09-يناير-2018

ساهمت العقوبات الأمريكية في تعزيز قمع السلطات الإيرانية لحرية الإنترنت (أسوشيتد برس)

منذ أواخر الشهر الماضي، تشهد إيران احتجاجات متصاعدة وغير مسبوقة منذ مظاهرات 2009، واجهها النظام الإيراني بالقمع في الشارع، وبالقمع على الإنترنت بحجب العديد من المواقع وتطبيقات التواصل، وللعجب أنّ الولايات المتحدة ساهمت في تعزيز سيطرة النظام الإيراني على الإنترنت وفي عمليات الحجب هذه. مجلة فورين بوليسي نشرت تقريرًا يوضح كيف حدث ولا يزال يحدث ذلك، نعرضه لكم مترجمًا بتصرف في السطور الآتية.


في واقع الأمر، سهلت العقوبات الأمريكية المستهدفة إيران؛ من مهمة نظام الملالي لإضعاف المعارضة على الإنترنت. فعندماما تدفق آلاف الإيرانيين إلى شوارع البلاد خلال الأسبوع الماضي احتجاجًا على الفساد الحكومي والتدهور الاقتصادي، لجأت السلطات في طهران إلى نفس التدابير المعروفة.

حملة الحجب التي نفذتها السلطات الإيرانية لمواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب التظاهرات الأخيرة، وجدت دعمًا من العقوبات الأمريكية!

وأغلقت الحكومة الإيرانية، يوم الأحد الماضي، تطبيق تيليغرام، وهو منصة لتبادل الرسائل النصية يستخدمها أكثر من 40 مليون إيراني. وتبع ذلك بوقت قصير إغلاق تطبيق إنستغرام، وغيره من منصات التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات إيران.. موجة غضب لا تستثني أحدًا حتى خامنئي!

وكانت نوايا نظام الملالي جليّة، وهي منع الوصول إلى المنصات الرقمية التي يستخدمها المتظاهرون في نشر المعلومات الخاصة بالاحتجاجات. إلا أن الحملة التي قامت بها الحكومة، وجدت دعمًا من مصدر غير مُتوقع، إنه نظام العقوبات الأمريكي!

أثبتت العقوبات الرامية إلى عزل النظام الإيراني ومعاقبته على سلوكه السيئ، والتي ظلّت قائمة منذ إدارة بيل كلينتون وتضاعفت مرارًا وتكرارًا خلال السنوات الأخيرة، جدواها في الماضي. ويُعزي الخبراء الفضل لها في إرغام إيران على توقيع الاتفاق النووي عام 2015.

وفي مقابل موافقة إيران على عدم التوسع في برنامج أسلحتها النووية، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية عنها عديدًا من تدابير العقوبات عام 2016. إلا أن أكبر هذه العقوبات لايزال ساريًا حتى الآن، وبعض من هذه العقوبات يكمن في منع وصول الإيرانيين إلى شركات التكنولوجيا الأمريكية ومنتجاتها.

المفارقة الكبرى، أن الحكومة الإيرانية لم تكن الجانب الوحيد من المجتمع الإيراني الذي تضرر من هذه الإجراءات العقابية، بل تضررت المنظمات المدنية الإيرانية أيضًا، والتي يُعتمد عليها في المساعدة على الدفع نحو مجتمع أكثر انفتاحًا. فوفقًا لبعض النشطاء الإيرانيين في مجال التكنولوجيا، يوجد أكثر من 100 خدمة رقمية تأثرت بهذه الإجراءات.

وتتضمن هذه القائمة برنامج "أدوب - Adobe"، الذي يُستخدم على سبيل المثال في التصميم وإنشاء ملفات "بي دي إف" للإعلان عن أماكن التظاهر، وكذا برنامج تطوير أندرويد الذي يمكن للمبرمجين الإيرانيين استخدامه في إنشاء تطبيقات لمراوغة المراقبة المحلية للإنترنت، والبرنامج التعاوني من أتلاسيان، وهو أداة تطوير أخرى، وعددًا من منتجات شركة غوغل، مثل تطبيق غوغل إنجين، وغوغل كلاود، والبرامج المضادة للفيروسات.

