08-يناير-2022

(Getty Images)

ألتراصوت- فريق التحرير

تسبب إعلان الحكومة في كازاخستان رفع أسعار الوقود بموجة من المظاهرات والاحتجاجات الساخطة في عدد من المدن الرئيسية في كازاخستان، واجهتها السلطات بقمع عنيف قاتل، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، إضافة إلى سقوط ضحايا بين قوات الأمن في مواجهات مع المتظاهرين الغاضبين.

تعدّ هذه المظاهرات في حجمها ونطاقها داخل كازاخستان، مصدر تهديد غير مسبوق لقيادة كازاخستان المستبدة منذ عقود في هذه الدولة في آسيا الوسطى، والحليفة لروسيا

وتعدّ هذه المظاهرات في حجمها ونطاقها داخل كازاخستان، مصدر تهديد غير مسبوق لنظام الحكم فيها، والمسيطر منذ عقود على مفاصل هذه الدولة الحليفة لروسيا في آسيا الوسطى، وهو ما دفع الأخيرة إلى إرسال تعزيزات عسكرية للمساعدة في قمع المظاهرات والسيطرة على المطار والشوارع، بعد إعلان فرض حالة الطوارئ العامّة في البلاد، إضافة إلى قطع خدمات الإنترنت والاتصالات عن معظم أرجاء البلاد، بأمر من الرئيس الكازخستاني، قاسم جومارت توكاييف.

ما السبب الحقيقي للمظاهرات؟

كان قرار الحكومة رفع أسعار بعض السلع للعام 2022 هي شرارة أطلقت المظاهرات الواسعة في كازاخستان، ولاسيما القرار المتعلق برفع أسعار المحروقات، والتي كان من المقرر أن ترتفع بحوالي ثلاثة أضعاف سعرها السابق، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على المواطنين. إلا أن اندلاع مظاهر الاحتجاج على هذا النحو يشي باحتقان كبير في الشارع، بعد فترة طويلة من التضخم المتزايد، وتراجع معدلات الدخل، في دولة تعدّ غنية بمواردها من النفط والمعادن، وذلك بالنظر إلى طبيعة النظام الاستبدادي القائم، وحالة الفساد المتجذرة في البلاد.

التظاهرات بدت عفوية، خاصة أنها لم تفرز حتى الآن أي متحدث باسمها ولا قادة لها في الداخل ولا في الخارج، كما لم يعبر أحد من المعارضة عن تبني الاحتجاجات ولا تقديم قائمة بالمطالب للتفاوض حولها لتهدئة الشارع. وقد انصب جزء كبير من غضب الشارع وهتافاته على قيادة البلاد العليا، متمثلة في رئيسها الحالي توكاييف، والرئيس السابق نازارباييف (81 عامًا)، والذي حكم البلاد بقبضة من حديد على مدى ثلاثة عقود، وما يزال على نحو ما قائدًا فعليًا للبلاد، على اعتبار أنّه "الزعيم الخالد". كما توجّه المتظاهرون بالاحتجاج ضد عائلة نازارباييف، والتي لها نفوذ واسع في كازاخستان وتتحكم بأهم القطاعات والأعمال، في هذه الدولة الواسعة التي تعادل مساحتها مساحة أوروبا الغربية، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 19 مليون نسمة.

توكاييف يقيل الحكومة ويتوعّد "المخربين"

عمد توكاييف بداية إلى إقالة الحكومة، وأعلن عن قرار بخفض أسعار الوقود، كوسيلة لتهدئة غضب المتظاهرين، والذي توجّه لهم بخطاب متلفز قائلًا إنه سينظر في جميع المطالب "المتوافقة مع القانون". ومن المعروف أن توكاييف بات يترأس حاليًا مجلس الأمن القومي، بعد أن أعلن عن إقالة نازارباييف مؤخرًا، إلى جانب قادة آخرين في مجلس أمن الدولة. ومع اشتداد موجة التظاهرات في البلاد، لجأ توكاييف إلى اتهام "أطراف خارجية"، وهو ما دفعه إلى طلب النجدة من منظمة معاهدة الأمن المشترك، التي تتزعمها روسيا، وذلك من أجل إرسال قوات عسكرية إلى كازاخستان، للمساعدة في قمع المظاهرات، وذلك عبر عملية وصفها توكاييف بأنها "عملية ضد الإرهاب". وسرعان ما أعلنت روسيا أنها بادرت للمساعدة في إرسال قوات "لحفظ السلام" في الدولة السوفيتية السابقة.

ما أهمية كازاخستان اقتصاديًا؟

تعدّ كازاخستان أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وهو مسؤولة عن إنتاج أكثر من 40% من هذا العنصر المشع، والذي ارتفعت أسعاره على وقع الاحتجاجات في كازاخستان. وفي حال استمرت الفوضى في البلاد، فإن ذلك قد يدفع إلى التحوّل والتفكير ببدائل عن كازاخستان، وهو ما انعكس بالفعل على أسعار أسهم شركات اليورانيوم في الولايات المتحدة وأستراليا. وحتى الآن، لا يظهر أن الأحداث قد أثرت على عمليات استخراج اليورانيوم وتصديره، وقد أعلنت شركة "كازاتومبروم"، وهي الشركة الوطنية لليورانيوم في كازاخستان، أنّها واثقة من تلبية جميع مواعيد الطلبيات، وذلك حسب بيان صدر عن الشركة في السادس من كانون الثاني/يناير. كما تنتج كازاخستان 2% من النفط الخام في العالم، وسيكون لأي تعطّل في هذا القطاع أثر ملموس عالميًا في حال تواصل لفترة طويلة.

ما أهمية كازاخستان سياسيا؟

تتمتع كازاخستان بموقع استراتيجي بين عملاقين عالميين، هما روسيا، التي كانت تتبع لها رسميًا في عهد الاتحاد السوفيتي سابقًا، وبين الصين، وكلا الدولتين تسعيان إلى توسيع نفوذهما وسيطرتهما على موارد الطاقة والمعادن في آسيا الوسطى. ولطالما عرفت كازاخستان خلال العقود الماضية بأنها "واحة استقرار"، جاذبة للاستثمارات الخارجية. وفي حال توسع الفوضى في البلاد، فإن ذلك لن يكون بلا آثار ارتدادية في المنطقة بأسرها، حيث تخشى الأنظمة من تنامي حالة التوتّر الداخلي بسبب الظروف الاقتصادية المتردية وتنامي حالة السخط الشعبي بسبب السياسات الحكومية القمعية، إضافة إلى التخوّف من الخطر القادم من أفغانستان، بعد سيطرة طالبان وخروج القوات الأمريكية. ويأتي التدخل الروسي ليكون حاسمًا في السيطرة على الوضع الراهن وتثبيته، مثلما تفعل موسكو حاليًا في دعم الزعيم البيلاروسي أليكساندر لوكاشينكو.

وفي حال نجحت روسيا في إعادة الاستقرار إلى كازاخستان، وترسيخ حكم توكاييف، فإنها قد تعزّز من نفوذها وصورتها كشرطي للمنطقة يضمن أمنها واستقرار أنظمتها، كما سيؤكد على أهميتها للأنظمة التابعة سابقًا للكتلة السوفيتية كحليف موثوق ومستعد للتدخّل الفوري لصالحها، بحسب ما تتيحه معاهدة الأمن الجماعي التي تهيمن عليها روسيا. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قوات روسية إلى كازاخستان بطلب من رئيسها والولايات المتحدة تدعو للتهدئة.

خريطة الاحتجاجات حول العالم.. انتفاضات شعبية واسعة في 6 دول