20-أبريل-2018

يمارس ماكرون نفس سياسات اليمين تجاه اللاجئين (Getty)

هذه المقال مترجم عن صحيفة "الغارديان البريطانية"، يتطرق فيه الكاتب أووين جونس إلى ما يسميه الوسطية المزيفة عند الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مستشهدًا بمواقفه اليمينية تجاه اللاجئين والضرائب والتفاوتات الاقتصادية.


ما يزال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يتلقى المزيد من الترحيب على أنه منقذ الوسط، وحصن ضد المتطرفين، على الرغم من أنه يخفض الضرائب على الأثرياء، ويهاجم حقوق العمال ويُظهر اللاجئين على أنهم شياطين.

غرد ماكرون على موقع تويتر مُتبعًا نهج دونالد ترامب، واصفًا العمال المُحتجين على فقد وظائفهم بأنهم "مُتكاسلون" و"لا يفعلون شيئًا"

جن جنون العالم، وزادت أعداد المُتعصبين من اليسار واليمين، وقد تم تهميش أصوات العقل. هذا هو رأي "المعتدلين" أو "الوسطيين" في العالم والمعلقين على الأحداث السياسية. إذ لم يكن هناك اهتمامٌ كافٍ بالكيفية التي أطلق بها النموذج الاقتصادي المحطم الذين دافعوا عنه، العنان للكثير من الغضب والإحباط.

وبدلًا من مناقشة الأفكار والسياسات، فإنهم يتطلعون منذ فترة طويلة للعثور على أشخاص يتمتعون بشخصيات جذابة ومؤثرة من شأنهم أن يكونوا بمثابة مُخلصين. يعتبر ديفيد ميلباند الأمير الأبدي الذي يستطيع أن يمشي على الماء. إلا أن إيمانويل ماكرون ما زال يُمثل رمزهم الدولي لفرنسا، الذي يُقدم درسًا مفيدًا فيما تعنيه السياسة "الوسطية" في الممارسة العملية.

يتمتع ماكرون بشعبية على الصعيد الدولي أكثر من فرنسا، فقد زاد الاستياء من رئاسته إلى 58% بعد أقل من عام على انتخابه. إذ إنه رجل يعود الفضل في اعتلائه للسلطة للحظ بدلًا من أي إثبات لفلسفته السياسية. ففي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أحرز أقل من ربع الأصوات، وليس أكثر من المرشحين الثلاثة الآخرين بما فيهم مارين لوبان التي تنتمي إلى اليمين المتطرف، وجان لوك ميلونشون الذي ينتمي إلى اليسار المتطرف. إذ يُمكن القول بإن فوز ماكرون في الجولة الثانية لم يكن نابعًا من التأييد المُطلق ولكنه كان بشكل أكبر مجرد رفض للفاشية.

اقرأ/ي أيضًا: زيارة ماكرون إلى المغرب.. دكتاتور فرنسا الهادئ بلا وزرائه

تتناقض الشكوك الفرنسية تجاه ماكرون بحدة مع افتقاره إلى شكه هو في نفسه. ورفضه  إجراء مقابلات مع الصحفيين والإجابة على أسئلتهم لأن "عملياته الفكرية المعقدة" لن تكون مناسبة لمثل هذا الوضع. ولم يكن تنديده لخصومه في محله، عندما غرد على موقع تويتر مُتبعًا نهج دونالد ترامب، واصفًا العمال المُحتجين على فقد وظائفهم بأنهم "مُتكاسلين" و"لا يفعلون شيئًا"، وينبغي عليهم أن يتوقفوا عن "إثارة الفوضى" والبحث عن وظيفة في مكان آخر. يُعد ماكرون بمثابة نسخة رخيصة من مارغريت تاتشر، إذ إنه يعيد توزيع الثروة على من يملكون الكثير منها بالفعل، بينما يعتدي على حقوق العمال والنموذج الاجتماعي الذي حققته فرنسا بشق الأنفس. وقد منحت تغييراته الضريبية المئات من الأسر الأكثر ثراءً، أكثر من نصف مليون يورو سنويًا: إذ استحوذت الشريحة الأغنى في البلاد التي تصل نسبتها إلى 1% على 44% من الإعفاءات الضريبية الجديدة.

بينما بالنسبة لأولئك الأقل ثراءً، فإن القصة مختلفةً تمامًا. فقد قام ماكرون وهو مصرفي استثماري سابق بخفض استحقاقات الإسكان، وزاد الضرائب المفروضة على المتقاعدين، في بلد يبلغ فيه متوسط ​​المعاش التقاعدي الشهري 1,300 يورو. لقد حولت سياساته ميزان القوى في مكان العمل من العمال إلى الرؤساء. وينظم الطلاب الفرنسيون نشاطات واحتجاجات ضد متطلبات الدخول الأكثر انتقائية للجامعات، وقد سخروا من ذلك باعتباره هجومًا على التعليم المجاني للجميع، والنموذج الاجتماعي الفرنسي.

