22-أغسطس-2023
ljhg

.كريم لاخاني، الأستاذ في كلية الأعمال في جامعة هارفارد، والمتخصص في مجال التكنولوجيا المستخدمة في بيئات العمل

كريم لاخاني هو أستاذ في كلية الأعمال في جامعة هارفارد، وهو إلى ذلك اختصاصي في مجال التكنولوجيا المستخدمة في بيئات العمل، لا سيما الذكاء الاصطناعي. ويشتهر لاخاني بأبحاثه الرائدة التي حددت الطريقة التي أعاد فيها التحول الرقمي تشكيل عالم الأعمال، وقد شارك في تأليف كتاب: التنافس في عصر الذكاء الاصطناعي، الذي نشر عام 2020. ويرى لاخاني أنّ العملاء يتوقعون من الشركات تجارب مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لذلك ينبغي لقادة الشركات ورؤسائها أن يباشروا التجارب وينشئوا ميادين  الاختبارات وبرامج التدريب الداخلية، وأن يعمدوا كذلك إلى تطوير حالات استخدام الذكاء الاصطناعي لجميع الموظفين لديهم، فلا يقتصر الأمر على العاملين الاختصاصيين بالتكنولوجيا فحسب. كذلك يقول لاخاني إنّ إدارة التغيير والتغيير لم يعودا في هذا العصر مهارات اختيارية للشركات والمؤسسات الحديثة، وإنما أصبحا مهارات لا غنى عنها في عالم الأعمال.

 

 يجادل كريم لاخاني، الأستاذ في كلية الأعمال في جامعة هارفارد، بأن أثر الذكاء الاصطناعي على عالم الأعمال سيكون مشابهًا لأثر شبكة الإنترنت عليه. كما يؤكد على أن رؤساء الشركات والقادة يجب أن تكون لديهم المرونة الكافية لتقبل أي تغيير يمكن أن يكون له أثر إيجابي على أعمالهم وأن يعثروا في أنفسهم على الشجاعة لتقبل إدماج التكنولوجيا في شركاتهم، إذ إن إدارة التغيير تعد من أهم المهارات التي تضمن نجاح المؤسسات واستدامة أعمالها.

ولا ريب أن الناس في عصرنا يتوقعون من الشركات تقديم تجارب ومعاملات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يفرض على القادة والمسؤولين تبني هذه التكنولوجيا، وتعلم طريقة تسخير قدراتها الكثيرة، وتطوير حالات الاستخدام المتعلقة بأعمالهم وشركاتهم. 

وفي هذه المقابلة يحاور آدي إغناطيوس، رئيس تحرير دورية هارفارد بيزنس ريفيو، كريم لاخاني مؤلف كتاب: المنافسة في عصر الذكاء الاصطناعي: الاستراتيجية والقيادة حينما تدير الخورازميات والشبكات العالم. وتتطرق هذه المقابلة لجوانب عديدة منها: 

  • كيف ينجح المديرون التنفيذيون والموظفون العاديون في تطوير عقلية رقمية، مع الإقرار بلزوم هذا الأمر. 
  • إدارة التغيير باعتبارها مهارة جوهرية ينبغي وجودها في بنية المؤسسات الناجحة. 
  • أشكال الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب والبعيد. 

هذه المقابلة مترجمة بتصرف عن الأصل المنشورة في موقع هارفارد بزنس ريفيو


  • إغناطيوس: لقد شاركت في إعداد مادة قبل بضع سنين، ثم تطرقت إليها في كتابك إذ قلت إنّ تعلم الآلة أحدث تغييرات جذرية في قواعد العمل، وهذا تصريح لافت للاهتمام كثيرًا، فماذا تقصد بهذا القول؟ 

لاخاني: هذا الكتاب ثمرة جهد مشترك بيني وبين ماركو إيانسيتي وإيمي بيرنشتاين، وهي محررة في دورية هارفارد بيزنس ريفيو (HBR)؛ إذ أمضينا- ماركو وأنا- عقدًا من الأبحاث القيّمة، وقضينا وقتًا طويلًا في أوساط الشركات وانشغلنا بتدوين الحالات والتقارير ضمن مجال عملنا باعتبارنا خبراء أو مستشارين، فلاحظنا عقب هذا كلّه أن طبيعة الشركة (التي أرست دعائمها على نموذج الشركة الأمريكية الحديثة، وسرعان ما أصبح هذا النموذج متبعًا في عمل الشركات الدولية الحديثة التي تأسست في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي) تغيرت تغيرًا أساسيًا وجذريًا جرّاء تقنيات كثيرة أبرزها الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. 

ومن الملاحظات التي رصدناها أنّ هيكل للأعمال برمته في كثير من الشركات الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي آنذاك- خاصة فيما يتعلق بأمور مثل نموذج العمل، وطريقة تكوين القيمة، وطريقة الحصول على القيمة، والنموذج التشغيلي في الشركة، وطريقة إيصال القيمة للعملاء، وطريقة تحقيق نطاق العمل، وعدد العملاء الذين توفر لهم الشركة خدماتها، وعدد المنتجات في الشركة، وتعلم جميع هذه الأجزاء الجوهرية في هيكل الأعمال- قد أعيد ربط مكوناته بسبب التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية. 

ولو تأملت قليلًا في تجربتك عند استخدام جوجل مثلًا، إذن لعرفت أن قسطًا كبيرًا من تلك التجربة مؤتمت كليًا، بدءًا من الإعلانات التي تظهر، والبحث الذي تجريه، وطريقة تفاعلك معها إن كنت أحد مستخدمي تطبيق جيميل (Gmail)، فالأفراد لا يقومون بهذه الأنشطة قط، وإنما الخوارزميات هي سبب حدوثها. والأمر ذاته يسري على منصات التجارة الإلكترونية الضخمة، مثل أمازون وعلي بابا ونيتفليكس، بيد أن هذه الشركات تؤدي أعمالها بطريقة مختلفة جوهريًا عن شركات أخرى مثل جنرال إلكتريك، التي عملت فيها مباشرة بعد تخرجي في الجامعة.

