05-يناير-2022

تكريم الراحل مارك فيفيان فوي في نهائي كأس القارات 2003 (Getty)

في أواخر العام الماضي، أعلن اللاعب الأرجنتيني (سيرجيو أجويرو) مهاجم نادي برشلونة الإسباني اعتزاله كرة القدم، بعد ثبوت إصابته بمشاكل صحيه في القلب (وهي عدم انتظام ضربات القلب)، كان قد اكتشفها للمرة الأولى تقريبًا فقط في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في مباراة فريقه برشلونة أمام نادي ديبورتيفو ألافيس في الدوري الأسباني.

قبلها بخمسة شهور فقط وتحديدًا في منافسات كأس أمم أوروبا ( يورو2020)، في مباراة منتخب الدنمارك أمام منتخب فنلندا، سقط اللاعب الدنماركي كريستيان إريكسن على أرضية الملعب في مشهد مروع للجميع في الملعب وخلف شاشات التلفاز، وبعد توقف دام حوالي 20 دقيقة من الإسعافات الأولية والصدمات الكهربائية في محاولة لإنعاش قلبه، خرج إريكسن محمولا وسط غموض موقف حالته الصحية.

 حالتي إريكسن، وأجويرو لم ولن تكونا الأخيرتين، بالعكس كان اللاعبان محظوظان للغاية بعدم تطور وضعهما لما هو أكثر من ذلك، ونيلهما فرصة ثانية لا تتسنى لكثير من اللاعبين الآخرين على أرضيات الملاعب المختلفة، وهو ما يجعلنا نلقي الضوء أكثر عن أزمة السكتة القلبية داخل ملاعب كرة القدم وبين اللاعبين.

كارثة أكبر مما تظن

في دراسة نُشرت في مجلة(New England Journal of Medicine)، من بيانات جمعت خلال عقدين من الزمن عن 11،168 لاعبًا شابًا في المملكة المتحدة. قال الأطباء إن هناك واجب لحماية اللاعبين أكثر مما هو مُتخذ الآن، فبينما كانت تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 2 من كل 1000 لاعب معرض للموت بالسكتة القلبية، أشارت الدراسة إلى أن العدد الحقيقي هو 7 من كل 1000.

 

وحسب صحيفة ((sports mail فلا شئ يقتل الرياضين الذين يقل أعمارهم عن 30 عام في المملكة المتحدة أكثر من السكتة القلبية، فيموت 600 رياضي قبل بلوغهم 35 عام بسبب أمراض غير مشخصة في القلب.



 اقرأ/ي أيضًا: أزمة منتصف العمر.. تأثير الإصابات على حياة الرياضيين بعد التقاعد

وتزعم صحيفة (برلينر تسايتونج ) الألمانية وفقًا للديلي ميل أن 24 لاعبًا أو مدربًا أو مسؤولًا قد انهاروا بسبب مشاكل قلبية مشبوهة بين 11 يوليو و 15 أكتوبر، أي واحد كل أربعة أيام، وهناك مخاوف من أن سرعة كرة القدم المتزايدة باستمرار والأجندة الممتلئة دائمًا، قد تعرض اللاعبين الضعفاء لخطر أكبر.



يقول طبيب القلب الدكتور أنيل مالهوترا ، الذي يعمل مع أندية إنجلترا والدوري الإنجليزي،"نشهد المزيد والمزيد من المشكلات التي تظهر في المقدمة ولا يزال يتم الإبلاغ عنها لعامة الناس"، والسؤال الآن إن كان كل ذلك في إنجلترا وألمانيا، أكبر الدول الرياضية في العالم، وأكثرهم تطورًا في الطب الرياضي، ماذا عن الفرق التي تقبع في دول لا تستطيع توفير الرعاية الطبية لعامة الشعب في الأساس؟ ولماذا تتربط أكثر هذه الحوادث حتى في أوروبا بلاعبين أفارقه؟

أفريقيا قارة الموت

شئ غريب وملحوظ أن تكون معظم الحالات التي نتذكرها بشأن هذا الموضوع هم لاعبون أفارقة في الغالب، آخرها مثلاً في عام 2017، عندما توفي اللاعب الإيفاوري (شيخ تيوتي) في تدريبات فريقه نادي بكين أنترابريز الصيني الذي كان يقبع حينها في دوري الدرجة الثانية الصيني، وتم تشخيص سبب الوفاة بعد ذلك، بأن اللاعب كان يعاني من إجهاد مزمن في عضلة القلب.

وإذا سألت أحد المتابعين الجيدين لكرة القدم عن سقوط اللاعبين على أرضية الميدان، سيقص لك بالتأكيد ذلك المشهد المروع الذي سقط فيه اللاعب الكاميروني الراحل (مارك فيفان فوي )، في الدقيقة 73 من نصف نهائي كأس القارات2003 بين الكاميرون وكولومبيا على ملعب ليون. كان فيفان يركض ببطء، لم يكن أحد قريبًا منه ولم يكن هناك شيء خاطئ،  لكنه سقط فجأة على الأرض في دائرة المنتصف.  حاول الطاقم الطبي والدعم إنعاش اللاعب على أرض الملعب قبل حمله على نقالة إلى خارج الملعب، حيث فشلت محاولات إنعاش قلبه، ورحل فيفان وسط صدمة جمهور الكرة في العالم أجمع.

قبلها بعقدين  تقريبًا وتحديدًا عام 1989، كان صامويل أوكواراجي النيجيري أول ضحية ميدانية كبيرة في إفريقيا. حيث انهار أثناء اللعب مع نيجريا في تصفيات كأس العالم ضد أنجولا في لاغوس عام 1989.وأظهر تشريح جثته،  أنه كان يعاني من تضخم في القلب وارتفاع في ضغط الدم.

 

أجرى روبرت ماسترودومينيكو من موقع الإحصاء( Global Sports Statistics) بعض الحسابات لإعطائنا تقديرًا تقريبيًا، قصر نفسه على السنوات العشر الماضية،  وجد أن 64 لاعبا قد لقوا حتفهم خلال تلك الفترة،  لكنه قال إنه لم يكن من السهل معرفة ما هي جميع جنسياتهم. هذا يعني أن هذه القائمة لها بالتأكيد حدودها، ومع ذلك فقد ثابر على تحليل الأرقام ونعتقد أنها لا تزال تظهر شيئًا مثيرًا للاهتمام.

يشير التحليل إلى أن 26 من أصل 64 لاعباً ماتوا في السنوات العشر الماضية هم من دول أفريقية. هذا ما يقرب من 40٪. يقدر الفيفا  أن هناك حوالي 265 مليون شخص يلعبون في فرق معترف بها حول العالم. حوالي 17٪ من هؤلاء يلعبون في إفريقيا. لذلك بينما يشكل الأفارقة 17٪ من لاعبي كرة القدم في العالم،  فإنهم يمثلون ما يقرب من 40٪ من الوفيات المعروفة.

بشكل عام،  كان السبب الأكبر لوفاة لاعبي كرة القدم على أرض الملعب هو الموت القلبي المفاجئ وكان هذا صحيحًا بشكل خاص للاعبين الأفارقة ، حيث توفي 25 من أصل 26 لهذا السبب، لم يقتصر الأمر على ذلك، بل طال حتى اللاعبين الأمريكان ذوي الأصول الأفريقية، حيث قال أستاذ أمراض القلب سانجاي شارما لبي بي سي إن الأدلة من الولايات المتحدة تظهر أن الموت بالسكتة القلبية بين لاعبي كرة السلة السود أكثر شيوعًا بثلاث مرات من اللاعبين البيض.

 

لكنه أضاف أن هذا ليس المكان الوحيد الذي رأى فيه هذا النمط: "هناك بيانات من الرابطة الوطنية لألعاب القوى في الولايات المتحدة، تظهر أن الخطر الإجمالي للموت القلبي المفاجئ أثناء الرياضة يبلغ واحدًا من بين كل 48000 شخص، ولكن عندما يقوم شخص ما بفحص هذا الأمر عن كثب ، فإن الخطر يكون أعلى بكثير لدى الرياضيين السود؛ واحد من كل 18000 في الذكور السود."

 بينما يشكل الأفارقة 17٪ من لاعبي كرة القدم في العالم،  فإنهم يمثلون ما يقرب من 40٪ من الوفيات المعروفة.

قال البروفيسور شارما إن اتحاد كرة القدم في المملكة المتحدة أجرى بحثًا عن اللاعبين الشباب، معدل الوفيات للاعبي كرة القدم البيض في تلك العينة هو واحد من كل 25000،  لكنه واحد من كل 4000 للاعبين السود.

يستنتج شارما في النهاية أن الأدلة التي نظر إليها تشير إلى أن اللاعبين الرياضيين السود هم أكثر عرضة للإصابة بالسكتة القلبية، لأن جدار الجانب الأيسر من القلب يبدو أكثر سمكًا من اللاعبين من الأعراق الأخرى، والذي قد يسبب اضطرابات كهربائية غير طبيعية، يمكن أن تسبب الموت المفاجئ، رغم أن ذلك ليس بالشيء المؤكد، لكنه جانب يحتاج إلى إعادة نظر من الفيفا، علها تنقذ حياة رياضين آخرين.

فقر إلى حد الموت

إن كانت الدراسة الماضية نتائجها كارثية، وتحتاج كما ذكرنا إلى إعادة النظر في حالات اللاعبين السود، لكن الإيجابي أن هناك دراسة ودراية بالمشكلة، وهو ما يعني أن البحث عن الحل قائم ووارد. لكن الكارثي هو أوضاع الفرق الفقيرة التي لا تمتلك رفاهية تشخيص اللاعبين والكشف الدوري عليهم، وهو ما يجعل حجم الكارثة أكبر بكثير.

فقبل أيام رحل أحمد أمين لاعب نادي الرباط والأنوار المصري الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة، إثر إصابته بسكتة قلبية حادة بعد التدريب، كان أمين قد فقد وعيه في غرفة خلع الملابس بعد جلسة تدريبية،  قبل أن يحاول الطاقم الطبي بالنادي إنقاذ اللاعب، ومع ذلك ، لم يتمكنوا من إنقاذه.

 

في تصريحات لأحد المقربين من اللاعب الراحل لأحد المواقع المصرية، ذكر أن اللاعب كان يعاني من إغماءات متكررة، وتم تشخيصه من أحد الأطباء بأنه يعاني بارتجاع في المريء، وهو تشخيص خاطئ أودى بحياة اللاعب، الذي كان يعاني من مشاكل في القلب ولم يكتشفها، لا هو ولا النادي الذي يلعب له.

هذا هو الحال في كل الأندية الفقيرة داخل وخارج أفريقيا، فهذه الأندية بالكاد تستطيع توفير نفقات وأجور اللاعبين والأجهزة الفنية، وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر من قبل الفيفا، وضرورة دعم هذه الأندية.

أحمد لم يكن المصري الأول الذي توافيه المنية إثر إصابته بسكتة قلبية، فالجميع يتذكر رحيل نجم النادي الأهلي ومنتخب مصر محمد عبدالوهاب للسبب نفسه أيضًأ. توفي عبدالوهاب البالغ من العمر 22 عاما خلال جلسة تدريب الأهلي الصباحية يوم 31 أغسطس 2006 م بسبب إصابته بمرض في القلب، محمد كان يلعب لأكبر نادي داخل القارة الأفريقية كلها، ولم يستطيع النادي تشخيص مرضه قبل وفاته،  فما بالك بباقي الأندية الأصغر حجمًا من الأهلي؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

حادثة إيريكسن تفزع أوروبا.. وبلجيكا تستعرض قوّتها أمام روسيا في يورو 2020

حقيقة اعتزال أغويرو.. وحالات مشابهة أدت لتقاعد صاحبها مبكّرًا أو وفاته