يقول أمير رشيدي، وهو باحث في أمن الإنترنت في مركز حقوق الإنسان بإيران: "طالما أخبرنا الحكومات الأمريكية أن هذه العقوبات تُلحق الضرر بالناس".

يضغط أمير رشيدي ومعه مجموعة من النشطاء في مجال التكنولوجيا على حكومة الولايات المتحدة من أجل إصدار ما يُعرف بالترخيص العام، لتزويد إيران بمنتجات تكنولوجيا الاتصالات دون الخوف من التعرض للغرامة المالية الناتجة عن خرق العقوبات المفروضة.

ولكن حتى الآن، لا تجد مثل هذه المناشدات إلا آذانًا صماء. وقد صرح أندرو بيك، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشبكة "بي بي سي"، أنه يشجع الشركات الأمريكية على توفير تدفق حر للمعلومات في إيران، إلا أنه لا توجد أدنى دلالة تُذكر على سعي إدارة دونالد ترامب إلى تخفيف العقوبات، أو حتى تقديم استثناءات جديدة.

وبدلًا من ذلك، ربما تسارع واشنطن إلى فرض عقوبات إضافية، ففي يوم الخميس الماضي، وجهت وزارة الخزانة الأمريكية صفعة جديدة إلى طهران، عبر مجموعة من العقوبات الجديدة التي تستهدف صناعة الصواريخ البالستية. وقد صرح بيك لـ"بي بي سي"، أن العقوبات المستقبلية ربما تستهدف المسؤولين الإيرانيين المتورطين في تقييد الإنترنت.

وعكف خبراء العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية على دراسة أفضل الطرق لإمداد إيران بتكنولوجيا الاتصالات لوقت طويل، وحاولوا صياغة استثناءات من شأنها السماح لشركات مثل غوغل وأبل بالدخول إلى السوق الإيراني. إلا أن هذه الجهود قد لاقت نجاحًا باهتًا في أحسن الأحوال.

أصدرت إدارة باراك أوباما في عامي 2013 و2014، عددًا من التراخيص العامة، بهدف تشجيع تصدير تكنولوجيا الاتصالات إلى إيران، للحيلولة دون مساعدة الحكام الإيرانيين دون قصد في كبت حرية التعبير.

تسببت العقوبات الأمريكية في تأثر أكثر من 100 خدمة متعلقة بالإنترنت ما سهل على طهران عمليات الحجب بهدف تضييق الخناق على المعارضين

وسرعان ما جعلت شركات غوغل وأبل متاجر تطبيقاتهما مُتاحةً أمام المستهلكين الإيرانيين، إلا أن الشركات الأمريكية لم تتسرع في نشر منتجاتها هناك، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المشاكل المتعلقة بالمدفوعات الإيرانية. فوفقًا لما أكده بيتر هاريل، الذي ساعد في صياغة التراخيص العامة بصفته مسؤول في وزارة الخزانة، فإن القيود المالية التي تفرضها الولايات المتحدة على البنوك الإيرانية، جعلت من الصعب على الشركات الأمريكية تقديم أي شيء آخر إلى جانب الخدمات المجانية في إيران.

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا تهدد وإيران تتوعد وأوروبا تحبس أنفاسها.. فما مصير الاتفاق النووي؟

يقول هاريل، والذي أصبح في الوقت الراهن باحثًا بارزًا في مركز الأمن الأمريكي الجديد: "لم تستطع أي من هذه الشركات تحقيق الأرباح".

ما يزيد الأمور تعقيدًا هي الحقيقة التي تفيد بأنه من أجل تجنب خرق نظام العقوبات، يجب على الشركات الأمريكية أن تتأكد من أن الحكومة الإيرانية لا تستخدم خدماتها، وهو حسب وصف هاريل، "مشكلة كبيرة أخرى يجب الالتزام بها".