فهذه الشركات والآلات والخوارزميات هي محور العمل، أما العمل فمؤتمت. وفي الواقع يتولى البشر مهمة تطوير الخوارزميات واختبارها والتحقق منها وضمان عملها وفق الحدود المتاحة، بيد أن المعاملات والأنشطة الفعلية تجري بوساطة الآلات. 

إدارة التغيير أصبحت من المهارات الضرورية للقادة والرؤساء التنفيذين، فمن المهم والضروري معرفة طريقة التغيير والمواظبة عليه دومًا، فضلًا عن بناء تركيبة الشركة أو المؤسسة بما ينسجم مع شرط التغيير. 

  • إغناطيوس: ما نصيحتك لمن يستمع إلى أفراد يقولون: فهمت وأدركت وجود قيمة هنا، لكنني لا أظن شركتي مناسبة لذلك، أو لست على يقين من الخطوات التالية؟

لاخاني: أبتدئ قولي بالإشارة إلى أن معظم الشركات مُقبِلةٌ لا محالة على استخدام الذكاء الاصطناعي واعتماد التقنيات الرقمية في الوظائف الأساسية؛ فالأنشطة والأعمال في حياتنا اليومية تتم عبر المعاملات والهواتف الذكية، أي من خلال هذه الأجهزة وطريقة تفاعلنا مع منتجات التكنولوجيا الاستهلاكية، فنحن نعيش حقًا في عصر الذكاء الاصطناعي.

تعلمت من بعض المحادثات مع أفراد هنود أخبروني بألسنتهم: "إن بعض الأشخاص يجنون حينما تتأخر سيارة الأوبر أو سيارة الأجرة لأكثر من ثلاث دقائق بعد طلبها". فإن أراد الشخص تجربة سيارات الأجرة المذهلة هذه، فسيستخدم التطبيق في جهازه، ثم يتبع الخطوات لإرسال الطلب فتظهر السيارة، لذلك ربما يفقد أعصابه إن تأخرت السيارة لخمس أو سبع دقائق. وهنا لا يسعني إلا أن أستحضر ذكريات انتقالي للعيش في بوسطن لأول مرة عام 1997، فآنذاك استلزم الأمر مني أسبوعًا كاملًا لحجز سيارة أجرة هناك، أما الآن فنفقد أعصابنا لتأخرها.

كذلك إذا وقع نزاع بشأن إحدى المعاملات مع شركة أمازون أو أوبر، فيعالَج على نحو تلقائي، بيد أن الأشخاص أنفسهم والمديرين التنفيذين أنفسهم يكونون راضين في شركاتهم كليًا إن استغرق تفاعل خدمة العملاء مع الشكوى أسبوعين، أو إذا استغرقت إجراءات إلحاق مورد جديد ستة أشهر. إننا نحيا في هذا العالم المنفصل حيث يعيش معظم المستهلكين والناس أولًا في عالم الذكاء الاصطناعي عبر تجاربهم مع منصات كثيرة، وبعدها يقابلون شركاتنا ومؤسساتنا ويعجبون منها فيتساءلون: "ما هذا؟".

ينبئني حدسي بأن الأمر حتمي ولا ريب، فلا مناص من هذا الانتقال. بيد أن الخبر السار للأفراد المتأخرين عن الركب يتجلى في الانخفاض المستمر لتكلفة إجراء هذا الانتقال؛ فالقواعد الإرشادية اللازمة أصبحت الآن معروفة، غير أن التحدي الحقيقي لإتمام هذا الانتقال ليس تكنولوجيًا بتاتًا، إذ لا يشكل إلّا نسبة قدرها 30% فقط، أما التحدي الحقيقي فهو التحدي التنظيمي الذي يشكل نسبة قدرها 70%. وقد سبق لزميلتي الباحثة، سيدال نيللي، الحديث عن العقلية الرقمية؛ فلا بدّ أن يتحلى كل مسؤول تنفيذي وموظف وعامل بهذه العقلية الرقمية، والمقصود بذلك استيعاب طريقة عمل هذه التكنولوجيا، واستيعاب طريقة توظيفها ونشرها، وفهم عمليات التغيير اللازم تنفيذها في المؤسسة بغرض الاستفادة من تلك التقنيات. 

  • إغناطيوس: تعد مؤسستنا ناشرًا صغيرًا قياسًا بعمالقة النشر الموجودين على الساحة. لكن حينما يزور المستخدمون موقعنا الإلكتروني، ويبحثون عن مقالات كريم لاخاني، فإنهم معتادون على طريقة بحث شبيهة بتجربة استخدام متصفح جوجل. 

لاخاني: صحيح تمامًا. 

  • إغناطيوس: لو أراد المستخدمون شراء منتج من موقعنا، فهم معتادون على طريقة أمازون، فأي تجربة أدنى مستوى منها ستُفضي إلى نتيجة شبيهة لما حدث في مثالك عن سيارة الأوبر، فليس هناك إلا الإحباط والتوقعات. لذلك علينا أن نجد الوسائل لنرتقي بخدماتنا دون وجود الموارد، سواء حدث ذلك عبر الشراكات أو وسائل أخرى، فهذه هي الرهانات المتاحة أمامنا. فالناس لا يتوقعون الآن إلاّ أمثل النتائج في جميع تجاربهم. 

لاخاني: هذا صحيح كليًا، فلو ضربت لك مثلًا عن ابنتي المراهقة، فهي لا تطيق قط شركات الطيران القديمة، إذ يعتريها الغضب بسببها وتعبر عن استهجانها وغضبها بالقول: "ما هذا؟". 

