01-أبريل-2022
لوحة لـ علي آل تاجر/ العراق

لوحة لـ علي آل تاجر/ العراق

هي المرّة الأولى التي أصدِرُ فيها ديوانًا كاملًا في الحبّ. "كتاب نادو" قصيدة حبّ واحدة موزّعة على مزامير نثر وتلاوات تفعيلة. نشيد معاصر في مغامرة عشقٍ لامرأة يتجلّى حضورها جمالًا وإبداعًا في الشّعر والحياة.

ينصهر داخل هذه القصيدة الرّمز والجسد، الأسطورة والارتعاشة حيث تصير اللّغة يدًا. وتغدو التنهيدة العابرة آلاف الأميال نصًّا. نادو في هذا الدّيوان هي إينانا الأولى. إلهة الجمال والخصب والحبّ في سومر أراها وهي تعبر الماضي في أطياف عاشقة تخلط صلاة القمر السّومرية بترنيمة حبيبها اليوم في طقس صوفيّ إيروتيكيّ معًا.

صدر نادو عام 2021 عن دار أروقة في القاهرة. والكتاب يتجاوز مفهوم الأسطورة التقليديّ ليجعل منه التجلّي الفعلي لمحصّلة الدّلالات والإسقاطات والتّداعيات التي يفترضها لقاء نادر بين امرأة ورجل. في "كتاب نادو" نسمعُ التلاوات والأفكار مقرونة بالموسيقى الشّعريّة الدّفينة الطّالعة من بين صرير الكلمات.

هنا قصائد مختارة من الدّيوان.


1

أمسِ استفاقَ اللّيلُ لم يجدْها في سريرهِ

فتّشَ عنها بين النّجوم وفي السّديم

نثَرَ شراشِفَ اللّيالي الرّطبَةَ

نزلَ أقبيةَ الماضي والنّهايات

انحنى أمام البِحارِ

استغْرَقَ في ذُهولٍ

رأى نفسّهُ

إلهًا مطرودًا.

أمسِ عادتْ نادو إلى نفسِها.

 

2

أنا من يقودُ شُعاعًا لشَمْسٍ شتائيّةٍ

من يديهِ بين رام الله وبغداد

لم أكنْ بحاجةٍ لا إلى التوراة

ولا إلى هيرودوت

لا إلى الأنبياء

ولا إلى أوفيد والشّعراءِ الرّومانسيّين

لأعْرفَها زيتونتي المُعَمّرة

رغم عُقودِها الأربعة

لها توراتُها كما للعذارى دفاترهُنَّ

تُعَلّقُها تعويذةً لِتيهِ شُعوبٍ

أو تُلقيها وصيّةً حجَريّةً

في جنازةِ شهيد.

زيتونةٌ حَبَلَتْ بها القرون

لَقَّحَتْها العواصفُ والهزائمُ والإمبراطوريّات

أمسَكَتْ بها الأرضُ

ونام تحت أغصانِها الأطفالُ القُدماء

 

قافلةٌ جاهليّةٌ

قادمةٌ من فِلسطين

مُحَمّلةٌ بالحرير والمعلّقات والكُروم

أضاعتْ طريقَها في الربعِ الخالي.

 

لن تَعْرى إلّا

في صلصالِ قصائدِها.

الآيةُ التي نَسيَها الملاكُ

في الطّريقِ إلى الغارِ

هيَ.

 

3

حتّى اللهُ

لم يَقْوَ على الإقامةِ طويلًا

في النصِّ.

فَغَرَ فاهَ الرّوحِ شَرْخًا

يَنْدى ويَدْمى

هَبَطَ إلى عذراء

لاذَ بالصّمت

فاختلَسَ الأنبياءُ والعَرّافونَ والشّعراءُ

وَديْعَتَهُ..

قبل أنْ يَرِثَها المُشعوذون

قال: اقرأ

ويَعلَمُ أنَّ كتابَهُ

حَفْرٌ..

 

4

إيهٍ يا نَهْري

امضِ بالطّمي وبالسَّوْراتِ وبالغرقى

امضِ بالنّخلِ وبالقصبِ المُحتَرِقِ النّجوى

امضِ بالخُبْزِ اليابسِ غَمَرَ الضفّةَ والمجرى

امضِ بالشّمعِ العائمِ مَثْوى

امضِ بالعُشْبةِ في نابِ الأفعى

امضِ بتواشيحِ المندائيّينَ أكفانًا أُخرى

امضِ برمادِ الحلّاجِ طواسينَ العشْقِ الحَرّى

امضِ بالتيّار السّيفِ رؤوسًا تتْرى

امضِ تلك مزامير وتلاواتٌ شتّى..

 

5

لستِ أيقونتي

فأنا أكره الموت

حتى لو أراني وجهَ الله..

 

السّماواتُ ليستْ مكانًا

ولا فيزياء

 

التاريخُ مصانعُ ريسيكلاج Recyclage

لتدوير المواد المستعملة

 

الذكاءُ الاصطناعي

يقدّم الدّليل كلّ يوم ليُثبتَ

أنّ الجسد سيُصبحُ

ماضيًا.

 

اللغةُ مفرداتٌ وشروحْ

للبنود المعقدّة والمتناقضة

في معاهدة استسلام الجسد

للموت.

 

الديمومةُ

جنينُ الزمنِ الوحيد

الذي يُولدُ ويموت.

 

المنافي كرومٌ

تنضُجُ تحت شمسٍ

لا تغرب.

 

الجدرانُ

ثابتةٌ على الارض

إلا انها تمشي فينا.

 

أحلامٌ هي

فقط لان الأبعاد الثلاثة للزمن

تتلاشى فيها.

 

القيامةُ

إقرارٌ سماويّ بخطأ فادحٍ

في الخليقة.

 

الحدود

اعترافات منتزعةٌ من التضاريس

تحت التعذيب.

 

الأوطانُ العربية أمهاتٌ عواقر

تبنّتْ في غابر الأزمان

جماعاتٍ بشريّة مشرّدة..

 

بين عصا الراعي والصولجان

فارقٌ رقميّ؛

قطيع يمشي على قدمين

وآخر يدُبُّ على أربع.

 

الاجيالُ شمًاعاتٌ ومشاجب

لتعليق أسمال الآباء

وأسلحتهم المندحرة.

 

الشكُّ أُحفورٌ

نائم فينا منذ التكوين

لن يقول كلمته قط.

 

الأعذارُ

شراشفٌ لا تُغطًي

كامل الجسد.

 

التعاليم.. التعاليم

اعتراف صارخ بعجزنا

عن المحو.

 

عقرب الساعة

سيف الجلاد الأعظم

لكننا لا نرى الرؤوس التي تتهاوى

في دورته.

 

الغجر

البرهانُ الحيّ

لمقايضة الوطن بأغنية.

 

شواطئ الصيف

سبورات لأبجديةِ العري

لمكافحة الأمّيةِ

في النظر

 

التعذيب

لإقناع آخر المتشككين

بأنّ الإنسان أحطً حيوان

 

 

الطينُ

اسطورتنا تحتّ الأقدام

ونحنُ نبحثُ عنها في السماء

 

الشعرُ

عندما نكونُ قاب قوسين

او أدنى من الـ هو

 

أن ترى.. لا ضير

ان تقول؛

هي المعضلة..

 

يطول الغياب

عندما تحشُرُ السماءُ نفسَها

بين جسدين..

 

6

يدُها تكتبُ

يدُها ترى

هم يَجْهَدونَ في المحوِ

 

هل جَرّبتَ

كيف تُمحى الرؤْيةُ..

 

7

الجملُ البلاستيكيّ الموشومُ بالخرزِ الصينيِّ الذي يتأهّبُ لعبورِ الصحْراء من على رصيفٍ في "سيّدنا الحُسين" لا يُعيرُ اهتمامًا للعجلات المعدنيّةِ تَخْطُفُ أمامَهُ بأقدام الكاوتشوك السوداء كاليعاسيب الجبّارةِ ولا حتّى للمآذنِ لا يتوقّفُ نعْيُها لقوافل الراحلينَ، السابلةُ تَتَدافعُ على مدخل الجامعِ، مَشْهدٌ لحفْلةٍ تَنَكُّريّةٍ يُحْييها مُتسَوّلون من سُلالةٍ غريبةٍ يُنشدونَ قُبورًا شبَقِيّةً.. طفولةٌ كهِلةٌ ترْمُقُهُ شزرًا لا تَجْرؤ على مُصافحته. عيناهُ المُسَمّرتانِ في اللااتّجاه ذراعانِ تَتَعلّقانِ بحبْلِ نجاة، رقَبَتُهُ الطويلةُ تُذكرني بالناقةِ البيضاءِ التي كانوا يذبحونها ليلا في أُم دَرْمان، رقبةٌ تبدو أطول وهيَ منفصِلةٌ عن الجسدِ أتذكّرُ آينشتاين، حولها الاطفالُ يرقُصون والكبارُ يُكَبّرون..

 

8

نادو؛ هل رأيت جسدَ بعيرٍ بلا رقبة..

انّهُ يشبهُ خارطة الجزيرة العربيّة

آهٍ يا جملي

أعرفُ أنّكَ وحْدَكَ من يُصْغي لي الآن ولهذا سنمضي

معًا ستَدُلّني على صحْرائي سَتَعْبُرُ بي جبالا وأجيالًا

تَحْدونا التهاليلُ والتلاواتُ والأذكارُ التي تجهَدُ فوق

جُثْمانٍ طولُهُ أربعةُ عشرَ قَرْنًا سَتَجُرّني من عينيَّ

مثل نجْمةِ الراعي في هذا الليلِ اللانهائيّ..

ليلٍ لا تُضيئُهُ الا الديدانُ التي تلْمعُ أجسادُها

عندما تَجوعُ فتهفو فوقها الفراشات

مفتونةً بالضوءِ لتَلْتَهِمَها..

مُخطئ من يظنُّ أنّ الأوطانَ شئٌ آخر غير خيامٍ

تَحْتَشِدُ فيها ديدانٌ بشريّةٌ جائعة.

آهٍ يا جملي

خارطةُ الرحيل تَتَّسعُ

الأقطارُ تَتَصاغَرُ والجهاتُ لا تَكْفي..

اعلمْ يا جملي

لن أكونَ صحْراءَكَ

والرحلةُ القادمةُ هي الوصول

لا تَظُنَّ نَفْسَكَ غيمةً

وأنت تعبُر في بلاد المحْلِ والجفاف

ولا يَخْدَعَنْكَ السّياحُ

الذين ينظرون اليك من حكايا الجدّات

فهم لم يرَوا سواك

يظُنّونَ أنّك صامت وأنتَ تَهذي

تَذَكّرْ أنَّ سنامَكَ هذا

أعلى القمم

هم يَعْرفون ذلك

لا أنت..

 

9

الفعْلُ الإنجيليُّ

قالَ باسمها قبل أنْ يَسْتحيلَ

شَفَةً.

 

نهْرٌ سريْرُهُ الكلام

وَحْمةٌ أعلى الكتِفِ اليُمْنى

والسُرّةُ بُحيرة

 

حبيبي

تقولُها بكُلِّ اللغاتِ

إلا اللغة التي تحْبُلُ فيها؛

 

لا أتَذَكّرُ اسمَ الشاعر الأمويّ

الذي قال أنَّ امرأةً أحبَّ

حَبَلَتْ من نظرهِ إليها.

 

10

 

تكْتُب؛

غيمةٌ على تُراب

تضْحك؛

القُبّعات لا تليقُ بالسلاحف

تنسى؛

بحيْرةٌ في حقيبة يَد

تصمت؛

قطيعُ أناشيد في هاوية

تبكي؛

بأجفانٍ تمسحُ دموع الازهار

تغضبُ؛

لهَبٌ في مجرى

تسأل؛

كيف ترقدُ في سرير جواب

 

تَتَحدّى؛

لَيُّ أعناق الاشجارِ الضالّة

تفرح؛

قاربٌ في نهْر

تأمل؛

عبور الصحراء في يوم ماطر

ترحلُ؛

الأطلسُ منديلٌ بألوان أوطانٍ مُضاعةٍ

تعودُ؛

أحيانًا يعودُ الزمن

أو هكذا يَدّعي المكان

تَعْشَقُ؛ منْ سواكَ.

 

  • تحت عنوان "جهة الصمت الأكثر ضجيجًا"، يطلّ الشاعر شوقي عبد الأمير على قرّاء ألترا صوت أسبوعيًا في حديث أو مقالة في محبة الشعر وأهله.