01-مايو-2022
كعك العيد

كعك العيد

جاء في كتاب "الحياة اليومية في مصر القديمة"، وهو كتاب من تأليف كاشا شباكوفسكا، صادر عن المركز القومي للترجمة: "من المرجح أن الكعك كان من الأطعمة المفضلة لهاجر، وكان يصنع من الحبوب أيضًا، ورغم أن الكعك يُذكر عادة في النصوص في سياق المعبد، فإن كل مكونات صنعه كانت متوفرة، وقد كان الأطفال والبالغون في مصر القديمة مولعين بالحلوى... وكانت المحليات الرئيسة للكعك هي الفاكهة، خاصة البلح والعسل".

تصبح الشوارع قبل أيام من العيد مصدرًا لرائحة "الكحك" المخبوز، ويمثل مصدر بهجة للمارة ودليلًا على قرب انتهاء شهر رمضان

ومن المرجح وفق بعض التقديرات والدراسات أن تاريخ كعك العيد في مصر يعود إلى زمن الفراعنة، والنص السابق من كتاب "الحياة اليومية في مصر القديمة"، هو أحد الشواهد على ذلك. كما أن استمرار هذه العادة مثبت أيضًا في عصر الدولة الإخشيدية ويمتد ذكرها حتى الدولة العثمانية في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: زلابية بوفاريك.. سلطانة الجزائريين الحلوة

وما تزال هذه العادة في مصر قائمة وراسخة حتى اليوم، على الرغم مما يعتورها من تهديدها. فلو كنت من سكان مصر القديمة، باب شرق أو باب زويلة أو القلعة أو حي السيدة زينب أو السيدة عائشة ستجد أن للكعك طقوسًا خاصة عند المصريين، حيث تضج المخابز أو ما اصطلح المصريون على تسميته "الأفران" بـ"صاجات الكعك" المعدة في المنزل، والتي يتم تحويلها بعد الإعداد إلى أفران المخابز، بحيث تصبح الشوارع في هذه الأحياء مصدرًا لرائحة "الكحك" المخبوز، كما يسمى في مصر، ويمثل مصدر بهجة للمارة في الشوارع ودليلًا على قرب انتهاء شهر رمضان.

كعك العيد

أما في الريف، فتختلف الأوضاع تمامًا حيث يتم "الخبز" في المنازل بسبب عدم انتشار الأفران الكبرى. تقول الحاجة نجيبة عمار، 56 سنة، لـ"الترا صوت": "لا نستخدم سوى السمن البلدي ونضع معه الدقيق وبقية المكونات، نبدأ العمل بعد المغرب وننتهي في اليوم التالي. سر الصنعة يكون في تقطيع العجين وتركه قليلاً بعد رصه حتى "يرتاح" أما ما يجعل الكعك من أسوأ ما يكون فهو تركه ليتخمر فترة طويلة، الكعك الجيد يُعرف من رائحته ولونه، يجب أن تكون رائحته محببة وأن يكون لونه فاتحًا ومتناسقًا".

أما أسوأ ما يتعلق بهذه العادة في مصر اليوم فهو تهافت محلات الحلويات الكبرى على صناعة كعك العيد وإعادة تقديمه إلى الأسرة المصرية. تميزت إعلانات كعك العيد هذه السنة تحديدًا بالتنوع وتم ربطها بالوجاهة الاجتماعية وأصبح الغلاء هو عنوان جودة المنتج وتراوحت الأسعار من 55 جنيهًا إلى 250 جنيهًا (من 6 إلى 29 دولارًا)، وهذا أحد إعلانات كعك العيد في أعوام سابقة. 

 

أما ما يُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي كمادة للسخرية والضحك كان أحد إعلانات كعك العيد على الإنترنت، والتي تظهر صورة الكعك معروضًا بطريقة مبهرة ومتناسقة وبجواره سعر غير معقول هو 500 إلى 700 جنيه مصري، وهو مبلغ "عظيم" بالنسبة لكثير من المصريين الذين يعانون أصلًا من أجل توفير السلع الأساسية كالسكر، الزيت والدقيق، نظرًا لزيادة الأسعار ثلاثة أضعافها في الفترة الماضية. أجبرت هذه الأسعار المصريين على العودة إلى الطرق التقليدية في "الخبز" في بيوتهم وفي أفران الخبز المنتشرة في كل مكان. البعض فضل أن يشتري بقيمة محدودة ومن محلات متواضعة لكن تشتهر بجودتها.

اقرأ/ي أيضًا: المطبخ المغربي.. 5 من أشهى الأكلات الشعبية

يتدخل رأس المال فيطمس أو يكاد يلغي أحد أكثر العادات الشعبية في مصر في وقت العيد وهي اجتماع الجارات النسوة لخبز كعك العيد

أما بالنسبة للحلويات الأخرى، فتبدو المنافسة مع المنتج السوري على أشدها وخاصة في محلات الحلويات السورية المنتشرة في منطقة 6 أكتوبر، التي تبعد تقريبًا ساعة عن العاصمة المصرية، وبها أهم وأشهر محلات الحلويات السورية التي اتسمت بأسعارها المعقولة وجودتها واتسم أصحاب المحلات بالحرص على زبائنهم.

هكذا، ومرة أخرى، يتدخل رأس المال في إعادة رسم الخارطة الشعبية في مصر، فيطمس أو يكاد يلغي أحد أكثر العادات الشعبية في مصر في وقت العيد وهي اجتماع الجارات النسوة لخبز كعك العيد، يتدخل المال ليبين أن "ست البيت" مهما احترفت في "الخبز" فلن تكون خبيرة كـ"الشيف"، الذي يتهافت الزبائن على شراء سلعه.

وحدهم البسطاء فرحون بـ"كعكهم"

وحدهم البسطاء فرحون بـ"كعكهم"، يقول محمد عمران، وهو شاب يعمل بائعًا في أحد محلات البقالة وينتمي لأحد قرى محافظة الغربية: "أستطيع تمييز كعك العيد من أول نظرة، لا يمكن تقليد كعك جدتي وأمي وكل المنتشر بالسوق يُصنع من سمن صناعي وطعمه عادي مقارنة بكعكنا".