  • إغناطيوس: إن الموجة الكبيرة القادمة هي الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكنها ليست الأخيرة بتاتًا، فميكانيكا الكم ستعصف بنا في وقت ما، كذلك أشياء أخرى يتعذر علينا توقعها. فكيف نستعد لذلك كله؟ وكيف نستحدث ثقافة أو عقلية أو منظمة تتفطن إلى حدوث موجات مباغتة من التكنولوجيا؟ وكيف نعرف إن كانت تؤثر علينا؟ وإن كانت كذلك، إذن كيف نتكيف معها بسرعة كبيرة؟ هل من طريقة عامة للتعاطي مع هذه المسألة؟. 

لاخاني: أرى شرطين أساسيين ضروريين لمعظم الرؤساء التنفيذيين والمديرين والقادة، أولهما هو حتمية التعلم، وهذا يحيلنا مرة أخرى إلى أبحاث سيدال عن العقلية الرقمية وأبحاثي كذلك. فأمامنا أمور كثيرة ينبغي تعلمها على أن تتسم عملية التعلم بالاستمرارية؛ فالفكرة لا تكمن في أننا نريد منك أن تصبح مهندس ذكاء اصطناعي أو عالم بيانات أو أستاذًا جامعيًا، لكن هذه هي الرهانات المتاحة بصفتك رئيسًا تنفيذيًا. 

منتال

إن الطريقة التي أتعاطى بها مع هذه المسألة في برنامج ماجستير إدارة الأعمال عندنا موضحة على النحو التالي: فالطلاب ينتسبون لبرنامج ماجستير إدارة الأعمال في هارفارد، ولدينا منهج دراسي مقرر للعام الأول، ولدينا كذلك 10 مقررات دراسية منها المحاسبة. وهنا يتأتى ليَ القول إن المحاسبة مهنة وظيفية مهمة، بيد أن معظم طلاب الماجستير ممن ينتسبون إلى كلية الأعمال في هارفارد يرفضون أن يصبحوا محاسبين في المستقبل، لكنهم ملزمون بتعلم المحاسبة وأصولها، إذ إنها لغة الأعمال التجارية في عصرنا؛ فهي الوسيلة التي تتيح لهم تتبع القيمة وحساب النفقات وغيرها من الأمور المهمة. 

من هذا المنطلق لا يعكف الطالب على دراسة مادة المحاسبة لرغبته في مزاولتها، وإنما لأن استيعاب المحاسبة ومبادئها لازم حتى يصبح رجل أعمال ناجحًا. والأمر ذاته يسري في الوقت الراهن على التكنولوجيا الرقمية وتعلم الآلة، فلا مناص من فهم مواضيع تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، لا من باب امتهان وظيفة المهندس الاختصاصي أو العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، وإنما لأن هذا الأمر رهان شديد الأهمية لاستيعاب مجريات الأعمال وطريقة سيرها". 

لقد أصبح التعلم أمرًا حتميًا وجوهريًا، فلا أظننا قادرين على تجاهل مبدأ حتمية التعلم بعد الآن. وربما أتعاطى مع هذه المسألة من منطلق أناني، خاصة أنها في صلب اهتماماتي لمزاولتي مهنة التعليم، لذلك أريد أن أحذر من هذا الأمر، وأؤكد مرارًا وتكرارًا أنّ مسيرة التعلم لا نهاية لها، فعلى الفرد أن يستثمر موارده في التعلم الشخصي، وعلى الشركات أيضًا أن تستثمر مواردها في تعليم موظفيها، فلهذا النقاش مرحلتان، فالشركات والأفراد مطالبون بتبني مسألة التعلم واتباعها. 

أما الشرط الثاني فلا يقل أهمية عن الأول، على أنه لا يقدّر حق قدره؛ فالتغيير وإدارة التغيير أصبحا الآن من المهارات الضرورية للمديرين والقادة والرؤساء التنفيذين، فمن المهم والضروري معرفة طريقة التغيير والمواظبة عليه دومًا، فضلًا عن بناء تركيبة الشركة أو المؤسسة بما ينسجم مع شرط التغيير. 

أمضيت بعض الوقت في آسيا خلال المدة الماضية، وسنحت لي الفرصة لمقابلة رجل الأعمال ميكي ميكيتاني، الرئيس التنفيذي لشركة راكوتين، فحدثني أنه يرى التغيير كفاءة أساسية ضرورية لجميع العمال والموظفين. وفي الوقت الراهن ينظر إلى أغلبية برامج التغيير ببعض الريبة والشك، وبأنها طفرة مؤقتة وغير ذلك من الهراء، فالناس ببساطة يمتنعون على التغيير. 

وهنا يسعني القول إن أفضل الشركات مستقبلًا هي تلك التي تستوعب أن التغيير أصبح مهارة ضرورية في عصرنا، ولو فكرنا في هذا الأمر على هذه الشاكلة، إذن ما مغزى ذلك؟ في الواقع تستلزم المهارات من الشخص أن يكتسبها في المقام الأول، فلا بد من الاستثمار في التعلم لاكتساب المهارات، لكن ماذا يقتضي ذلك فيما يخص التغيير؟ في الحقيقة يستلزم التغيير الممارسة، فلا بد للشخص من مواصلة التغيير دومًا، وهو إلى ذلك يتطلب أيضًا التعديل. وإنني أرى أن هذه العناصر ستشكل في المستقبل عنصرًا أساسيًا من الوسائل الضرورية واللازمة للقادة للتكيف مع هذا العالم. 

  • إغناطيوس: ربما يتعلق الأمر بطبيعة الأجيال، على أن هذه العلاقة لا ينبغي أن تقوم أصلًا. وحسبما أرى فإنّ الفرد حينما يبلغ سن الرشد، ويصبح عاملًا ضمن القوى العاملة في المجتمع، فإنه ينشأ على مجموعة معينة من التكنولوجيا التي يألفها ويرتاح لها ويشكل جزءًا من عملية استكشاف استخدامها. وفي مرحلة لاحقة يبلغ الفرد مرحلة معينة تبدو فيها التكنولوجيا الجديدة غبية، وهذا ما حصل مع والدي، وعمره 102 سنة، عند التعامل مع البريد الإلكتروني، أليس ذلك صحيحًا؟ 

لاخاني: أجل، هذا صحيح. 

