08-يوليو-2016

تبادل المعايدات بمناسبة عيد الفطر في بغداد (Getty)

عوّضت الرسائلُ الهاتفية القصيرة والإلكترونية في وسائط التواصل الاجتماعي، بطاقات المعايدة التي كانت تسلّم يدًا بيد، أو عن طريق البريد العادي، ليس على مستوى العبق الإنساني واللغوي الذي كانت تحمله فقط، بل على مستوى الخصوصية التي كانت تعبّر عنها كلُّ بطاقة بالمقارنة مع الأخرى أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا:  مفاجأة.. صلاة العيد في مصر باطلة؟!

العيب ليس في وسيلة التهنئة، بل في طريقتها وشكلها وفحواها

وحتى لا تفهم هذه المقارنة حنينًا مرضيًا إلى ماضٍ ولّى، بما لا ينسجم مع سلطة العصر ورهان المستقبل، بكل ما تفرضه من وسائطَ جديدةٍ، حققت فتوحاتٍ مختلفة في حياة الإنسان المعاصر، فإنني أبادر إلى القول إن العيب ليس في وسيلة التهنئة، بل في طريقتها وشكلها وفحواها، وهذا ما تسعى هذه الملاحظات السبع، وغيرها كثير، إلى رصده من خلال معاينة بطاقات وفيديوهات ورسائل التهنئة الإلكترونية العربية، بمناسبة عيد الفطر.

غياب الحس الجمالي

قليلة هي البطاقات الإلكترونية المرسلة بالمناسبة، صممت بحس فني وجمالي رفيع، بحيث تقلّ الكلمات بما يحقق المعنى، وتنسجم الألوان بما يحقق الأناقة والفرجة، إلى درجة أن بعضها يشكل نشازًا تنفر منه العين، ويعافه الذوق، والملاحظ أن هذه البطاقات تصلك حتى من كتاب وشعراء وإعلاميين، يُفترض أنهم لا يهملون عنصر الانتقاء، على أساس جمالي. فهل نستطيع أن ننطلق من هذا المعطى للقول إن هناك أزمة جمالية شاملة في الفضاء العربي؟

نبرة داعشية

نافست هذا العام الفيديوهاتُ التي تتضمن عباراتٍ أو مقطعًا غنائيًا البطاقاتِ المكتوبة، وفي هذا تحول جدير بالانتباه، يؤشر على سلطة الالكتروني بالمقارنة مع سلطة المكتوب، غير أن معظم هذه الفيديوهات ذات نزعة أناشيدية بأصوات أقرب إلى الأصوات المستعملة في الفيديوهات التي يُعلن فيها تنظيم داعش عن عملياته أو يبث بياناته.

علمًا أن كثيرين يملكون هواتف ذكية، وكانوا قادرين على تسجيل فيديوهات بأصواتهم وملامحهم، فتكون أكثر حرارة وحميمية، فهل يؤشّر هذا على أن داعش لم تعد تنظيمًا في حيّز جغرافي محدد فقط، بل هي حسّ وذوق عامان أيضًا، بات من الضروري الالتفات إليهما، ووضع حدّ لهما من خلال تكامل المنظومات المعنية بذلك؟

غياب التفرّد

النمطية والتقليد، بحيث يكفي أن يستقبل أحدهم بطاقة أو فيديو في فايس بوك، أو رسالة قصيرة في الهاتف، حتى يقوم بتحوليها إلى من يعنيه أمرُ تهنئتهم، بل إن بعضهم ينسى أن يحذف الاسم الأصلي للمرسل الأول، فلا تدري من هنّأك أصلًا، فإلى أي مدى يشير هذا المعطى إلى تكلس الذوق العام؟ وغياب روح الإبداع والابتكار والخصوصية؟

روح المحاكمة

بعض التهاني تشعرك بأنك مجرم في حق الخالق والخلق، بعبارات من قبيل: "وطهرك من ذنوبك وخطاياك وأعادك إلى سواء السبيل، وحرّرك من أحابيل شياطين الإنس والجن". فلا تدري هل استقبلت تهنئة في مناسبة سعيدة، أم محاكمة على خطايا وجرائم لم تقترفها. فهل يعتبر هذا مرآة تعكس روح الحكم المسبق على الغير بأنهم مذنبون؟ وهو واحد من العوامل الموضوعية اللاواعية المؤدية إلى استفحال ثقافة التكفير؟

اقرأ/ي أيضًا:  كعك العيد في مصر: تراث ورأسمالية!

ثقافة التوجيه

معظم هذه التهاني تقترن بدعوة الله أن يتقبّل منك الصيام والقيام وقراءة القرآن وما إليها من الأفعال، وكأن مرسلها كان شاهدًا على أنك قمت بها، علمًا أنك قد تكون صمت فعلًا، غير أنك لم تصل ولم تقم الليل ولم تقرأ القرآن، أو تكون مسلمًا غير مطبّق تمامًا، وهذا من حقك الذي لا يجردك من حق التهنئة بمناسبة دينية اجتماعية. فهل يُفهم هذا على أنه استفحال ثقافة النظر إلى الآخرين كما يُراد لهم أن يكونوا حتى يقبلهم الآخرون؟

غياب الحس القومي والإنساني

كانت التهاني التي تضمنت الدعاء لفلسطين بالتحرر من الاحتلال، أو لسوريا والعراق واليمن وليبيا بالاستقرار، وللعالم والإنسانية بمزيد من المحبة والحوار والتآخي نادرة جدّا، فهل يعني هذا المعطى تراجعَ الحس القومي والإنساني لدى الإنسان العربي؟ وهو ما يفسّر اختفاء مظاهر التضامن والمؤازرة، إذ لم نعد نشهد مظاهرة واحدة في الشوارع العربية تندد بجرائم إسرائيل؟

سلطة الآخرة

غرقت معظم التهاني في الدعاء بأن تكون الجنة مثوى الجميع، وأن يجنب الله أجساد وأرواح الخلق نار السعير، في مقابل خلوها من الدعاء المتعلق بشؤون الدنيا، مثل الحرية والتطور والحقوق والبيئة والسلام، فهل هذا مؤشر على أن العرب باتوا يعملون لأخراهم كأنهم يموتون غدًا، ونسوا دنياهم كأنهم لا يعيشون أبدًا؟ هل هذه الروح هي ما أنعش الروح الانتحارية لدى شبابهم، فبات إيجاد شاب يفجر نفسه، حتى في المسجد النبوي، أيسرَ من إيجاد شاب يحافظ على دراسته ودوامه؟

اقرأ/ي أيضًا: 

"الدار الكبيرة" تجمع الأسر الجزائرية في العيد

أجواء عيد الفطر في المغرب.. حلويات وملابس تقليدية