06-مارس-2018

رحل الترابي ولم يُفض بسر مشروعه السياسي الغامض (رويترز)

يصادف الخامس من آذار/مارس ذكرى رحيل حسن عبد الله الترابي (1932 – 2016) زعيم الحركة الإسلامية السودانية، وصاحب الآراء الدينية الجريئة والمثيرة للجدل، فهو يحسب له أنه وضع أول حركة إسلامية سُنية على عتبة السُلطة عبر انقلاب عسكري عام 1989، سُمّي بثورة الإنقاذ الوطني.

رحل الترابي وترك أنصاره في حالة أشبه بالغيبوبة، فقد مات دون أن يفضي بسر مشروعه السياسي الغامض المسمى بـ"المنظومة الخالفة"

ولئن كان الترابي كـ"مجدد" قد حظي بتقدير واسع في الداخل والخارج، إلا أنّ تجربته السياسية ما تزال محلّ خلاف، ووصفت شخصيته عمومًا بإثارة الجدل. وكان الترابي يتمتع بذكاء حاد ويتحدث عدة لغات ولديه كاريزما قيادية وتأثير في الجماهير.

اقرأ/ي أيضًا: ذكرى إعدام محمود محمد طه.. جدل سوداني متجدد حول زعيم دعوة "الجمهورية" 

وقد اختلف مع الرئيس عمر البشير الذي جاء به إلى الحكم، وخلع الترابي عباءة السُلطة في مفاصلة شهيرة، أودت به إلى السجن حبيسًا عدة مرات.

وبالرغم من أن كثيرًا من المقربين منه يعتبرون المنظومة الخالفة حقيقة وتم حجبها بقصد حمايتها، وهي عبارة عن خارطة طريق لإنقاذ السودان، يلتئم فوقها شمل القوى السياسية من اليمين واليسار على فكرة وبرنامج مُحدد؛ إلا أن المؤتمر الشعبي الذي كوّنه الترابي بعد خروجه من السُلطة، وانتقلت فيه القيادة لعلي الحاج بعد رحيل الترابي، لم يتبنّ المنظومة الخالفة بصورة واضحة، وقدم المشاركة في الحكم عليها، ما أثار خلافات كادت تشق صف المؤتمر الشعبي.

اختلف الترابي مع البشير بعد أنا جاء به إلى الحكم
اختلف الترابي مع البشير بعد أن جاء به إلى الحكم 

ورغم أن الترابي درس في بريطانيا وفرنسا وتشبع بالثقافة الغربية، إلا أنه لم يكن على وفاق تام مع تلك الثقافة، وبالأحرى كان على قطيعة عمومًا مع الغرب، تنظر له الولايات المتحدة وأوروبا بهواجس بعث الإسلام الحركي وإزكاء روح الجهاد عند المسلمين، ولذلك تعرض لمحاولة اغتيال بضربة قاضية في مطار كندا بداية تسعينات القرن المنصرم على يد بطل الكاراتيه السوداني هاشم بدر الدين، ما أفقد الترابي النطق وأدخله في غيبوبة لمدة شهور.

يقول الكاتب خباب النعمان، إن "أميز ما في الترابي أنه يتعلم من أخطائه بحس تاريخي فريد ويستشرف المستقبل بقرني استشعار تستوعب الأبعاد"، مُضيفًا: "ورغم عقلانيته المفرطة والتي تحسب كل صغيرة وتتحسب لكل أمر مهما بدا ضئيلًا، إلا أنه كان يخفي تصوفًا عميقًا في علاقته مع الله".

المفارقة أن جموعًا من أنصار الترابي ومشروعه الغامض، تعلق آمالًا على المنظومة الخالفة رغم أنها لم تتبين ملامحها بعد

وقال خباب النعمان لـ"ألترا صوت"، إنّه يرى "رغم تكاثر العناصر القادرة والراغبة في قيادة الحركة الإسلامية، فقد انتزع الترابي لها مقامًا طليعيًا ليس على المستوى المحلي، وإنما على المستوى العالم".

اقرأ/ي أيضًا: الثورات وصعود التيارات الإسلامية

ويُشير خباب النعمان إلى مفارقة أن جموعًا من أنصار الترابي ومشروعه الغامض، "تعلق آمالًا على النظام الخالف، رغم أنها لم تتبين ملامحها بعد"، ويعزو ذلك إلى: "ربما بؤس الحال والتعلق بقشة درء آثار المفاصلة والاجتماع من جديد على أسس جديدة"، هذا بالنسبة إلى عموم الإسلاميين في السودان وسوادهم الأعظم بتكويناتهم المختلفة، سيما من هم أبعد من دوائر السلطة والنفوذ وحواضن التأثير والحضور. 

وفي المقابل أشار النعمان إلى "مجموعات تقف ضد المنظومة الخالفة كمشروع يرسي مرحلة جديدة ومع إنها مجموعات محددة لكنها مؤثرة وترى مصلحتها في استمرار الوضع الراهن والافادة منه إلى أقصى حد ممكن لتعظيم فوائدها قدر الإمكان".

وبلا شك فإن أغلب مجموعات الإسلاميين داخل الحزب الحاكم في السودان وخارجه باتت تغلب مبدأ المصالحة وتقرنه باستكمال حلقات الإصلاح المتعثر، لكنه لم يتمخض عن فعل حقيقي.

مدير مكتب الترابي، تاج الدين بانقا، لفت إلى مساهمة الترابي في صياغة قوانين معظم دول الخليج، ومدى الفائدة التي وهبها للإسلاميين في تونس وباكستان ومعظم الحركات الإسلامية من خلال تجربته وأفكاره التي رفد بها الساحة السياسية". 

ووصف تاج الدين بانقا كتاب الترابي "السياسة والحكم" بأنه مشروع دستور، وقال لـ"ألترا صوت"، إن "الدستور عند الترابي بمثابة العهد التأسيسي، لأن جهوده بدأت منذ خروج الاستعمار، وكانت معظم الدول تحتاج إلى تأسيس دستوري يلائم طبيعتها وتكوينها".

 رغم الجدل الكبير المثار حول شخص وأفكار الترابي، إلا أنه استطاع أن يدفع بالحركة الإسلامية إلى مكانة لم يسبقه إليه أحد

وأضاف: "الترابي مازج بين المدرستين الإنجلوفونية والفرانكفونية، واختار عنوان دراسة الدكتوراة في جامعة السوربون عن الطوارئ والأوضاع الاستثنائية"، وأكثر ما كان يشغله، هو بحسب تاج الدين بانقا "سؤال الفدرالية والكونفدرالية، أي هل تكون الدولة مركزية أم غير مركزية، وكان يفضل نظام الحكم اللامركزي، لا سيما وأن التجربة الإنسانية أثبتت أن الدول الواسعة لا تحكم إلا بالنظام غير المركزي، لأنه يحفظ لكل إقليم أو منطقة ثقافتها وخصوصيتها، كما هو الحال في أمريكا والهند"، كما قال بانقا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

البشير.. إسلامي متنكر

الإخفاء القسري في السودان.. لغز الدكتاتورية ومنجلها