27-يناير-2020

كاتب ياسين (1929 - 1989)

قسنطينة آذار/ مارس 1949، أتخيله قاعدًا على دكة يرتعش بردًا، ينفث ما تبقى من دخان سيجارته. ربما سعل، ربما اعترضت مرارة ما في حلقه سيل أفكاره، دافعة قلمه لخطّ قصيدة. مرارة الدم أقصد، الدم العراقي الذي ينعيه الكاتب الجزائري كاتب ياسين في قصيدته "لقد تجرؤوا على مسّ شعب العراق".

 كان الصراع بالنسبة لكاتب ياسين واضحًا، وكما عبر عنه في كل كتاباته: بين مضطهِد ومضطهَد

وقد صادفتني هذه القصيدة النادرة (المنشورة في جريدة Libération الجزائرية، عدد نيسان/ أبريل 1949) دون أن أبحث عنها، وكأن القدر يعبث مجددًا بأوراقه، في اللحظة التي تعيد فيها نفس الظروف التي كتب من أجلها ياسين قصيدته قبل سبعين سنة نفسها. فلقد تجرّؤوا مجددًا على مس شعب العراق، وإن كانت ظروف كتابة النص الأول إعدامُ المناضلين اليساريين يوسف سلمان فهد وحسين محمد الشبيبي، فالآن قناصة الميليشيات الطائفية يعتلون البنايات وسط بغداد يصادرون النفس من كل من وقع تحت عدسات مناظيرهم.

اقرأ/ي أيضًا: قسنطينة.. مدينة بألف وجه

من ناحية أخرى، لطالما مثل اسم كاتب ياسين، وبالأخص عند القراء المغاربيين، ذلك الارتباطَ بالقضية الأمازيغية ثقافيًا. مما يمكن لمخيالٍ في كامل كسله أو سذاجته الهجوم على الكاتب من هذا المنطلق، أو اختصاره في ثنائية إثنية كان ياسين أكبر من هكذا صراعات طفولية. هذا ما يدفع عبر هذه القصيدة، كمثال، للغوص في سيرة الرجل الذي مثل بامتياز صوت كل مظلوم في هذه الأرض.

حيث يبرز، ومن بني أرضه الجزائر الذين  كانوا يرزحون تلك الحقبة تحت ويلات الاستعمار، إلى أشقائهم في المعاناة في الطرف الآخر من أرض الهند الصينية (الفييتنام)، إلى العراق مرورًا بالسودان، وصولًا إلى فلسطين حيث عاش بين مخيمات اللاجئين وأهدى لها قطعته المسرحية "مجزرة الرجاء أو فلسطين المخدوعة". كان الصراع بالنسبة له واضحًا، وكما عبر عنه في كل كتاباته: بين مضطهِد ومضطهَد.

اليوم، يسكنني شبح ياسين ويرغمني على استطعام لذة الهزيمة: أن أقف متمتمًا بنفس كلماته، دون القدرة على خط أفضل منها كهدية للعراق. حيث أشاطر الدم مع رفاق يواجهون الموت بذراعين مفتوحتين، وجلادين لازالوا على دين مواليهم: يستأجرون من جبنٍ من يتجرأ على مس شعب العراق.


لقد تجرؤوا على مسّ شعب العراق

 

انهضوا، أيها الشعب المغتال!

شاهدو قصور الصعاليك

رمادًا، تحت دموع الأبرياء!

أيها الشعب الفار من الموت

وحدكم تعرفون ثمن البكاء

وحدكم القادرون على كسر الأغلال

الجبال والبحار

السماوات والأغوار تتعفن تحت جثثنا

ويبقى شعبنا حيًا يرزق

لا الزمن ولا الموت

ولا دموع النسوة والأطفال

تجعلنا نشكك في دمائنا

يوسف سلمان فهد

حسين محمد الشبيبي

أنتم دمائنا

أكثر حياة من قتلتكم

وبكم نعلم القتلة

كيف يكون ثمن الخيانة

كيف يكون سعر الهلاك

لا، لسنا الأوجب بالبكاء

بل أنت نوري سعيد باشا

بل كل خونة العالم وجب عليهم البكاء.

 

  • قامت الكاتبة الجزائرية أمل بوشارب بمراجعة ترجمة القصيدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اختلاق الصحراء في رواية "الأميرة المورسكية" لمحمد ديب