11-ديسمبر-2016

لقطة من فيلم عرق البلح لرضوان الكاشف

أستعرض هنا ترتيبًا لقائمة أفضل 5 أفلام مصرية، بناءً على تقييم شخصي وتجربة طويلة خاصّة مع هذه الأفلام بعد مشاهدتها مرّات عديدة وتكرار مشاهدتها كلّما سنحت لي الفرصة. 

 

1- الحرّيف 1983: "زمن اللعب راح خلاص"

أفضل فيلم عربي في نظري، وأفضل أفلام النجم الكبير عادل إمام. فيلم الحريف من إخراج محمد خان وتأليف بشير الديك وبطولة كلًا من: عادل إمام، فردوس عبد الحميد، عبدالله فرغلي، نجاح الموجي.

تدور أحداث فيلم الحريف في إطار درامي اجتماعي. حيث فارس (عادل إمام) يعمل بمصنع أحذية ويقيم بغرفة على سطح أحد المنازل برفقة زوجته دلال وابنه الصغير. ورغم حبهما الشديد لبعضهما البعض ينفصل عن زوجته بسبب هوايته المفضلة وهي ممارسة كرة القدم (الشراب) في الشوارع والساحات الشعبية مقابل المراهنات.

فيلم الحريف حالة فريدة من نوعها، فلو قمت بالبحث لن تجد فيلمًا يستخدم أغنية واحده فقط كخلفية موسيقية للفيلم كله، وبكثافة شديدة، وهي أغنية "الشوارع حواديت لفرقة المصريين". ومع ذلك لن تمل من سماعها ودومًا ستجدها مؤثرة، ومتماشية مع الأحداث.

الشيء المتفرد أيضًا بالفيلم هو عدم الاستعانة بأي مهندس ديكور، فكل المناطق خارجية وطبيعية، وليست مواقع تصوير. أيضًا تصوير خان لمدينة القاهرة في مناطق شعبية هو شبه تخليد لتلك المناطق، فيمكننا اعتبار الفيلم في أجزاء منه وثائقيًا مؤرخًا لمراهنات كرة القدم، حيث بدأت في التراجع حتى اختفت تمامًا هذه الظاهرة.

بمجرد انتهائك من فيلم الحريف ستجد نفسك مشدودًا للشوارع، للوجوه التي تقابلها في الشارع

بمجرد انتهائك من فيلم الحريف ستجد نفسك مشدودًا للشوارع، للوجوه التي تقابلها في الشارع، ربما ستجد أحدهم بطلًا لفيلم ما، أو ربما تكون أنت البطل ولا تدري كما فارس بطل الحريف، هذا الرجل الذي لا يحلمُ بالوصول لهدف ما، أو لأي شيء سوى أن يظل "الحريف".

ومن أكثر ما تميز به فيلم محمد خان هو تفصيلة عدم ظهور الساعة في أي من مشاهده، ليعتمد خان على النهار والليل فقط في تحديد الوقت. فهو الحريف الذي صنع فيلمًا عن الألم والمعاناة دون ضجيج أو صوت صاخب أو صرخات، صنع فيلمًا عن الألم المكتوم، غير المبتذل، الألم الذي تراه فقط فلا تحتمله.


2- البوسطجي 1968: "مأساة إنسان يريد أن يحيا في سلام وسط مجموعة من الهمج"

لن أكون مبالغًا لو اعتبرت فيلم البوسطجي قد كتب له أعظم سيناريو وحوار في تاريخ السينما المصرية. فهو فيلم حسين كمال الأكثر تكاملًا وأفضل أداء لصلاح منصور، الممثل المهدور حقه لصالح من هم أقل منه شأنًا.

قصة الفيلم مأخوذة عن قصة للأديب يحيى حقي بعنوان "دماء وطين"، فيحكي الفيلم عن عباس البوسطجي المنتقل حديثًا من القاهرة إلى قرية كوم النحل بأسيوط، ليعمل ناظرًا لمكتب البريد، وهناك يعاني من جهل أهالي القرية وتزمتهم ومعاملتهم له بجفاء.