  • إغناطيوس: إذن، ينبغي للمرء أن يواصل المحاولة والتجريب، وأن يواكب آخر المستجدات. 

لو وصفنا شبكة الإنترنت بأنها انخفاض تكلفة نقل المعلومات إلى الصفر، فإن حدسي يقول إنّ تكلفة المعرفة وطريقة تفكيرنا والأشخاص الذين نفكر معهم تنخفض كذلك إلى الصفر أو تنخفض انخفاضًا شديدًا مع الذكاء الاصطناعي.

لاخاني: مررت بهذه التجربة مع والدتي في أثناء وباء كوفيد 19، إذ كانت تعيش في تورنتو هي وأهل زوجتي. وحينما تراجعت القيود قليلًا في شهر نوفمبر سنة 2020، تحديدًا في وقت عيد الشكر، استطعنا إحضارهم للالتقاء بهم مرة أخرى. كذلك حينما تراجعت القيود مرة أخرى في وقت اللقاحات، استطعنا إحضارها إلينا. ولو تتذكر تلك الأوقات، فقد كان عبور الحدود من كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية أمرًا شاقًا، خاصة في ظل رموز الاستجابة السريعة والتطبيقات الكثيرة، فكندا طلبت هذه الأمور كلها للسماح بخروج الأفراد منها، أما الولايات المتحدة الأمريكية فاشترطتها للسماح بالدخول إليها. 

في ذلك الوقت فكرت أن أهل زوجتي ووالدي عجزوا تمامًا عن استخدام هذه التكنولوجيا، إذ أصابتهم الحيرة والارتباك، واضطررت أنا وزوجتي وابنتي إلى قضاء وقت طويل ونحن نمد يد العون إليهم، ونساعدهم على فهم هذه التكنولوجيا. ولا ريب أن تجربة المستخدم كانت مريعة، لكننا تعرفنا بأنفسنا على طريقة الاستخدام، أما فهم فظلوا مكبلي الأيدي، ولم يستطيعوا أن يتكيفوا مع هذه التكنولوجيا. 

لما تأملت هذه التجربة مليًا، قلت في نفسي إنّ هذا الأمر يحدث لكثير من المديرين التنفيذيين ويصيب معظم الشركات؛ فهم أشبه بالعجائز الذين رفضوا التكنولوجيا المتطورة، وامتنعوا عن اعتمادها واستخدامها، فألفوا أنفسهم في وضع يحتم عليهم التعامل معها، فأصابتهم حالة جمود وألفوا أنفسهم في حاجة ماسة إلى المساعدة والعون. فهذا النموذج أو المثال هو الأمر الذي يتعين علينا تخطيه عند التفكير بهذه المسألة. 

  • إغناطيوس: ننتقل الآن إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهنا يسعني القول إننا عايشنا ثلاث موجات؛ ففي الموجة الأولى تعاملنا مع هذه التكنولوجيا على نحو هزلي، أما في الموجة الثانية فحاولنا امتحان صلابتها عبر أسئلة من قبيل: أتحبني يا شات جي بي تي؟

لاخاني: أجل. 

  • إغناطيوس: أما في الموجة الثالثة فنحاول معرفة طريقة استخدامها، فأين أنت من هذه الضجة التكنولوجية الصاخبة؟ 

لاخاني: حالي كشخص حدث نفسه قائلًا: "يا إلهي، إنه تغير جذري!"، فحينما أتأمل مسألة هذه التكنولوجيا، أرى الأمر يستحق العودة الزمن إلى الوراء؛ فعندما كنت أدرس التكنولوجيا والأعمال، حدث تحول جذري آخر قبل 30 عامًا تقريبًا، وأقصد بكلامي هذا متصفح الويب الذي اخترع في ذلك الوقت. ولو فكرت مليًا في متصفح الويب، لاستحضر ذهنك أن الإنترنت وجد طوال 30 عامًا ثم اخترع متصفح الويب، فتعجب الناس من هذا الاختراع وقالوا: "يا إلهي، شاهدوا هذا الاختراع". 

ما برحت أتذكر بوضوح تام اليوم الأول الذي استخدمت فيه متصفح الويب للمرة الأولى، إذ كنت أعمل حينها في شركة جنرال إلكتريك، وحضرت مؤتمرًا خاصًا بعلم الأشعة، فقابلت أحد عملائي، وهو اختصاصي أشعة من مستشفى سان بول في فانكوفر، فأراني حينها متصفح الويب، وكان أول شيء أشاهده في المتصفح هو وعاء القهوة من ماركة أكسفورد، فقلت في نفسي حينها: "إنه أمر مثير للاهتمام"، ثم سرعان ما حظي هذا الوعاء بالتوزيع في أرجاء العالم. وهنا ينبغي القول إن أي شخص لديه متصفح ويب واتصال بشبكة الإنترنت كان قادرًا على استخدام المتصفح.

ظلّ الإنترنت قابعًا في سراديب الشركات وأقبيتها، وقد رأينا تباشير ظهوره للعلن، وأدركنا قدومه الحتمي، فظهر نظام يوزنت (Usenet)، وظهر كذلك بروتوكول جوفر (Gopher) وبروتوكول تلنت (Telnet) وبروتوكول نقل المعلومات (FTP)، وغيرها من هذه التكنولوجيا التي بزغ نجمها حينها. وقد أعطانا المتصفح لمحة عما سيبدو عليه العالم، ثم ظهرت التطبيقات الأولى وبدت لطيفة ومسلية، فقال الجميع إن هذه التكنولوجيا محض هراء، فلا قيمة لها. لكن لو نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر اقتصادية، إذن لأدركنا أنّ المتصفح وفر نفقات نقل المعلومات. 

