24-أغسطس-2017

لينا محمد ومي اسكاف خلال العرض (تصوير: زكريا عبد الكافي)

أقام مجموعة من الشبان السوريين عرضًا تفاعليًا في ساحة تروكاديرو، وسط العاصمة الفرنسية باريس، كمبادرة منهم لإحياء الذكرى الرابعة لمجزرة الكيماوي في غوطتيّ دمشق الشرقية والغربية، حين ضرب نظام الأسد في تاريخ 21/08/2013 صواريخ برؤوس كيماوية محملة بغاز السارين على مناطق مدنية، راح ضحيتها قرابة 1400 مدني من سكان مناطق ريف دمشق.

أقام مجموعة من السوريين عرضًا تفاعليًا في ساحة تروكاديرو، في باريس، لإحياء الذكرى الرابعة لمجزرة الكيماوي

في ظل غياب الإدانة والتحقيق الدولي على مجزرة كهذه، راح العديد من شبان سوريا ينظمون وقفات تضامنية في نفس الذكرى، محاولين من وراء ذلك التذكير بها والتأكيد على أن هناك مجرمًا يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد مدنيين وما يزال طليقًا.

اقرأ/ي أيضًا: رحيل فدوى سليمان.. صوت الثورة السلمية

هزت تلك المشاهد القادمة من غوطتيّ دمشق ضمائر الناس واعتبرت ما سماه ناشطون "الموت النظيف" من أشنع المجازر التي ارتبكها الأسد ضد شعبه. ولكي لا يدفع هؤلاء الضحايا الثمن وحدهم، يتابع ناشطون سوريون مهتمون بالتذكير والتنديد إنتاج أفكار إبداعية وتنظيم وقفات، ومواجهة التعتيم والإسكات بالقول والمطالبة.

في هذه الذكرى السنوية لمجزرة الكيماوي قررت مجموعة مؤلفة من طلاب وفنانين وصحفيين هم محمد علي ديب: راقص ومصمم رقصات (فلسطيني - سوري)، مي اسكاف: ممثلة ومخرجة مسرحية، حسين الغجر: ممثل مسرحي، لينا صمودي: فنون جميلة، طه المحمد: طالب ماستر دراسات سياسية، يزن هواش: طالب هندسة شبكات معلوماتية (فلسطيني - سوري)، رويدة يوسف: صحفية، أسامة عزو: طبيب، مريم حايد: علم نفس، يحيى عبد الله: طالب ماستر سياسيات عامة، هاني زيتاني: صحفي، رامي شقلب: طالب بكالوريا، ريم يسوف: فنانة تشكيلية، لينا محمد: صحفية.

لم تجمع المهنة هؤلاء الشبان بقدر ما جمعهم إحساسهم بضرورة إيصال خبر المجزرة لعدد كبير من الناس، تحديدًا من الأوروبيين.

عن فكرة العرض والتحضيرات، وسبب تقديم هذا العرض الأدائي التفاعلي، كان لـ"ألترا صوت" فرصة التحدث مع الصحفية لينا محمد إحدى المنظمين للعرض والمشاركين فيه.


خلال سنوات سابقة نظمت مجموعات من السوريين وقفات احتجاجية بمناسبات مختلفة، هذه المرة الأولى التي يتم فيها استبدال المسرح بالمظاهرة أو الخطاب، لما اختارت مجموعتكم أن تقدم عرضًا مسرحيًا، ومن أين جاءت فكرته؟ تجيب لينا: "هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تقديم عرض أدائي في مثل هذه المناسبة، هو العرض الأول لنا كمجموعة، ولكن قد قدم سابقًا الراقصان حسين الغجر ويارا حاصباني عرضًا راقصًا في مناسبة ذكرى مجزرة الكيماوي الثانية عام 2015، وتم تقديمه في نفس المكان الذي قدمنا فيه عرضنا، ونحن في حقيقة الأمر استوحينا من عمل حسين ويارا فكرة العرض، وخصوصًا فكرة الطحين الموجودة كغرض أساسي فيه، والتي تحمل دلالة المادة البيضاء أو غاز السارين، الذي استخدمه الأسد خلال قصفه لغوطتي دمشق. كما أننا اخترنا أن نقدم عرضًا أدائيًا تفاعليًا ليكون طريقنا لمخاطبة الرأي العام الأوروبي والغربي بشكل عام، ونلفت نظره بعيدًا عن التطرق للسياسة ودون الوقوع في فخ المباشرة. واتفقنا كمجموعة على تغليب الطابع الإنساني على العمل الذي نريد أن نتوجه به في ذكرى كهذه. وهذا تحديدًا ما لا يمكن الوصول إليه عن طريق الندوات والمحاضرات ولا عن طريق مؤتمر صحفي، أو حتى اجتماع دوري. لا نملك إلاّ عنصر المفاجأة لنبني عليه فكرة العرض التفاعلية".