يُعد ماكرون بمثابة نسخة رخيصة من مارغريت تاتشر، إذ إنه يعيد توزيع الثروة على من يملكون الكثير منها بالفعل، بينما يعتدي على حقوق العمال 

تعتبر الخصخصة من الركائز الأخرى في جدول أعماله، بما في ذلك المطارات الفرنسية وجزء من مرافق الطاقة الوطني. وينظر إلى مواجهته مع عمال السكك الحديدية على أنها محاولة لوضع الأسس لخصخصة كارثية على الطراز البريطاني لصناعة السكك الحديدية. وسيعني إلغاء التنظيم من قبل الاتحاد الأوروبي أن الشركات الأجنبية يمكن أن تتنافس في وقت قريب مع شركة السكك الحديدية الحكومية ( الشركة الوطنية للسكك الحديدية SNCF)، ويقوم ماكرون بتحويلها من شركة حكومية إلى شركة محدودة. تمامًا كما حدث مع شركة الاتصالات الفرنسية "فرانس تيليكوم" التي كانت مملوكة للدولة سابقًا.

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون وأردوغان.. التجارب السياسية الجديدة

من المفترض من أولئك الذين يدعون أنهم وسطيون، أن يكونوا ليبراليين اجتماعيًا. يفضح ماكرون هذه الأسطورة الخبيثة على حقيقتها. إن الرجل الذي كان يتودد إلى الناخبين ذوي الميول اليسارية عن طريق الوعد بسياسة إنسانية تجاه المهاجرين واللاجئين أصبح الآن يضعهم نُصب عينيه وفي مقدمة أهدافه. فمن المقرر أن يضاعف عدد الأيام التي يمكن فيها سجن شخص بدون أوراق في أحد مراكز الاحتجاز؛ وخفض الفترة الزمنية التي يُنظر فيها إلى طلبات اللجوء إلى النصف، مما يعني قبول عدد أقل من اللاجئين. وتحذر الجمعيات الخيرية من أن اللاجئين الفارين من الحرب سيتم ترحيلهم. ويدعي جيرار كولومب، وزير الداخلية في حكومة ماكرون، أن المجتمعات المحلية "تتفكك لأنها غارقة نتيجة لتدفق طالبي اللجوء". لا عجب أن الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة وصفت سياساته بأنها "نصر سياسي".

يتم تقديم ماكرون على أنه واحة للاعتدال، وحصن ضد المتطرفين. ولكن ليس هناك ما هو معتدل في خفض الضرائب على الأغنياء، أو مهاجمة حقوق العمال

لا يقدم ماكرون أي مستقبل لفرنسا، ناهيك عن أي مجتمع غربي آخر. ومع ذلك، ما زال هناك أمل. لسنوات بعد أن خان فرانسوا هولاند تعهده في انتخابات عام 2012 بالخروج عن التقشف، كان اليسار الفرنسي في حالة ركود. وأظهرت استطلاعات الرأي أن اليمين المتطرف كان الأقوى بين جيل الشباب المحبط الذي يشعر بعدم الأمان. وقد غير صعود السياسي اليساري المتطرف ميلونشون ذلك، فقد فاز بما يقرب من خُمس الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بشكل جزئي عن طريق دعم بعض المتمردين على سيطرة اليمين المتطرف.

يتم تقديم ماكرون على أنه واحة للاعتدال، وحصن ضد المتطرفين. ولكن ليس هناك ما هو معتدل في خفض الضرائب على الأغنياء، أو مهاجمة حقوق العمال، أو تشويه صورة اللاجئين. إنه يمثل ضعفًا في النموذج الاقتصادي الذي خلق شعورًا بانعدام الأمن بشكل عام وأثبت أنه عنصر أساسي في إحياء الفاشية الفرنسية.

ينتاب نفس هذا النهج جميع أنحاء الغرب. فقد أدى النموذج الاقتصادي الظالم الذي طالما دافعت عنه أحزاب وسط اليمين ووسط اليسار إلى انهيار اقتصادي، قاد بدوره إلى التقشف والاعتداء على مستويات المعيشة، وهو الذي يعتبر المسؤول الوحيد عن الاستقطاب السياسي. وفي حالة فشل اليسار في توفير بديل ملهم ومتماسك، فسيؤول النصر إلى اليمين المتطرف في نهاية المطاف.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماكرون الظاهرة.. وأفول الأحزاب التقليدية

تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر