24-يونيو-2016

يصادر التجار غير المرخص لهم في الجزائر الرصيف خلال شهر رمضان لعرض سلعهم (حسين زوورار/أ.ف.ب)

ظل الرصيف والشارع المخصصان للمارة في الجزائر، مصادرين من طرف التجار غير الشرعيين، خاصة الشباب، إلى غاية 2013، حيث اتخذت الحكومة قرارًا بترحيل نخبة منهم إلى أسواق مغطاة، ومنع من قالت إنهم غير مؤهلين للاستفادة من هذا الامتياز، من العودة إلى الأرصفة التي تحررت، فبات السير فيها ممكنًا، بكل ما ترتب عن ذلك من تقليل للزحام.

تقول الدراسات إن 60% من الجزائريين يلجؤون إلى الاستدانة في شهر رمضان

اقرأ/ي أيضًا: رمضان الجزائر.."ضيف خفيف" بعادات وأطباق متميزة

غير أن حلول شهر رمضان، بكل شراهة الجزائري للتبضع والتنويع في المأكل والمشرب، ولو على حساب ميزانيته العادية، إذ تقول الدراسات إن 60% من الجزائريين يلجؤون إلى الاستدانة في هذا الشهر، يجعل الأرصفة والشوارع والساحات العامة مصادرة مرة أخرى، على أيدي شباب عادة ما يكونون طلبة جامعات وتلاميذ مدارس، بعرض سلعهم الرمضانية قبل وبعد ساعة الإفطار.

تشمل هذه السلع أنواع الخبز والزلابية والحلويات والعصائر والحوامض والتوابل والفواكه و"حشائش الشوربة" من نعناع وزعتر وبقدونس وثوم وكسبرة، ورقائق مخصصة لصناعة "البوراك"، بكل ما يرافق ذلك من نداءات الباعة الهستيرية على ما بين أيديهم، بحيث يصبح السير في الأرصفة، والنوم في المساكن القريبة صعبين. ويتفاوت الجزائريون في الحكم على الظاهرة بين متفهم وشاجب.

تقول حسينة، معلمة في مدرسة ابتدائية، إن علينا التعاطي مع الظاهرة من زاوية كونها من خصوصيات رمضان التي تمنحه نكهة وروحًا خاصتين: "إنها علامة على حياة المدينة الجزائرية، وستشكل لنا مصدر حنين، في حالة ذهابنا إلى أوروبا أو أمريكا، حيث التعليب بات سمة اليوميات. هذه المناخات هي ما يعيد المهاجرين في رمضان". محدثتنا لفتت الانتباه إلى أنه ينبغي تثمين انشغال الشباب بمثل هذه التجارة، في فصل الصيف الذي يشهد عطلتهم الدراسية، عوض انشغالهم بـ"دعاوي الشر" مثل المخدرات. "إن هذا الشاب يشتغل ليصرف على نفسه بعد العطلة".

في المقابل، يرى أنيس، مشرف على مدرسة خاصة لتعليم السياقة، في الظاهرة خروجًا على القانون وانتهاكًا لهيبة الدولة وتشويشًا على راحة الناس. "لماذا تلاحق الشرطة هؤلاء في الأشهر الأخرى، وتسمح لهم بذلك خلال رمضان؟ من يضمن أن تكون السلع التي يبيعونها صالحة للاستهلاك؟ هل يعقل أن يباع السمك على الرصيف في عز الصيف؟ وتباع الزلابية عارية من أي غطاء في عز الغبار؟".

يصادر التجار غير المرخصين في الجزائر الرصيف خلال شهر رمضان أين يعرضون سلعهم التي تجد إقبالاً واسعًا من المواطنين

اقرأ/ي أيضًا: أول رمضان في زمن التقشف الجزائري

في زيارة من "الترا صوت" إلى مدينتي الرغاية وبودواو، 30 كيلومترًا شرق الجزائر العاصمة، صادفنا عشرات الشباب متمترسين خلف طاولاتهم التي يسمونها "النصبة"، بعضهم قال من النصيب والبعض قال من نصْب الشيء أي عرضه، فيما أوّلها بعض الظرفاء بالنصب والاحتيال. يأتي في مقدمة هؤلاء أصحاب المحلات ذات السجلات القانونية، والذين يجدون أنفسهم في منافسة غير متكافئة، خلال شهر يعدّ أكثر الأشهر تداولًا للسلع.

يقول سعيد، صاحب دكان للمواد الغذائية، إن سبب إقبال الناس على هذه الطاولات يعود إلى أسعارها المنخفضة بالمقارنة مع أسعار المحلات المعتمدة. "إنهم لا يدفعون الضرائب ولا تترتب عليهم تكاليف الكهرباء والتبريد والنقل والإيجار، وكلها معطيات سنفلس نحن التجار الشرعيين إذا لم نضعها في الحسبان". وأعطى محدثنا مثالًا على الفارق في السعر: "يمكن للبائع الفوضوي أن يبيع علبة الطماطم المصبّرة بـ100 دينار، لكنني لا أستطيع بيعها بأقل من 120، وهذا ما يجعل المنافسة بيننا متعسفة".

يعترف فؤاد، 27 عامًا، أنه يتخلى خلال شهر رمضان عن عمله في مستودع لإصلاح العجلات، ويتفرغ لبيع الزلابية والحلويات الشرقية على الرصيف. "ما أجنيه في شهر يساوي راتبي أربع مرات، وهي فرصة لأن أشتري أغراضًا كهرومنزلية أعجز عن شرائها براتبي العادي". فيما يقول نذير، 17 عامًا، إن ما يجنيه من بيع رقائق البوراك يغطي تكاليف كسوته وأدواته المدرسية بعد انتهاء العطلة الصيفية.

هذا هو حال المتهمين بممارسة التجارة "غير الشرعية" خلال رمضان الجزائر القائظ، لتعاملهم التجاري بالبضائع الرمضانية دون ترخيص رسمي، سوى احتلال الرصيف الملائم، وأقل ما يلفت إليه أن للشعوب والمجتمعات طقوسها التي لا تتخلى عنها بسهولة، أو حتى تقبل التدخل حولها، ويبقى تبادل البضائع في الأسواق الشعبية الطارئة بعيدًا عن الضوابط الحديثة أحد الطقوس الاجتماعية في الفضاء العام التي لا يسهل تطويقها.

اقرأ/ي أيضًا: 

الجزائر.. فوضى البرامج في رمضان

مطاعم الرحمة.. تكافل جزائري في رمضان