21-يناير-2016

1

الذين حين كانوا
يحاولون لفت انتباه السماء
لم تمرّ في عيونهم نيازك
ولم تسقط من الأعلى
على رؤوسهم الشاهقة
أدعيات ولا وصايا علْويّة
ولم يكونوا، على ميلانهم، يخضعون.
وإذا دققّتَ في أكفّهم المبسوطة الفارغة
في أكفهم ناتئة العظم
لن تجدَ سبائكَ ذهبيةً.
لم يحلموا بالكثير
في أكفّهم
"لو دقّقتَ"
كنت سترى محضَ ظلّ.
كان حلمهم -وأنت تحاصرُ هواءهم، وتقتلعُ المطرَ من الغيومِ لأنه مساعدة إنسانية-
أن يكون في أيديهم، عروسةُ زعتر، يدسّونها في حقائب أبنائهم المدرسيّة كلّ صباح.
لو أنك دققتَ قليلًا
كُنتَ سترى في أكفهم ظلّها..
ظلّ عروسة الزعتر.

2

هم أنفسهم
الذين رمت عليهم الطائرة هداياها، كانوا يلوحون للطائرة حين كانوا صِغَارًا.
أقاربهم الذين لم تصبهم الهدايا
كانوا -ولفرطِ حنانهم- يحسّونَ بعطش العشب
وتشقق التراب
فيصلّونَ للمطرِ
هؤلاء أنفسهم
يموتونَ من العطش.

3

لو كان لديهم وقت
لو أنهم استطاعوا النطقَ
لو كلمة واحدة فقط
خرجت من أفواههم الفاغرة
لكانت كلمة لا تتوقعها
ما كانوا ليطلبوا الجنة
ولا كانوا ليكفروا بالطريق إليها
كانوا حتمًا
سيتذكرون قططهم الطيبة
المرقّشة
ذات البطون البيضاء
والعيون اللامعة
والمزاج الجيد
قططهم التي تتقنُ المُزاح
ومعاشرة الأطفال.
وبدون شكٍّ
كانوا سيعتذرون منها باكين:
لو أنّ السماء عادلة
كنا وجدنا خبزًا، واقتسمناه معًا
بدل أن نأكلكم.

4

فقدوا أبصارَهم
وما عاد بوسعهم
-بعدَ أن شرِبوا حتّى دموعَ بعضهم البعض-
أن يروا كتابَ التاريخِ
حيثُ يمشي بولص الطريق إلى أورشليم.
فقدوا بيوتَهم
باعوا ثيابهم بالأرزِّ والحليب
فقدوا أبناءهم
ولو أعطيتَهم الآنَ كتابَ التاريخ
سيبيعونهُ محقّين
وبسعرٍ بخسٍ ليهوذا.
فالذينَ لا يملكونَ شيئًا
لا يندمونَ على أي شيء.

5

جذعُ شجرةٍ يكفي
على أن تكون معمّرةً
شهدت تاريخًا طويلًا
وعاصرت عصافير كثيرة
وكانت ملاذًا لآلاف العاشقين
وظلّاً واسعًا
للرعاة، أصحاب النايات.
افتح جذعًا واحدًا لشجرةٍ مثل هذي
وستجدُ أنهُ -ليس لسماكته، بل لنحولهم- يتسعُ
لشخصٍ، أو اثنين
من أولئك الذين يموتون
في مضايا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القصيدة الأخيرة لبيكتور خارا

ديجافو الانتصار القادم