجد صعوبةً في التعاطف مع أولئك الذين يختلفون معنا في الرأي. لقد توقفنا عن الاستماع لبعضنا البعض، وبالتالي توقفنا عن التعلم.

ربما يبدو كل ذلك كالواجبات المنزلية التي تخشاها، لكن تعلم أن تستمع للآخرين، فهي خبرةٌ لا تُقدر بثمن. والأشخاص حولك بما فيهم الغرباء، لديهم أسرارهم ومواهبهم الخفية. فإن لم تسمع منهم، فربما يفوتك الكثير من القصص المشوقة والنصائح المفيدة.

لذا، ضع هاتفك جانبًا، وانظر لمن حولك. استغل الفرصة، واطرح سؤالًا على أحدهم، واستمع حقًا لإجابتهم. ولربما تندهش من التغير الذي سيحدث في منظروك للأشياء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تُهدّد وسائل التواصل الاجتماعي الديمقراطية؟

دراسة حديثة: ثلثا العرب يطالعون الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي