07-مارس-2021

كتاب "القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

في عام 1967، غادر عبد الله عزام فلسطين، بعد احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية منتصف العام نفسه، متجهًا نحو الأردن، حيث قاتل في صفوف الفدائيين الفلسطينيين على الحدود الأردنية – الإسرائيلية، ومنها باتجاه مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية، في رحلةٍ طويلةٍ انتهت به في أفغانستان، مُشرفًا على عملية تجنيد واستقبال المقاتلين العرب، وتوزيعهم على جبهات القتال حتى وفاته أواخر عام 1989، في ظروفٍ غامضة وسط مدينة بيشاور الباكستانية.

تكمن مساهمة عبد الله عزام الفعلية في المشهد الجهادي في تقليله من أهمية السلطة الدينية في المجتمعات المسلمة، عبر شرعنته التمرد عليها

هذا المسار الطويل والمتشعب للرجل الذي سيكون المنظر الجهادي الأكثر تأثيرًا في العالم، هو موضوع كتاب "القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي"، للباحث الأول في مؤسسة الدفاع النرويجية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة أوسلو، توماس هيغهامر، الصادر حديثًا عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، ترجمة عبيدة عامر. وفيه، يضيء الباحث النرويجي على مسارات "تدويل" الحركة الجهادية، عبر تتبع سيرة عبد الله عزام، ورصد دوره في بلورة الجهاد العابر للحدود.

اقرأ/ي أيضًا: "الجهاد في الغرب".. مُحاولة لفهم السلفيّة المُقاتلة في صورتها الأوروبيّة

الكتاب الصادر للمرة الأولى مطلع العام الفائت، جاء موزعًا على أكثر من 800 صفحة، هي حصيلة 8 سنواتٍ من البحث والعمل، والسعي خلف الإجابة على أسئلةٍ تُعتبر مدخلًا لا لفهم فكر عبد الله عزام فقط، وإنما للإحاطة ببدايات تأسيس الحركة الجهادية ومسارات تدويلها أيضًا، وهي: من أين أتى عزام؟ ولماذا انتهى به المطاف في أفغانستان بعد رحلةٍ طويلةٍ تنقّل فيها بين عددٍ من الدول العربية؟ كيف تمكن من حشد وتجنيد المقاتلين العرب؟ وما الذي آمن به؟ ولماذا كان له كل هذا التأثير؟ وأخيرًا، لماذا ظهرت هذه الحركة في ثمانينيات القرن الفائت تحديدًا؟

يقف توماس هيغهامر في كتابه عند محطاتٍ مفصليةٍ في حياة عزام، ويولي هزيمة حزيران/ يونيو 1967 اهتمامًا كبيرًا، باعتبارها الحادثة التي دفعته لا لمغادرة فلسطين فقط، وإنما لسلوكِ مسارٍ انتهى به أبًا روحيًا للمقاتلين العرب في أفغانستان، ومنظرًا جهاديًا ساهم، بقصدٍ أو بدونه، في ظهور مجتمعٍ أفرزَ عددًا من التنظيمات الجهادية التي أعادت رسم ملامح منطقة الشرق الأوسط، خلال العقود الأربعة الأخيرة.

وعلى هامش تتبعه لحياة عزام ومساراتها المتشعبة، يحاول الباحث النرويجي قراءة تحولات المنطقة، منذ هزيمة حزيران/ يونيو 1967، مرورًا بالنشاط الفدائي الفلسطيني الذي تلاها، وأحداث أيلول الأسود عام 1970، وصولًا إلى الصراع بين النظام السوري والإخوان المسلمون، مستفيدًا من انخراط عزام في قلب هذه الصراعات أحيانًا، وقربه منها أو من بعض شخصياتها في أحيانٍ أخرى.

ويُقدِّم صاحب "الجهاد في السعودية: قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" سردًا لتفاصيل وأحداث مختلفة، من شأنها الإضاءة على بدايات تأسيس الحركة الجهادية، بنسختها العالمية العابرة للحدود، والتي يُعيد سبب ظهورها بالدرجة الأولى، ودون اغفال الأسباب الأخرى، إلى السياسات المحلية في دول منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الدول العربية، حيث يرى أن السياسات الأمريكية لعبت دورًا أقل من المتوقع في تدويل الجهاد وعولمته، مقارنةً بالدور الذي لعبته سياسات الأنظمة العربية القمعية.

ويشير الباحث النرويجي في كتابه إلى أن عداء عبد الله عزام للولايات المتحدة الأمريكية، سابقٌ للأحداث التي ارتبطت بها، أو كانت مسؤولة عنها بشكلٍ مباشر، معتبرًا أن هذا العداء، في جزءٍ كبير منه، إنما هو نتيجة سياسات الأنظمة المحلية، وفقًا لما ذكره في أحد حواراته حول الكتاب نفسه، إذ أكد على أهمية البحث العميق في هذه السياسات وتحليلها لمعرفة الكيفية التي جرى عبرها تدويل الجهاد.

ويلفت هيغهامر في خلاصة كتابه، إلى أن مساهمة عبد الله عزام الفعلية في المشهد الجهادي، لا تكمن في أن أفكاره مهدت لظهور تنظيماتٍ مثل القاعدة وغيرها، إذ كان معروفًا بمعارضته لبعض سياساتها، مثل شن هجماتٍ ضد المدنيين في أفغانستان، ونقل عملياتها العسكرية خارج حدودها، بالإضافة إلى عدم إيمانه بأي أفكارٍ تُشرعن وبشكلٍ مباشر، نشاطاتها الدولية.

يضيء توماس هيغهامر على مسارات "تدويل" الحركة الجهادية، عبر تتبع سيرة عبد الله عزام، ورصد دوره في بلورة هذه الحركة العابرة للحدود

ويرى أن مساهمة عبد الله عزام الفعلية، والأكثر تأثيرًا، تكمن في تقليله من أهمية السلطة الدينية في المجتمعات المسلمة، عبر شرعنته التمرد عليها حينما اعتبر أن الجهاد في فلسطين وأفغانستان فرضُ عين على كل مسلم، بغض النظر عن موقف "الوالدين" من الأمر، أو "الأئمة" باعتبارهم السلطة الدينية المحلية، الأمر فتح بابًا بدا من الصعب إغلاقه، وأفرزَ عددًا كبيرًا من التنظيمات الجهادية التي تقودها شخصيات نشأت في بيئة القاعدة وبين صفوفها، ولكنها استفادت من شرعنة عزام للتمرد على الأئمة والعلماء والمنظّرين ، وذهبت نحو بناء تنظيماتٍ خاصة بها.

اقرأ/ي أيضًا: غزوة مانهاتن.. الجهاد في زمن العولمة

هذه المساهمة، وبحسب هيغهامر، هي الرابط الفعلي الذي يجمع بين عزام والتطرف الذي ظهر لاحقًا، لا سيما تطرف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، والذي لم يكن عزام ليؤيده بحسب الباحث النرويجي، الذي رأى أن العلاقة بين الطرفين، وبشكلٍ عام، تكمن في شرعنة عزام للتمرد على السلطة الدينية، بشكلٍ نتج عنه ظهور فئاتٍ متمردة على قيادة الحركة الجهادية الأم، وهي الفئات التي ستشكل فيما بعد، وانطلاقًا من رؤية عزام للسلطة، تنظيماتٍ بلغت من العنف والتطرف حدًا غير مسبوق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب "مسألة الحرب العادلة في الإسلام".. من الجهاد إلى الحرب المقدسة

خليل العناني.. داخل الإخوان المسلمين