وطوال الأعوام الثلاثين اللاحقة، مارسنا حياتنا عبر تشييد أركان شبكة الإنترنت، وسرعان ما أحدثت موجات متلاحقة من التطور التكنولوجي تحولات في بعض الصناعات، ونحن إلى ذلك كنا نعيش في خضم هذا التحول كله. 

في خضم جميع التحذيرات المتعلقة بالانحياز والهلاوس في هذه التكنولوجيا، ماذا لو تريثنا قليلًا وطرحنا أسئلة من قبيل: ما يتعين على القادة فعله؟ ما الذي ينبغي على المديرين والرؤساء التنفيذيين فعله حيال هذه التكنولوجيا؟ 

إننا نبث هذا البث مباشرة إلى آلاف المشاهدين أحيانًا، وبعدها يشاهد أشخاص آخرون هذه البث دون أن نتكبد إلا نفقات هامشية نسبيًا، وهذا الأمر يبدو مذهلًا عند مقارنته بمجريات الأمور في عام 1993، حينما استلزم الأمر استوديو تلفزيون ضخمًا وأطباقًا فضائية واستوديو بث ضخمًا حتى نستطيع نقل البث كما نفعل الآن. لذلك يسعنا القول إن نفقات نقل المعلومات تكاد تكون معدومة، ثم سرعان ما تأسست شركات جديدة، مثل جوجل أو أمازون أو فيسبوك، فنشأ مفهوم التجارة الإلكترونية، فهذا هو العالم الذي أتينا منه. 

والأمر ذاته حصل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ فطوال العشرين سنة الماضية استُخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع داخل عدد كبير من شركات التكنولوجيا، بيد أنه ظل بعيدًا عن الأنظار. وتجلّت أبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال لا الحصر في توصيات شبكة نتفليكس، ونتائج بحث محرك البحث جوجل، وتوصيات أمازون، ونتائج سبوتيفاي والوصول إلى نتائج تطبيق ويز للخرائط وغيرها، فجميع هذه التطبيقات والاستخدامات جرى تمكينها بوساطة أدوات الذكاء الاصطناعي، بل هذا يشمل أيضًا أدوات التخلص من رسائل البريد العشوائية، فهل تذكر كيف كان البريد العشوائي مشكلة كبيرة في وقت معين، ثم اختفت هذه المشكلة على حين غرة؟ في الواقع حدث هذا الأمر لأن الأفراد والشركات نشروا واستخدموا أنظمة تعلم الآلة.

كيف نرى الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ في الحقيقة إنني أرى الذكاء الاصطناعي التوليدي انخفاضًا في تكلفة المعرفة وطبيعة التفكير. فلو وصفنا شبكة الإنترنت بأنها انخفاض تكلفة نقل المعلومات إلى الصفر، فإن حدسي يقول إنّ تكلفة المعرفة وطريقة تفكيرنا والأشخاص الذين نفكر معهم تنخفض كذلك إلى الصفر أو تنخفض انخفاضًا شديدًا. 

ولهذا الأمر طبعًا تداعيات كبيرة، إذ وجب عليّ أن أخصص محورًا رئيسيًا ضمن بحثي لمناقشة ما يلزم فعله حيال هذه المسألة، وقد كنت أجري أبحاثًا كثيرة عن تبني الذكاء الاصطناعي. وفي الواقع بحثت كثيرًا وبذلت جهودًا ضخمة في أبحاث لا يتعدى قراؤها أصابع اليد الواحدة، بيد أنّ مؤسستي ومختبري أمضيا وقتًا طويلًا في اكتشاف انعكاسات ذلك على العاملين في المجال المعرفي، والمديرين ممن يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي التوليدي. 

  • إغناطيوس: دعنا نتطرق إلى هذه المسألة، فلدينا منتجات متوفرة تستخدم هذه التكنولوجيا، وقد طرحت في الأسواق بسرعة كبيرة، فهل من وسيلة لتأمل هذا الأمر على نحو عام؟ ولو وجدت لدينا شركة عامة، فكيف ينبغي للعاملين فيها أن يفكروا في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

لاخاني: ينبغي لنا أن ندرك أننا ما زلنا في مراحل مبكرة جدًا من هذا الموضوع، وهذا المجال. ولو تأملنا قليلًا، لوجدنا أن موزايك كان أول متصفح للويب، ثم تلته متصفحات نتسكيب، وإكسبلورر وموزيلا، ومن بعدها جميع التطبيقات التي اعتلت القمة في مجال متصفحات الويب. لذلك ما زلنا في المراحل الأولى للذكاء الاصطناعي التوليدي، وإننا نشهد في الوقت الراهن زيادة مطردة في معدل ابتكار أدوات هذه التكنولوجيا وتحسينها، فهي في ازدياد متواصل. كذلك يزداد معدل إنتاج التطبيقات بسرعة كبيرة. 

إن مواقع ومجالات استخدام هذه التكنولوجيا هي المواقع التي نعوّل فيها على التفكير. وأين يسعنا استخدامها وتطبيقها كذلك؟

وفي خضم جميع التحذيرات المتعلقة بالانحياز والهلاوس في هذه التكنولوجيا، ماذا لو تريثنا قليلًا وطرحنا أسئلة من قبيل: ما يتعين على القادة فعله؟ ما الذي ينبغي على المديرين والرؤساء التنفيذيين فعله حيال هذه التكنولوجيا؟ لا بد لهم في البداية من تأملها مليًا، ثم تجربتها في ميادين الاختبار للوصول إلى حالات الاستخدام المحتملة لها. فعلى سبيل المثال إننا نشهد حالات استخدام هائلة لهذه التكنولوجيا في إنشاء المحتوى، أي أن عملنا في إنتاج المعرفة يتغير بسرعة مذهلة؛ فأنا، مثلًا، أعتمد على روبوت شات جي بي تي لمساعدتي في الأبحاث والتفكير والتحرير والإتيان بالأفكار. 

