02-يونيو-2016

لا تتوفر العمارات الاجتماعية على مصاعد(فايز نور الدين/أ.ف.ب)

تعدّ الحكومة الجزائرية من الحكومات القليلة التي تضمن السكن مجانًا للمواطن ذي الدخل المحدود أو المنعدم، وتساهم بنسبة معتبرة في توفير السكن للمواطن ذي الدخل المحترم، وتتعدد لديها صيغ الإسكان بحسب طبيعة مداخيل المستفيدين وطبيعة المكان، ففي القرى نجد صيغة "السكن الريفي" التي يحصل بموجبها المواطن على مبلغ يؤهله لإنجاز سكن فوق قطعة الأرض التي يملكها أو يتنازل له عنها أحدهم، ونجد في المدن صيغة "السكن الاجتماعي"، التي يحصل بموجبها المواطن على شقة مجانًا يخضع عدد غرفها لعدد أفراد أسرته.

تضمن الحكومة الجزائرية السكن مجانًا للمواطن ذي الدخل المحدود أو المنعدم

عادة ما تسمى الأحياء الناجمة عن هذه الصيغة بالرقم الذي يشكل عدد شققها من قبيل "حي 950 مسكن" و"1200 مسكن" و"4500 مسكن"، ويشرف على تسييرها "ديوان الترقية العقارية" التابع للولاية. قد تكون قريبة من المرافق العمومية من صحة وتعليم وإدارة، وقد تكون بعيدة عنها بما يخلق أتعابًا جمة لساكنيها، وقد يشغلها المستفيدون منها مباشرة وقد يؤجرونها لغيرهم أو يبيعونها بما يخالف القانون الذي يمنع عليهم ذلك قبل مرور عشرة أعوام.

اقرأ/ي أيضًا: ثلاث حالات تجعل الطفل أبًا في الجزائر

لا يتوفر هذا النوع من العمارات الاجتماعية على مصاعد، رغم تعدد طوابقها، وهو ما يجعل الصعود إلى طوابقها العليا في حكم العقوبة للحوامل والأطفال والمسنين وحاملي الأغراض الثقيلة. يقول الشاب عمار. س المتخصص في إصلاح الآلات الكهرومنزلية: "لا أفهم أن تصْرفَ الحكومة المليارات على إنجاز عمارة وتبخل على إنجاز مصعد فيها، علمًا أن تكلفته بسيطة جدًا. لا يمكنني أن أفهم هذا البخل إلا من باب أنها لا تريد للمواطن البسيط أن يرتاح". يضيف: "ثم إن اللوم يقع على هذا المواطن أيضًا، إذ ما كان له أن يقبل استلام الشقة ما دامت الخدمات ناقصة، فسياسة الخضوع للأمر الواقع تثمر أتعابًا تجعل الفرحة بالحصول على سكن ناقصة".

كما أن البلدية لا تضمن في باب النظافة إلا رفع القمامة صباحًا، أما تنظيف السلالم والمداخل فمتروك للسكان، وهو ما يؤدي إلى تراكم الأوساخ في العمارات التي لا يتفق ساكنوها على تسخير منظفة لذلك. التقينا أكثر من منظفة، في أحياء مختلفة، عادة ما تكون عجوزًا مسنة أو أرملة تسعى إلى إعالة صغارها، ووقفنا على عدة مشاكل يواجهنها. تقول الخالة خضراء: "أشتغل في ثلاث عمارات تتكون من 72 شقة، ويفترض أن أحصل على 200 دينار جزائري/دولارين أمريكيين في الشهر من كل شقة، لكنني لا أحصّل في النهاية إلا نصف هذا المبلغ، لأن نسبة كبيرة من السكان لا تدفع اشتراكاتها، بل إن بعضهم يسيئون التعامل معي حين أطالبهم بحقي، والبعض لا يمنحونني الماء من بيوتهم لأستعمله في تنظيف السلالم".

في أحياء معينة ينصّب السكان لجنة تتكفل بجمع اشتراكات السكان الخاصة بتكاليف النظافة وحراسة موقف السيارات وتجديد الإضاءة، وتنظم حملات تنظيف دورية لساحة الحي ومحيطه الخارجي. يقول فارس، أحد رؤساء هذه اللجان في "حي 950 مسكن" بمدينة بودواو، 38 كيلومترًا شرقًا، إنه "بذل في البداية جهودًا مضنية في هذا الإطار، لكنه اضطر إلى رمي المنشفة في النهاية: "الأمر متعب جدًا في البيئات التي لا تخضع لحس مدني وصحي، فالأب الذي يرفض أن يدفع للمنظفة دولارين في الشهر، هو نفسه يدفع مائة دولار لعلاج ابنه الذي يعضه جرذ متغوّل بسبب غياب النظافة".

لا تتوفر العمارات الاجتماعية على مصاعد، رغم تعدد طوابقها، وهو ما يجعل الصعود إلى طوابقها العليا في حكم العقوبة للحوامل والأطفال والمسنين

اقرأ/ي أيضًا: الأسرة الجزائرية في دوامة اختطاف البراءة

عادة لا تكون التركيبة الاجتماعية والثقافية لسكان هذه العمارات متجانسة، فهم قادمون من بيئات وجهات متباعدة، وهو ما يخلق جملة من التطاحنات الخفية والمعلنة بين الأسر في الحي الواحد وبين الأحياء المتقاربة، إذ يكفي أن يغازل شاب فتاة يختلف معها في المنشأ أو يضرب طفل طفلًا من أسرة أخرى، حتى تنشأ معاركُ ساخنة قد تقتصر على الكلام غير اللائق بين النساء في الشرفات، وقد تتعدى إلى استعمال السيوف بين الشباب.

أما داخل العمارة نفسها، فالسكان يعانون من صراخ الأطفال وشجارهم في السلالم، وأصوات الأقدام وارتطام الأشياء على الأرضيات، ذلك أنها لا تتوفر على عازل للصوت، بما يجعل النوم صعبًا قبل منتصف الليل، كما يعانون من الدخول غير المراقب للغرباء القادمين إلى شقق العزاب والعازبات وذوي الأغراض المشبوهة.

رصد هذه الأمراض المتفشية في هذا النوع من العمارة الجزائرية، التي لا تخضع للحراسة والمراقبة والتسيير الصارم جعل مسلسل "عمارة الحاج لخضر" للنجم لخضر بوخرص من أكثر المسلسلات الفكاهية انتشارًا في المشهد الجزائري، حيث يجد الجزائري نفسه يضحك على نفسه باختصار.

اقرأ/ي أيضًا: 

الجفاف كابوس الاقتصاد بالمغرب

أقفال السحر في الجزائر.. رعب وفكاهة