وبسبب الملل الذي يعيش فيه يقرر الانتقام من أهل القرية وذلك بأن يتجسس على رسائلهم ويعرف أسرارهم. تلفت نظره رسالة من فتاة تدعى جميلة (زيزي مصطفى) إلى عشيقها فيقرر متابعة قصتهم التي يعرف منها أن الفتاة حامل منه وأنها تستنجد به ليأتي ويتزوجها.

تتنقل الكاميرا بين زوايا القرية الصعيدية بمنتهى السلاسة وكأنه فيلم من الألفينات وليس الستينيات، أداء شكري سرحان كان رائعًا، بل ويجعلك تشعر به في كل كلمة يقولها، الفيلم ينتمي للتراث الصعيدي والتمسك بالعادات الجامدة ويصور الحياة من وجهة نظر شاب مصري عاش في الصعيد، شابة صعيدية عاشت في المدينة فتأثرت بأحوال المدينة وأهلها وأب صعيدي متمسك بالعادات والتقاليد الظاهرية فقط.

من نواحي تفرد الفيلم هو عدم تلاقي البطل (شكري سرحان) مع البطلة (زيزي مصطفى) في أي من مشاهد الفيلم ومع ذلك لن تشعر إلا بالألفة وسط الشخصيتين.


3- الأرض 1970: رائعة يوسف شاهين إخراجًا، ومحمود المليجي تمثيلًا وحسن فؤاد حوارًا

لا أريد أن أغفل دور كاتب الرواية الأصلية الماخوذ عنها الفيلم عبد الرحمن الشرقاوي، أحد أفضل من كتب روايات في مصر.

 

الفيلم يحكي قصة ومعاناة الفلاحين في إحدى القرى المصرية خلال عام 1933، يبلغهم عمدة القرية أن حصة ري أراضيهم قد صارت مناصفة بينهم وبين أحد الإقطاعيين وهو محمود بك، لكن الفلاحين يثورا على هذه التعليمات، وعلى رأسهم محمد أبو سويلم، تتفاقم الأمور عندما يقترح محمود بك إنشاء طريق يربط بين قصره والشارع الرئيسي بما يستلزم انتزاع جزء من أراضي الفلاحين لشق الطريق، فيثور الفلاحون دفاعًا عن أرضهم بقيادة محمد أبو سويلم.

فيلم الأرض لم يضع إسقاطات سياسية عن فترة الثلاثينيات فقط، إنما برع السيناريست حسن فؤاد في وضع سيناريو تشعر أنه يعاصر كل الأزمان

فيلم الأرض يعتبر من أفضل الأفلام السينمائية المصرية على الإطلاق والتي تحدثت عن الفلاح والأرض وعن المعتقدات السامية السلمية التي ناشد بها الشخصيات بالفيلم أمثال (محمد أبو سويلم) والذي برع الفنان محمود المليجي في تأدية دوره بنجاح، لتصل لك معاناة الفلاح المصري حينذاك وخاصة عندما روى أرضه بدمه فهي شرفه وعرضه الذي تجاوزه الإنجليز.

تلك المشاهد التي مثلها محمود المليجي وأتمها بسلاسة عزت العلايلي في إلقاء الضوء على أفكار قد تكون بعيدة كل البعد عن أفكارنا، جعلت في الفيلم مشاهد محفورة في ذاكرتنا قبل حفرها في تاريخ السينما المصرية حتى الآن.

إن فيلم الأرض لم يضع إسقاطات سياسية إبان فترة الثلاثينيات فقط وإنما برع السيناريست حسن فؤاد آنذاك -مستوحيًا من قصة الكاتب العبقري عبد الرحمن الشرقاوي- في أن يضع سيناريو وحوارًا شيقًا يجعلك تشعر معه عند مشاهدته أنه يعاصر كل الأزمان ويناقش كل ما يحدث فيها.

تم عرض فيلم الأرض في مهرجان كان السينمائي الـدولي، وقد ذكر عنه الناقد كلود ميشيل: "من الواجب أن يَعرض المصريون أفلامهم في المهرجانات طالما أن لديهم مستوى فيلم الأرض".


4- عرق البلح 1999

ربما يكون هو الفيلم الأكثر غرابة بين الأفلام الخمسة من وجهة نظر كثير من المتابعين لكونه فيلمًا مغمورًا، لكن من شاهده من المحال ألا يكون ضمن قائمته المفضلة.