ذهبت إلى آسيا في إحدى المرات ورافقتني زوجتي في الرحلة، وأردت أن أمضي بعض الوقت في إجازة قصيرة، ففتحت روبوت شات جي بي تي وكتبت: "هذه معلوماتي ومعلومات زوجتي، وهذه طبيعة الإجازات التي نحبها. فهلا ذكرت لنا بعض الأفكار عن مكان يبعد عن سنغافورة 3 ساعات حتى نذهب إليه، وإنني أحبذ لو كان شاطئًا أو ما شابه"، وما هي إلا لحظة حتى ظهرت لي توصيات كثيرة. وبعد ذلك عثرت على المكان الذي نريد الذهاب إليه بوساطة المحادثة، وتبين أنه موقع بعيد عن الأنظار في بحر الصين الجنوبي قبالة إندونيسيا، وهو إلى ذلك موقع جميل وبديع لم أكن لأكتشفه حتى لو استعنت بوكالة سفريات. ومغزى كلامي أن هذه التكنولوجيا مفيدة في أمور بسيطة كهذه، فتخيل ما ينتظرنا من أمور نستطيع فعلها مستعينين بها. 

 الخطوة الأولى التي يتعين على المديرين التنفيذيين اتباعها هي استخدام هذه التكنولوجيا؛ فالقيود والحظر المفروضان على شات جي بي تي هي خطوات غير صائبة في شركات عديدة؛ فهذا النموذج متاح أصلًا في الهواتف، ويوجد قرابة مائة مليون مستخدم حالي، مما يعني أنّ مكانته راسخة الآن.

إن الخطوة الأولى التي يتعين على المديرين التنفيذيين اتباعها هي استخدام هذه التكنولوجيا؛ فالقيود والحظر المفروضان على شات جي بي تي هي خطوات غير صائبة في شركات عديدة؛ فهذا النموذج متاح أصلًا في الهواتف، ويوجد قرابة مائة مليون مستخدم حالي، مما يعني أنّ مكانته راسخة الآن. لذلك أرى أن المديرين التنفيذيين وإدارات تكنولوجيا المعلومات والقانون واهمون إن لم يكونوا على يقين أن العاملين لديهم يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي فعلًا. 

لذلك ينبغي للشركات أن تتخلى عن احتجاجها ورفضها لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأن تستعيض عن ذلك باعتماد هذه التكنولوجيا وتفعيل البرامج التدريبية وإجراء التحليلات البحثية لحالات استخدامها، وتحديد مدى نفعها لحالات الاستخدام في شركاتهم، وأيضًا تحديد الأوجه والمجالات التي تكون فيها مفيدة جدًا. 

ما أقصده بكلامي الموجه للمديرين والقادة والموظفين والعمال أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محلّ البشر، وإنما الموظفون المزودون بخبرة كثيفة في استخدام هذه التكنولوجيا سيحلون محل نظرائهم ممن لا خبرة لديهم، وهذا الكلام يسري طبعًا على الذكاء الاصطناعي التوليدي. لذلك تتجلى الخطوة الأولى في مباشرة عمليات التجريب، وإنشاء ميادين الاختبار، وبدء البرامج التدريبية الداخلية في الشركات على ألّا تقتصر على الموظفين الاختصاصيين بمجال التكنولوجيا، وإنما تشمل جميع الموظفين. ولا بد من توفير الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، ومعرفة حالات الاستخدام التي يطورونها، ثم اعتماد هذه الخبرات أساسًا لتصنيف أولئك الموظفين وتنظيمهم واستخدامهم. 

  • إغناطيوس: أوافقك الرأي كليًا. فحينما أتعاطى مع هذه التكنولوجيا من وجهة نظرنا نحن الناشرين، أرى بعضنا يصرح علانية بأنه لن يقبل مقالات أو أوراقًا بحثية شارك الذكاء الاصطناعي التوليدي في تأليفها، وهذا الأمر غير منطقي ولا معقول، فكأنه شبيه بتحريم أحدهم استخدام متصفح جوجل، فأولًا وأخيرًا هذه أدوات تكنولوجية لمساعدتنا. ومن هذا المنطلق يتأتى لنا القول إنّ المسؤولية تقع الآن، أكثر من السابق، على عاتق كاتب أو مؤلف المادة؛ فالأمر لا يقتصر فقط على استعمال نتائج بحث جوجل أو الاستعانة بنتائج ومواد ويكبيديا، وإنما يستلزم بذل جهود مضاعفة، أكثر من السابق، للتحقق من صحة تلك المعلومات وتهذيب المواد. 

لاخاني: هذا صحيح، فنحن الباحثين ننشر أوراقًا بحثية يقرأها عدد ضئيل من الناس، ونعاني كذلك من الأزمة عينها؛ فلو استخدمت مساعد بحث للإتيان ببعض الأفكار، فهل عليّ الإقرار بذلك؟ وهل مساعد البحث يعد مؤلفًا مشاركًا في تلك الورقة؟ وماذا لو استخدمت محرر نسخ آليًا؟ وأنا عادة لا أقر باستخدامه في مقالاتي، بيد أنّه مفيد للغاية. ففي حالات كهذه تغدو مسألة الإسناد مثيرة للاهتمام، فأمامنا عدد كبير من الأسئلة المهمة والضرورية كحال الكتاب والمنتجين. 

إن أفضل موقع للتعلم يا آدي هو يوتيوب، ففي هذه المنصة عدد ضخم من البرامج التعليمية في مجالات متنوعة. 

  • إغناطيوس: أظن كثيرًا من الناس يعترضهم عائق معين إن لم يواكبوا الموجة على الفور، فيشعرون أن الأوان فاتهم للتعلم.