في العرض السوري التفاعلي "في العتمة المبهرة"، تم استبدال المسرح بالمظاهرة والخطاب

تتابع لينا: "هو ليس عرضًا مسرحيًا، فقد اتفقنا كمجموعة واعتمدنا تسميته بالعرض التفاعلي، لأنه خليط من المسرح والرقص التعبيري برمزية عالية". وعن جمهور العرض والفئة المستهدفة أخبرتنا لينا بأنهم اختاروا أن يكون الناس المتواجدين في تلك اللحظة بشكلٍ عشوائي في الشارع، هم جمهورهم الذي سيتمكنون من النفاذ إلى قلبه. تقول لينا: "كانت هذه فئتنا المستهدفة لنتمكن من أن ترك انطباع وأثر لديهم مهما كان بسيطًا، على اعتبار أن هؤلاء لا يعرفوننا وسيكونون فضوليين لمعرفة ما نفعل، وبذلك يمكن أن نقول لهم بأبسط شكل وبطريقة إبداعية بأن هناك جرائم تحدث في بلد اسمه سوريا، يقوم بها مجرم يدعى بشار الأسد".

اقرأ/ي أيضًا: جولان حاجي.. بنات الثورة السورية

وعن الانطلاقة، أطلعتنا على الطريقة التي فكر بها المنظمون للتجمع وإخبار السوريين الموجودين في باريس ودعوتهم للمشاركة: "سبق هذا العرض مجموعة حملات كنا قد أطلقناها على فيسبوك لدعم اللاجئين في لبنان، ودعم لاجئين في تركيا، من خلال هاشتاغات على فيسبوك، وحتى دعم مشاريع يقوم بها لاجئون في ألمانيا، ومن خلال هذه الشبكات تعرفنا على بعضنا كأفراد، وعندما اقتربت ذكرى الكيماوي، تقريبًا منذ شهر ونصف، رأينا بأن الحملات والهاشتاغات تفيد ولكن في نطاق مختلف، أو في حال كنا نريد أن نأثر بمن هو وراء الشاشة. لكن في ذكرى الكيماوي لا ينفع الهاشتاغ. يجب التفكير بتقديم عمل تفاعلي على الأرض".

وحين سألناها: لماذا استبعدتم فكرة تنظيم مظاهرة كما يحدث دائمًا؟ أجابت: "لأن المظاهرة قد فقدت قيمتها بعد الخروج من سوريا، وهذا ما اتفقت عليه المجموعة بأن المظاهرات إذا لم تكن داخل الحدث وقريبة منه، كأن تنظم مظاهرة في مناطق خارج سيطرة النظام، أو حتى المناطق التي تخضع لسيطرته. أما في أوروبا الحال مختلف، فإذا لم تحشد المظاهرة عددًا كبيرًا، وكانت مدعومة من منظمات عالمية مثل منظمة العفو الدولية أو اليونيسيف ومنظمات معنية بشؤون اللاجئين والقضايا الإنسانية، فهي لن تجدي نفعًا".

أمّا عن سبب اختيار ساحة تروكاديرو، لتكون مكانًا لعرضهم التفاعليّ، فتشرح لينا: "هناك خيارات عديدة في باريس لإقامة مثل هذه الأحداث فيها، ولأغلبها رمزية عالية كساحة الروببليك التي تنطلق منها الكثير من النشاطات السياسية، أو ساحة الباستيل لما لها من رمزية ثورية، ولكن اختيار ساحة تروكاديرو أولًا تم بالاتفاق مع المجموعة بسبب تحديدنا للشريحة المستهدفة من العرض، الشريحة التي نعتقد بأنها غير معنية بأمر مجزرة الكيماوي، هم القادمون فقط لالتقاط صور تذكارية أمام برج إيفل، ولكن بعد النقاش مع المجموعة حاولنا أن نؤكد على فكرة هامة، بأن هؤلاء السياح قد يكونوا معنيين بأمرٍ كهذا، فجزء منهم يمكن أن يكون قد عانى من ظلم الدكتاتوريات، مثل الفيتناميين أو الكوريين أو الأفارقة، وحتى اللاتينيين منهم. هناك خليط كبير من السياح قد تجده في ساحة تروكاديرو لايمكن أن تجده في مكان آخر. وتأكدنا بأن الأثر الذي سنتركه لديهم إذا توجهنا لهم سيكون له صدى ما. كما وأن مثل هذا النشاط لو تم في ساحة الروببليك كان يمكن أن يضيع ضمن زحمة النشاطات التي تقام هناك، وقد لايلاحظ ضمنها. لذلك استبعدنا الأمكنة ذات الرمزية السياسية وتوجهنا لمكان مختلف قد نلفت فيه الأنظار وندفع للتساؤل. إضافةً إلى أمر هام فكرنا فيه، وهو أن أي عرض يمكن أن تكون في خلفيته برج إيفل، كصرح سياحي قد يشد المارة للانتباه والوقوف. وهذا ما قد يساعد على لفت الأنظار أيضًا".

في إحدى مشاهد العرض التفاعلي، تعود الشخصيات للوقوف من جديد تقف بثبات تمشي وتتقدم، وتحاول الهتاف ولو لم نسمع لها صوتًا. هل في هذا حث على المتابعة ومواصلة مشوار الثورة، وهل يمكن أن نقول بأنكم توجهون رسالة تفاؤل تجاه تغيير قد يقلب حال الثورة ويعيدها من جديد، كما عادت الشخصيات التي تمثل الضحايا للوقوف ومحاولة الهتاف والصراخ؟ تجيب لينا: "في حقيقة الأمر، قد يصعب تلخيص أي حديث عن شكل ومسار الثورة السورية اليوم ومحاولة تكهن مستقبلها، إلاّ أن القيامة بعد الموت تدل على الاستمرار ونهاية الظلم مهما امتد وطال عمره. هناك من آمن بمن هم بين عداد الأموات اليوم، ممن قدموا أرواحهم في السابق تضحيةً لفكرة الثورة ورفض الدكتاتورية. وعليه فقد تتجلى فكرة القيامة بالتعويل على جيل أخر قد يأتي بعد هذه السنوات التي أنهت جيلًا كاملًا من المضحين".

وعن الشباب المشاركين في العرض، والظروف التي عملت فيها المجموعة، قالت: "كنا نسعى لأن يصل عدد المشاركين لثلاثين أو أربعين شخصًا، أو حتى للستين، لعلنا نستطيع أن نملأ الساحة. الشباب المشاركون هم الذين تفاعلوا مع الدعوة التي وجهناها عبر الفيسبوك،  منذ خمسة عشر يومًا، وكنا قد اتفقنا مع الفنانة مي اسكاف وشجعت الفكرة وتم الاتفاق مع الراقص محمد علي ديب الذي جاء من ألمانيا لمساعدتنا ومشاركتنا في العرض، من لبى الدعوة هم من شاركوا في العرض، وهناك من تفاعل مع الدعوة ولم يأتي بسبب ظروف وأشغال. كانت بروفاتنا في الحدائق، لأننا لم نحصل على صالة تدريبات، ولم يكن هناك مكان مغلق يمكننا أن نتدرب فيه. تم الاتفاق مع  الراقص محمد علي ديب على إمكانية تقديم عمل إبداعي بعدد قليل من الناس وبظروف صعبة، اضطررنا أن نعمل في أيام ممطرة وباردة، حتى أن الأشياء اللازمة للعرض كالملابس والأغراض جلبها كل مشارك من بيته. ورغم ذلك لم يعتذر ويتلكأ أو يتأخر أحد من المشاركين عن حضور البروفات اليومية. وكأننا كنا نستند على إصرار بعضنا البعض لإكمال العمل. كل منا قدم كل ما لديه من الخبرة والتعاون لإنجاح العرض، إلى جانب خبرة ودعم الفنانة مي اسكاف التي أدارت البروفات، وكل ما قدمه الراقص الفلسطيني محمد علي ديب، والخبرة التي قدمها الراقص حسين الغجر.

 لينا محمد: يصعب تلخيص أي حديث عن شكل ومسار الثورة السورية اليوم ومحاولة تكهن مستقبلها

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "أمهات سوريات"..المأساة السورية في حكايا الأمهات

يذكر أن عنوان العرض "في العتمة المبهرة" هو عنوان الديوان الأخير للفنانة الراحلة فدوى سليمان، التي رحلت قبل أيامٍ من العرض. وقد تم اختيار عنوان ديوانها لحدث كهذا، تمجيدًا لذكراها وروحها. وعليه جاء في بطاقة العرض التعريفية هذه الأبيات من الديوان: "لا يزال عندي وقتٌ كي تمسح ذاكراتي عن جدرانها الرؤوسَ المقطوعة والعيونَ الشاخصةَ في الموت ذبحًا أو خنقًا أو هرسَ أعضاء. لا يزال عندي وقتٌ كي أُلملم أشلاء الجياع والمحرومين من بين أفكاك الضباع الشبعى، وكي أُلملم أصابع الأطفال من أفواه الجرذان. لا يزال عندي وقتٌ كي أبكي على الذين أطلقوا النار على حمار، وعلى الحمار الذي تمتّعوا بإعدامه، بعد أن كتبوا فوق جسمه اسمَ دكتاتور. لا يزال عندي وقتٌ كي يتمزّق قلبي من مفاجأة الحمام بأسلوب موتِهِ".

 

اقرأ/ي أيضًا:

قناديل ملك الجليل.. أصل الفلسطيني حصان

الطيب صديقي.. رحيل المدرسة