تلك التحفة الفنية الرائعة من تأليف وإخراج رضوان الكاشف في أحد أكثر الأفلام تكاملًا.

الفيلم يحكي قصة البلد التي رحل عنها رجالها للعمل في قناة السويس، وليبقى بالقرية شاب وحيد وسط كل النساء، دراما يصعب تجسيدها من جديد، إنها تلك الحكاية البسيطة التي صنع منها الكاشف تحفة فنية.

أشعار الأبنودي مع موسيقى الموسيقار ياسر عبد الرحمن جعلت الفيلم أقرب للملحمة، رغم بساطة الإنتاج والاستعانة بكثير من الممثلين غير المشهورين، لكن إتقان وإخلاص الكاشف لعمله جعل الفيلم في أحسن صورة.

توقعت أن يكون الكاشف قد قضى خمسة أعوام يكتب في رائعته عرق البلح، وهو فيلمه الثاني والذي سبقه تجربته السينمائية الأولى "ليه يا بنفسج عام 1993"، وعلى الرغم من اعتقادي أن مدة 5 سنوات مدة طويلة لكتابة وتنفيذ فيلم واحد فقط، لكن مستوى الفيلم يصيب من يراه بالذهول، فهو بالقطع لم يكتب في 6 أعوام بل في أكثر من ذلك.

وهذا حقيقة ما حدث، فقد كتب الكاشف فيلمه عرق البلح قبل فيلم الأول ليه يا بنفسج بسنوات وظل جميع من يقرأ الفيلم كسيناريو يلقي جملة واحدة كتعقيب عليه "فيلم رائع بس محدش هاينتجه" ليظل حبيسه حتى عام 1999، وليخرج للنور أخيرًا دون تعديل في السيناريو وبميزانية محدودة للغاية، قام أكثرها على منح من المؤسسات السينمائية في فرنسا، بمشاركة من شركة أفلام مصر العالمية، وليعرض الفيلم في مصر لمدة أسبوع واحد لا أكثر وتستضيفه قاعات العرض في باريس لمدة 6 أشهر كاملة.

الفيلم بطولة محمد نجاتي، حمدي أحمد، وشريهان.


5- طيور الظلام 1995: "البلد دي اللي عايز يشوفها حلوة على طول يشوفها من فوق بس"

 

ثاني أفضل أفلام عادل إمام، إنه الفيلم المعاصر لكل زمان ومكان، ثلاثة أصدقاء تزاملوا بكلية الحقوق اتخذ كل منهم مسلكًا. فالأول محسن (أحمد راتب) اختار السلامة، ولم يجد غضاضة في العمل بمصنع حلويات كمحاسب تاركًا المحاماة "اللي مش بتوكل عيش".

والثاني على الزناتي (رياض الخولي) اختار الطريق الأسهل والأكثر فائدة مادية، إذ سلك طريق الإخوان المسلمين، حيث أهدوه مكتبًا بالقضايا، للدفاع عن شباب الجماعة، وإثارة الرأي العام، برفع قضايا ضد الدولة.

ربما فيلم طيور الظلام هذا الفيلم هو صاحب أفضل مشهد ختامي، حتى إنك لن تستبعد أن يكون له جزءٌ ثانٍ

أما الثالث فتحي نوفل (عادل إمام) فقد فتح مكتبًا بالأرياف، وفيه يدافع عن صغار الظالمين والمرتشين والبغايا، والتي قتلت زوجها، والأتعاب قد تكون كيلو كباب وزجاجة خمور.

الفيلم تفرده يكمن في النظرة المستقبلية. فلو تفكرت ستجد الثلاث شخصيات موجودين في الحياة وبكثرة، بل لن يخرج أي شخص عن شخصية من الثلاثة.

حوار الفيلم أيضًا من نواحي التفرد، فمشاهد المجادلات بين فتحي وعلي، تُعد من أبرز مجادلات السينما المصرية.

الفيلم من إخراج شريف عرفة وقصة وحوار المثير للجدل دومًا وحيد حامد وبطولة عادل إمام، ورياض الخولي وأحمد راتب.

وربما هذا الفيلم هو صاحب أفضل مشهد ختامي بين الأفلام الخمسة السابق ذكرها حتى إنك لن تستبعد أن يكون له جزءٌ ثانٍ.