14-ديسمبر-2018

يمكن تبيان أدوات الكاريزما ودورها الحشدي في حسن نصرالله (الجرس)

يلعب الزعماء في لبنان لعبة القط والفأر. وسواء كان الزعيم قطًا أم فأرًا، ظالمًا أم مظلومًا، فإنه سيحقق مكاسب ما باعتبار أن ما يفعله هو عين العقل ولمصلحة طائفته وجمهوره!

تعتبر الكاريزما مهمة لأعضاء العديد من الجماعات السياسية، لأن الحملات السياسية تدور بدرجة كبيرة في وسائل الإعلام المرئي والمسموع

وتعتبر الكاريزما مهمة لأعضاء العديد من الجماعات السياسية، لأن الحملات السياسية تدور بدرجة كبيرة على ساحات التلفزيون ووسائل التواصل المرئي والمسموع والمكتوب. لذا يعتمد المرشحون السياسيون على خبراء الصورة المحترفين أو أطباء التلفيق والترويج، فهم يوجهون المرشحين إلى الطرق المناسبة الخاصة بارتداء الملابس والحديث والسلوك وغيرها من إتيكيت التصرف والخطاب، من أجل خلق أفضل انطباع ممكن لدى الجمهور.

اقرأ/ي أيضًا: 7 نصائح مهمة لامتلاك الكاريزما والتأثير بالآخرين

إن الجوانب البصرية الخاصة بأداء القادة، كالطول والإيماءات والملابس وعمق الصوت وتعبيرات الوجه والثقة بالنفس والجمال والشهرة والثروة والجاذبية، وغير ذلك من الخصائص، تعتبر أكثر أهمية، ومسؤولة عن النجاح في استثارة الجماهير. ويمكن أن يتم تحصيل الكاريزما من المكانة الاجتماعية التي تحيطهم بهالة ونفوذ بفعل إنجازاتهم، كما هو الحال بالنسبة للأسر الملكية أو القادة السياسيين بالوراثة، أو الممثلين، وغيرهم. في عام 1992، تنافس جورج بوش مع بيل كلينتون وخسر أمامه، ذلك أن الأخير تفوق عليه في العديد من النواحي البصرية والصوتية.

جبران باسيل وكاريزما الكره!

كان وصف الوزير جبران باسيل لنبيه بري بالبلطجي مقصودًا عشية الانتخابات. كان بري هو الخصم المسلم الأوفر حظًا لشد عصب الجماهير المسيحية حوله. فمدى كره الخصم السياسي يعطي طاقة وقوة محفزة للناخبين والمؤيدين والمناصرين عند الطرف الآخر.

وظهر باسيل وكأنه المخلص القوي والشجاع الذي قال ما لم يكن بمقدور أحد أن يفصح عنه، والشارع المسيحي شعر أن المعركة معركته ويجب الوقوف خلف باسيل في وجه الشر المتمثل في بري، أو أي زعيم لطائفة أخرى.

وسرعان ما ردت جماهير حركة أمل الغاضبة بمسيرة من الدراجات النارية في منطقة الحدت، وهي منطقة مسيحية. هكذا انتقل الصراع بين الزعيمين في الإعلام إلى الجمهور الغاضب على الأرض، واستفاد كليهما من شد العصب الطائفي ليحولا الأنظار عن العديد من الملفات التي لم ينجحا في تأمينها للمواطنين، ورفع نسبة التصويت باعتبار أن المعركة معركة وجود.

وبقدر ما يلقى رئيس التيار الوطني الحر في لبنان جبران باسيل، معارضة وكره من خصومه، على قدر ما يؤمن له هذا الكره أو العدائية ضده وضد خطاباته، أرجحية لدى جمهوره. إذن، تتأسس شخصية باسيل كزعيم كاريزماتي لدى تياره على قاعدة نفور الآخرين منه.

كيف تصبح قائدًا فجأة؟

خرجت أعداد من الشيعة إلى الطرقات لرؤية وجه عماد مغنية مرسومًا على سطح القمر. وكان مغنية قد اغتيل في سوريا. وكان يشغل منصب القائد العسكري في حزب الله. وكان شخصية سرية لا تظهر في العلن، وغير معروفة في الوسط الشعبي الشيعي. وهكذا تناولت الوسائل الإعلامية الخبر، وبدأت الأخبار العاجلة والرسائل بالوصول إلى الهواتف، وسرت الشائعات حول ظهور وجه عماد مغنية على سطح القمر.

وكما هو معلوم فإن التركيز العميق والتخييل والتواتر الشعبي الجماهيري لحدث ما، يؤدي إلى إعطاء مصداقية لهذا الحدث، وبالتالي فمن ينظر إلى القمر سيتراءى له وجه مغنية مطبوعًا على صفحة القمر البيضاء، وإن لم يكن كذلك!

لم يكن مغنية معروفًا قبل مقتله، لكن سرعان ما أخذ حيزًا لا يستهان به داخل الوجدان الشيعي بين ليلة وضحاها، وكذلك حدث بعد مقتل مصطفى بدر الدين، الرجل الثاني في حزب الله عسكريًا، حيث بدأ الحديث حول هذان القياديان في حزب الله، ونسجت حولهما هالة تقديسية وعصبية بفعل إنجازاتهما العسكرية، وأصبحا رمزين من رموز الشيعة.