لاخاني: لا، هذا تصرف خاطئ طبعاً.

  • إغناطيوس: أرى أن الأمر ما يزال في مراحله الأولى حقًا. فإذا كنت مصيبًا في وصفك هذه التكنولوجيا بأنها تغير جذري، فما يزال الوقت مبكرًا. وإن شعر الشخص بأن الآخرين يسبقونه بأشواط ويسارعون إلى تعلم هذه التكنولوجيا، فما عليه إلا اللحاق بركبهم، سواء أكان ذلك بمتابعة الفيديوهات على يوتيوب أم بالقراءة عن هذه التكنولوجيا أم بمعرفة طريقة استخدامها. والآن دعني أذكر بعض أسئلة الجمهور، فلدينا سؤال من فينا من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تصف الذكاء الاصطناعي بأنه كود برمجي من تطوير أحدهم، أي أنّه ينطوي على بعض التحيزات والافتراضات المدمجة في نظامه، فكيف لهذه الصناعة أن تكفل لنا ألا تحتكر طريقة تفكيرنا وانحيازاتنا والافتراضات التي نتبناها؟ 

لاخاني: إنني عضو في شركة موزيلا، وقد سبق لنا تطوير متصفح فايرفوكس لصالح مؤسسة مفتوحة المصدر هي مؤسسة موزيلا. فإذا توقفت عن استخدام فايرفوكس خلال المدة الماضية، فارجع واستخدمه الآن؛ إذ أنشأنا منذ مدة قريبة شركة mozilla.ai، وأتينا بفكرة لإنشاء نماذج لغة ضخمة مفتوحة المصدر، فضلًا عن إنشاء أدوات تتيح لأشخاص كثيرين حول العالم فرصة الحصول على نماذج لغوية ضخمة تلائم احتياجاتهم. فنحن نرى أننا قادرون على تطوير أدوات تكتشف حالات الانحياز وإصلاحها هي وجميع الأشياء الجنونية الأخرى التي تفعلها تلك النماذج اللغوية الأضخم. وعلى العموم أبذل مساعيَ دؤوبة لإنشاء ودعم المؤسسات التي تعنى بهذه المسألة. 

لعل الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها هي التريث قليلًا والقول إنّ هذا العالم مجبول على الانحياز، فقد كنا نعاني من هذه المسألة قبل ظهور الذكاء الاصطناعي، بيد أنّ هذه التكنولوجيا تضخم هذه المشكلة وتبرزها للعلن. فالعالم متحيز حقًا؛ وهنا أضرب لك مثلًا بالمعاملة السيئة للأمريكيين من أصل أفريقي في نظام الرعاية الصحية والنظام المالي وغيره في الولايات المتحدة الأمريكية. ولو ذهبنا إلى بلد آخر، لرأينا التمييز قائمًا دون الذكاء الاصطناعي، لكن هذه التكنولوجيا تضخمه وتبرزه للعلن.

منتال

إنّ المسوؤلية الأخلاقية المترتبة علينا نحن القادة هي استيعاب أوجه الانحياز في أنظمتنا، وطرح أسئلة من قبيل: "ما حجم تمثيل فئات المجتمع في بياناتنا؟ وما مدى تمثيل الآخرين في عمليات التدريب؟ وما مدى التمثيل في توسيمنا؟ هذه الأسئلة جوهرية ولا غنى عنها ضمن النقاشات على مستوى المسؤولين التنفيذين، فهذا هو الموضع الذي لا تتوقف فيه مهمة العلم، لأنه يجب علينا أن نفهم كيف تُصمم أنظمة تعلم الآلي لأجل المستخدمين، وأن نستوعب طبيعة الانحيازات، وأن نعرف كيف قد ينتهي المطاف بالمستخدم في المحكمة أو السجن إن فاتته متابعة هذه الأمور كلها.

هذا الأمر شديد الأهمية، لكن ينبغي لنا أن ندرك أيضًا مدى حاجتنا إلى التفكير المغاير للواقع (counter factually)، فلا ريب أن عالمنا يعجّ بالانحيازات. والآن دعنا نتخيل عالمًا يشيع فيه الذكاء الاصطناعي، فهل يا ترى سيستمد الذكاء الاصطناعي انحيازات العالم ويضخمها؟ أم يسعنا تصحيحها لأجله؟ وهل يسعنا تمييزها وتحديدها بما يخدم ذلك النظام؟ إنّ هذه الأمور مهمة كلها. 

  • إغناطيوس: أجل، فهذا الأمر يعتمد ربما على المرء، سواء كان متفائلًا بالتكنولوجيا أم متشائمًا منها.

لاخاني: أظنني أنزع إلى الطرف المتفائل. 

  • إغناطيوس: إليك سؤالًا مختلفًا أرسلته جانيل من واشنطن: كنا نتحدث عن أسلوب التعامل مع موجات التكنولوجيا والتغيير والتكيف، وتحدثنا عن الطريقة المناسبة حتى يتعلم فيها الموظفون ويتكيفوا مع هذه التغييرات، لكن كيف عسانا نساعد العميل على التعلم؟

لاخاني: هذا سؤال رائع حقًا. في الواقع أرى العملاء يسعون دومًا للسَبَق، فقد عملت في الماضي لأربعة أعوام في قسم المبيعات والتسويق في شركة جنرال إلكتريك، وكان عملائي يعرفون حقًا ما لدينا وما يعوزنا، وكانوا يدرون كذلك الأمور التي نبرع بها والأمور التي لا نتقنها، فهم إلى ذلك لم يتحدثوا معي عن الأمور التي لا نتقنها ولا نبحث فيها. بيد أنّني لم أفهم دلالة هذه التصرف إلا بعد وقت طويل. 