وفي غضون ذلك، تستمر طهران في تضييق الخناق على الخدمات الرقمية الموجودة بالفعل في البلاد، مثل فيسبوك وتويتر. فمع بداية نزول المتظاهرين إلى الشوارع الأسبوع الماضي، رفعت الحكومة الإيرانية من وتيرة مثل هذه الإجراءات. يقول رشيدي إن "الأمر يزداد سوءًا يومًا بعد يوم".

وبرز استخدام تطبيق تيليغرام للرسائل المشفرة باعتباره ساحة مركزية في المعركة الحالية. إذ يستخدم هذا التطبيق خاصية تشفير الرسائل من طرف إلى طرف، والذي يُعد أحد تدابير الخصوصية للتواري من جواسيس الحكومة. كما يحتوى التطبيق على ميزة القنوات الشعبية، التي تسمح لعدد كبير من المستخدمين الاشتراك فيها واستقبال آخر الأخبار وغيرها من المعلومات.

واستطاعت طهران، من خلال حجب هذه الخدمة، منع الوصول إلى أكثر أداة شعبية لنشر المعلومات في البلاد بنجاح، سواء كان ذلك داخل البلاد أم خارجها.

ومن الناحية النظرية، يستطيع مستخدمو الإنترنت الإيرانيون التحول إلى تطبيق سيغنال، وهو تطبيق رسائل مشفرة آخر، يوفر مستوى أعلى من الأمان أكثر من تطبيق تيليغرام، ومن أجل تخطي القيود الحكومية. إلا أن استخدام تطبيق سيغنال غير مُتاح بشكل كبير في إيران، وقد أفاد النشطاء في مجال التكنولوجيا بأن هذا التطبيق من الخدمات المختلطة، ويرجع ذلك إلى حظر شركة غوغل للإيرانيين من استخدام خدمة تُعرف بـ "غوغل آب إنجين".

ويعتمد تطبيع سيغنال على خدمة "غوغل آب إنجين" في إخفاء حركة البيانات على الإنترنت عن الدول التي تحاول حجب التطبيق. ,لحظر هذا التطبيق، يجب على الأنظمة الاستبدادية حجب موقع غوغل بالكامل، وهو ما يُعد خيارًا مُستبعدًا بدرجة كبيرة. إلا أن طهران لا تواجه هذه المشكلة، فقد أسدت شركة غوغل خدمةً للنظام عبر حجبها الخدمة من تلقاء نفسها؛ خوفًا من انتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران!

ضغط النشطاء في مجال التكنولوجيا على شركة غوغل وغيرها من شركات التكنولوجيا الأخرى لتبني نهج أقل تحفظًا تجاه نظام العقوبات التي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية، لكنهم يقولون إنهم واجهوا معارضة شديدة من محاميي تلك الشركات.

ويقول فريدون بشار، المدير المشارك للمجموعة الكندية للحقوق الرقمية "ALS19"، إن الشركات تتعاطف بشكل عام مع قضية حرية الإنترنت في إيران، إلا أن "المحادثات تنتهي عندما تصل إلى المحامين"، والذين يتخذون نهجًا أكثر تحفظًا في إذعانهم لشروط العقوبات.

غوغل وغيرها من شركات التكنولوجيا، تحجب خدماتها أو جزءًا منها في إيران، خوفًا من انتهاك نظام العقوبات الأمريكية على طهران

بيد أن السياسية تظل الجزء الأكبر من المشكلة. يقول مراد غربان، مدير الشؤون الحكومية والسياسات في تحالف الشؤون العامة للأمريكيين الإيرانيين: "ما من أحد يريد أن يوصم برفع العقوبات عن إيران، وإظهار بعض اللين تجاهها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأولى من نوعها منذ 2009.. تظاهرات احتجاجية في العديد من المدن الإيرانية

العملية كاسندرا.. كيف قايضت واشنطن مخدرات حزب الله بالاتفاق النووي الإيراني؟