تتخذ الأسطورة منحى دراماتيكي خطير حين تتعلق بالسياسة والدين والحرب، إذ يسمح ذلك للجماهير أن تقاد دون وعي لخدمة أهداف سياسية وعسكرية

والتساؤلات التي تطرح نفسها عديدة، مثل: كيف احتلا بهذه السرعة هذه المكانة؟ وكيف يمكن للجمهور أن يعشق أشخاص بلمح البصر لم يكن يعلم بوجودهم قبل مقتلهم؟ وكيف تم خلق العاطفة لدى الجمهور الشيعي نحو هذين القياديين بلمح البصر؟

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يصبح الناس أغبياء عندما يتناقشون في السياسة؟

ويمكن تبيان معنى الكاريزما لدى قادة حزب الله بعد الخروج المفاجئ للسيد حسن نصرالله وسيره بين الحشود بعد حرب تموز/يوليو 2006، وبكاء البعض لدى رؤيته، ومنهم من حال لمسه، وإحدى السيدات تمنت الحصول على عباءته فكان لها ما أرادت، وأُرسلت لها عباءة السيد نصرالله.

يمكن الإشارة أيضًا، إلى تقليد شخصية نصرالله في برنامج "بس مات وطن" للمخرج شربل خليل، ما أثار هستيريا جماعية لدى مؤيديه، وخرجوا إلى الشوارع منددين غاضبين. فالكاريزما تعني السحر أو الفتنة، ويمكن أن تصل لدرجة تجعل الجمهور يصرخ في نشوة أو يصاب بالإغماء في حالة من الرهبة.

في ذات السياق، عرض وثائقي لقناة الميادين بعنوان لافت: "عماد مغنية استشهد ولم يمت". وهي نظرة غالبة عند جمهور حزب الله، حيث يعتبرون قادتهم أحياء مدى الزمان. وعندما يتم تجميع عدد كبير من الجماهير من أجل هدف مشترك أو رمز ما، يتولد مناخ شبه ديني بينهم؛ فالانفعالات الإنسانية تنتقل على نحو سريع من فرد لأخر، ودون كلمة منطوقة واحدة.

هؤلاء الأشخاص يصبحون رمزًا لطائفة خاصة من المعجبين في حياتهم أو بعد موتهم، حيث تباع التذكارات الخاصة بهم والآثار المتبقية عنهم، ويتم الاحتفال بذكرى موتهم أو ذكرى ميلادهم كل عام، وتبذل محاولات كثيرة لتجسيدهم من خلال التقليد والمحاكاة لهم، أو من خلال أشكال خيالية أخرى كما هي الحال في الحكايات الأسطورية والخرافات. لا تشكل الأسطرة تهديدًا للمجتمع اذا كانت تتعلق بفنان ما كما هي الحال مع ألفيس بريسلي أو فيروز.

ولكن تتخذ الأسطورة منحى دراماتيكي خطير حين تتعلق بالسياسة والدين والحرب والعنف، إذ يسمح ذلك لجماهير عريضة أن تقاد دون وعي منها لخدمة أهداف سياسية وعسكرية، وهو ما يطلق عليه "الهيستيريا الجماعية" أو حالات الانتشاء الجماعي.

الكاريزما تصنعها القسوة؟

كتب الجنرال ريتز في مذكراته: "لقد كان ولا يزال التوفيق بين الاستقامة الخلقية والعظمة أمرًا مستحيلًا، وهذه الحكم الرخيصة التي توصي بالتعقل والروية، يجب أن تتلى في مدرسة الشعوب، لا أن توجه إلى الأمراء العظام. وإن جناية اغتصاب عرش ما، لشيءٌ عظيم إلى حد يحملني على اعتباره فضيلة، لأن لكل وضع من أوضاع البشر ما يسمو به، فعلينا أن نحترم الضعفاء لرويتهم واعتدالهم، وأن نعجب بالعظام لطموحهم وشدة بأسهم".

على رغم أننا قد نجد أن بعض الأشخاص الكاريزماتيين هم من المحبوبين، فإن ذلك لا يعني توافر الفضيلة لديهم. فالأشخاص الذين يتسمون بالفظاظة والخشونة يُعترف بهم كأشخاص ذوي قوة حضور وفتنة وسحر أيضًا. فالكاريزما يمكن أن تعرف كذلك بكونها "القوة الخاصة بمقاومة الحاجة لأن يكون المرء محبوبًا".

ويوصل هؤلاء الأشخاص الإحساس بالقوة الاجتماعية من خلال ظهورهم بشكل غير مكترث، وانطباع هذه الصفة لدى جمهورهم. كذلك فإن الأفراد الفاسدين أخلاقيًا وعلى نحو ما، سياسيين أو غيرهم؛ يمارسون تأثيرًا ساحرًا وكبيرًا في الناس.

عندها لن يكون غريبًا أن نجد بعض القادة المتوحشين القمعيين أمثال أدولف هتلر وصدام حسين وحافظ الأسد، يتمكنون من اجتذاب الأتباع، فالنذالة والخسة والقسوة، وتحجر القلوب؛ كلها صفات تحفز شحنات انفعالية مثيرة لدى الجمهور.

أن تكون شخصًا ذو كاريزما لا يعني توفر الفضيلة لديك بالضرورة، فقد تحظى بالفظاظة والخشونة، على سحر الحضور وفتنة الجماهير

هذه الشخصيات تحظى بقدر كبير من المعجبين أو "Fans"، وهي كلمة مشتقة من "Fanaticus" ومعناها "شخص يستحث أو يدفع إلى حالة من الهياج الشديدة من خلال التفاني أو الإخلاص الشديد للآلهة". ومن هذه الكلمة جاءت أيضًا كلمة "Fanatie" التي تعني شخصًا متعصبًا لمبدأ أو فكرة على نحو ضيق وجامد. لذلك يصبح هؤلاء القادة كالكهنة السحريين في المجتمعات، وخاصة وبنسبة كبيرة في المجتمعات الرجعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نصر الله حين يطبق قبضته على تلفزيون لبنان

"الحالة الباسيلية".. باقية وتتمدد