26-يناير-2016

من الفيلم

"Youth" هو الفيلم الجديد للمخرج الإيطالي باولو سورينتينو بعد عامين من فوزه بالأوسكار عن فيلم "الجمال العظيم". فريد بالينجر (مايكل كين) مؤلف موسيقي متقاعد، يقضي عطلته في منتجع للأثرياء والمشاهير في جبال الألب السويسرية مع صديقه المقرّب منذ ستين عامًا المخرج السينمائي ميك بويل (هارفي كيتل).

في فيلم "شباب"، لا مفرّ من هاجس الجسد المادي والقلق والعار غير المعلنين عن الآثار المادية للتقدّم في العمر

يُستدعى بالينجر للخروج من التقاعد لإجراء حفل موسيقي لملكة بريطانيا، بينما ميك يحاول، بمساعدة فريق من الشباب الواثق والمخلص، إنجاز سيناريو فيلمه الختامي، أو "وصيته الأخيرة"، من دون نتيجة حاسمة. في الوقت ذاته، تتدخّل الأقدار الخارجية ممثلّة بزيارة ابنة فريد (راشيل وايز) لزيارة والدها، قادمة لتوها من اتفاق لإنهاء زواجها من ابن ميك بعد خيانته لها مع مطربة البوب الإنجليزية بالوما فيث. يتكشّف وجه آخر للخراب الذي يعاينه سورينتينو مع شخصياته بلوم الابنة لوالدها المنهمك في عمله وإهماله لبيته، وكذلك الأمر بالنسبة لميك الذي تنتظره حقيقة إفلاسه في عصر بطله التلفزيون ومسلسلاته كما تقول النجمة الهوليوودية جين فوندا.

في الساعة الأولى من الفيلم، لا مفرّ من هاجس الجسد المادي والقلق والعار غير المعلنين عن الآثار المادية للتقدّم في العمر، وباستمرار نجد الجسد العجوز لروّاد المنتجع جنبًا إلى جنب مع رسوخ شباب طاقم عمل الفندق: في تفاعل صامت بين كين، عاريًا على طاولة التدليك، ومُدلّكته المراهِقة؛ يأتي الموقف محرجًا ومألوفًا بطريقة مبتذلة؛ اعتراف بلا جدوى جاذبيته الجنسية في تلك اللحظة وخوف من الحكم وشبه اعتذار عن قيوده الجسدية الخاصة.

دوافع الشخصيات ومساراتها تبدو غير مرتبطة بحبكة من أي نوع وليس واضحًا، هل هذه حكاية بالينجر أم إنها بطولة جماعية، الأمر الذي يؤدي إلى مشاهد معتبرة ومشروحة بالكاد مثل مشهد الممثل الشاب جيمي (بول دانو) مرتديًا زي هتلر في قاعة الطعام الفاخرة، مشهد عبثي يأتي كمزيج بين سينما روي أندرسون وديلبرت مان وسط نكات متكررة حول انتفاء العصمة البدنية والعقلية للمسنّين. في أحد المشاهد المُعاد توظيفها بطرق مختلفة يستدعي سورنتينو معبوده فيلليني ويمكننا القول بأن مشاهد المسبح واحدة من عديد التلميحات المباشرة وغير المباشرة إلى فيلم "ثمانية ونصف" لفيلليني.

هناك أداء شجاع من مايكل كين وليس بالضرورة جيدًا. على الورق، يبدو الدور أكثر دسامة من أدوار الجدّ العجوز في أفلام كريستوفر نولان التي يعرفه من خلالها "شباب" اليوم، ولكن ذلك يكون محجوزًا لأجل نقطة تحوّل/كشف فعّالة للغاية لا يمنحها له سورينتينو الذي يبدو وكأنه يخاف على ممثله العجوز من تحمّل الأوزان الثقيلة. المثال الأبرز على ذلك هو المشهد بين كين ووايز في منتصف الفيلم تقريبًا حين تعطي الأخيرة خطابًا هستيريًا وشاجبًا عن كلّ خيباته كأب وزوج، حيث تنكبّ الكاميرا على راشيل وايز في لقطات مقرّبة. الجزء الأصعب بخصوص التمثيل هو التفاعل، وكين يترك الصورة تمامًا فيما يفترض أنه المشهد الذي سيخبرنا أكثر عن شخصيته.

مشكلة فيلم "شباب" أن دوافع الشخصيات ومساراتها تبدو غير مرتبطة بحبكة من أي نوع وليس واضحًا

 محاولة أخرى في ختام مسيرة سينمائية نلقاها عند هارفي كيتل مع قدر أكبر من المتعة باعتبار ميك، الشخصية التي يؤديها، رومانسي يدلي بحكمته من خلف قناع ساخر. بعد مسيرة من الظهورات الغامضة في أفلام الآرتهاوس الأوروبية مع مخرجين مثل ثيو أنجيوبولوس وإيتوري سكولا ولينا فيرتمولر، يبدو وأن كيتل يعلم أن لديه القليل لإثباته وطريقته لتلبّس الدور تبدو في متناول اليدّ بعكس روتين الشخص الرواقي والعبقري المعذّب الذي ينتهجه مايكل كين.

"شباب" فيلم مختلط تتفاوت جودته بصورة عشوائية على أساس قاعدة المشهد المنفصل عن باقي الفيلم. الكثير من السينماتوغرافيا المبهرة لسورنتينو ومدير تصويره لوكا بوغاتزي تمّ اعتراضها برعونة من قبل الصور المنشأة بواسطة الكمبيوتر (CGI)، وطاقم التمثيل المثير للإعجاب تخلّلته بعض العناصر غير المطابقة للمواصفات مع انعطافات نصّية من الدقة والحركية نحو الابتذال المحض؛ وأحيانًا يحدث هذا في الجملة نفسها، مع رخاوة بادية في بناء الفيلم وغرابة المضمون بين الحين والآخر. الكثير من ذلك يمكن غفرانه لولا وجود ذلك الشعور بأن هذا الفيلم هو نتاج طبيعي لإعادة تدوير المخرج لنجاح ثيمات فيلمه السابق.

 هناك اختلاف طفيف بين الفيلمين: بينما استكشف "الجمال العظيم" ضجر الرجل وسأمه في سنوات شَفقه، نجد أن أفضل أجزاء "شباب" ركّزت كثيرًا على الاضمحلال المادي للجسد الإنساني، ولكن يتلاقى مسار الفيلمين في منطقة ثيماتيكية شائعة للغاية معطوفًا على التشابه في بعض الشخصيات المستهلَكة سينمائيًا. تلك الألفة المليلة تعني أن التأثير العاطفي المنشود من الفيلم لن يجد موضع قدم ليقدّم نفسه، ولا يبقى شيء من المتعة سوى في فترات متقطّعة من البهاء البصري والتميّز الفنّي.

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "سيكاريو".. حروب أمريكا الخاسرة

الفتاة الدنماركية.. أول قصة تحول جنسي