اكتشفت أننا حينما كنا نستعرض منتجاتنا ونسألهم إن كانوا مهتمين ببعض المنتجات الحديثة، فإنهم يبادرون إلى الرفض لأنهم على دراية تامة بأن جنرال إلكتريك لا تتقن هذه الأمور، فلا داعي للسؤال أو الاستفسار عنها. وعلى العموم أظنكم ستتفاجأون من حقيقة أن عملاء اليوم يعيشون عصر التكنولوجيا باستخدام هواتفنا الذكية وقدراتنا كما ذكرت سابقًا، ولا ريب أنكم ستدهشون من سرعة تكيفهم، وأنهم سبقونا بأشواط في حالات كثيرة مع شركات أخرى.

تردنا إشارات وعلامات خاطئة من فرق المبيعات وفرق التسويق لدينا، ومن مجموعات التنسيق الاختصاصية، لأننا لا ندرس العملاء دراسة ميدانية ولا ندري مجريات الأمور على أرض الواقع. ولو تأملت في متوسط أعمار مستخدمي فيسبوك، لوجدته يبلغ 50 عامًا تقريبًا، مما يعني أن تبني التكنولوجيا الحديثة ليس مشكلة كبيرة في عصرنا الراهن. 

  • إغناطيوس: أفسد أقراني منصة ماي سبيس سابقًا، والآن نوشك على إفساد فيسبوك. 

لاخاني: أجل، أعرف ذلك حقًا، لكننا بلغنا سن النضج في فيسبوك. 

  • إغناطيوس: التالي هو تيك توك. إليك السؤال الأخير الآن: تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي كثيرًا لحدّ صار فيه شبهَ واعٍ، لكن هل تُطور هذه الآلة ذكاءً عاطفيًا؟ وهل نسير على هذا الدرب؟ وهل هذا الموضوع كله محض أوهام؟ أم أننا ماضون نحو تطوير شيء يبدو ذكاء أو ذكاء عاطفيًا في تلك الآلات؟ 

لاخاني: إنني أنادي دائمًا بمعاملة الروبوتات الآلية معاملة لطيفة، لذلك ربما حريّ بالمستخدم أن يعتمد عبارات من قبيل (شكرًا) أو (من فضلك) عند استعمال روبوت شات جي بي تي أو بارد، فأنا أقوم بذلك مبدئيًا، وأطلب من الجميع أن يتعاملوا بلطف مع تلك الروبوتات، لأنه إن أتى اليوم الذي تبدو عليها علامات الإحساس والوعي، فستكون جميع بياناتنا موجودة، وسيكون لدى تلك الأنظمة جميع سجلات محادثاتنا، ونحن طبعًا لا نريدهم أن يغضبوا ويقولوا إنّ فلانًا ممثل سيء لهم.

  • إغناطيوس: نقوم بذلك من باب الحيطة والحذر، أليس كذلك؟

لاخاني: من يدري حقًا؟ في جميع الأحوال فلنحمِ أنفسنا من باب الحيطة والحذر، فلا بدّ أن نكتب دومًا عبارات لطيفة عند استخدام روبوتات المحادثة الآلية، فهذا الأمر الأول أما الثاني فهو إدراك أن الردود الشبيهة بردود البشر ليست إلا وهمًا إحصائيًا في الوقت الراهن. فأنظمة الذكاء الاصطناعي دربها أناسٌ للرد على أناسٍ آخرين، مستخدمين لهذه الغاية جميع نصوصنا وفيديوهاتنا حتى يأتوا بردود تشبه الردود البشرية بنواحٍ كثيرة، بيد أنها في نهاية المطاف وهم إحصائي أو حسابي.

لكن دعني أخبرك أنني تلقيت جرس إنذار بشأن هذه الأمور كلها. فقد شعرت بأن هذه الأشياء، أي عناصر الذكاء الاصطناعي القوي التي تكلم عنها كثيرون، تندرج كلها تحت مسمى الذكاء الاصطناعي الضعيف، فما تزال أمامنا عقود طويلة لبلوغ عناصر الذكاء الاصطناعي القوي. بيد أن النقاشات والمحادثات مع القادة في هارفارد ومعهد كيمبنر (معهد جديد لدراسة الذكاء الطبيعي والاصطناعي) تطرقت إلى التزاوج بين علمي الأحياء والذكاء الاصطناعي والعكس صحيح. وقد سألت اثنين من العلماء المذهلين- قبل ظهور شات جي بي تي- السؤال التالي: ما المدة التي تفصلنا عن عالم الذكاء الاصطناعي القوي؟

أخبرني الاثنان بأن المدة هي عشرون عامًا، ودهشت حينها كثيرًا؛ لكن لو أتى هذا الكلام على لسان أهم الخبراء في العالم، أي الأفراد ممن لديهم علم ومعرفة تفوق معرفتنا، فقد يحدث الأمر بوتيرة أسرع بكثير. وما يثير اهتمامي يا آدي أننا قد لا نعرف حقًا حينما يتشكل الوعي لدى الذكاء الاصطناعي، أليس كذلك؟ فكأننا نفترض أشكالًا شبيهة بوعي البشر عند الذكاء الاصطناعي. لكن لو استفضت في قراءة قصص الخيال العلمي، فربما تكون الحياة الفضائية قائمة على الكربون أو ليست كذلك، أو ربما لديهم نظام استقلابي مغاير، أو أنظمة عصبية مختلفة، فلا ريب أنّ علينا التأهب لهذا الأمر، لكننا ربما لا ندري به أصلًا، وهذه هي المعضلة.

  • إغناطيوس: هذا أمر مذهل، ولا ريب أنّ لنا لقاء آخر معك حتى نتطرق إلى أشياء كثيرة، فلم نناقش مسألة جلسات الكونجرس بشأن الأجسام الطائرة. وفي جميع الأحوال شكرًا لك يا كريم لاخاني على مشاركتك.

لاخاني: من دواعي سروري أن أشاركك النقاش يا آدي، شكراً لك.