22-نوفمبر-2015

من الفيلم

"العبور" فيلم وثائقي للمخرج الهندي جورج كوريان، بنى فكرته عندما التقى في القاهرة بالشاب السوري نبيل، خريج المعهد العالي للموسيقى. بدأ التصوير معه عندما عرف عن نيته للهرب من مصر عبر البحر إلى أوروبا، ليتعرف فيما بعد على أصدقاء نبيل في رحلته، فقرّر متابعتهم في مصر، ومن ثم انتظارهم في إيطاليا ليتابع التصوير معهم في باقي أنحاء أوروبا.

يركز فيلم "العبور" على شخصية السوري الذي غالبًا ما يتمتع بالتحصيل العلمي والخبرة والإبداع

يختلف الفيلم عما سبقه من الأفلام التي توثق حياة اللاجئين السوريين، بأنه لم يختزل معاناة اللاجئ عبر طريق رحلة اللجوء فقط، رغم صعوبتها وخطورتها، وإنما يركز على شخصية السوري الذي غالبًا ما يتمتع بالتحصيل العلمي والخبرة والإبداع، وكيف أن الخيار الأوروبي لم يكن رغبة بمقدار ما كان حاجة للأمان، في زمن افتقاد السوري إليه وحاجته له كي يتابع حياته.

"كل شي بنيتو خلال 30 سنة.. بلحظة وحده انهار"، يقول نبيل. ابنة عليا تغني لها على الهاتف "عبيوتنا بدنا نرجع.. ما بدنا بحارتنا مدفع.. لازم هالعالم يسمعنا.. يوقف معنا ويساعدنا.. عمتسمعونا منيح؟". تجيبها عليا: "نحنا عمنسمعك ياحبيبتي، بس مافي حدا غيرنا عميسمعك". لم يصورهم الفيلم على أنهم أرقام، رصد حبهم للحياة، قوتهم، قدرتهم على التأقلم بسهولة في مجتمعات متحضرة، لحظات ضعفهم ولحظات تألقهم. معاناتهم في سبيل أن يتقبلهم المجتمع الجديد ليستطيعوا استعادة ذواتهم التي فقدوها بفقدانهم لوطنهم ولأعمالهم التي يحبونها. "ما كنت متوقعة أوروبا الجنة.. بس ما كنت متخيله هيك"، تقول أنجيلا بصوت مخنوق.

شخصيات الفيلم متنوعة ومثيرة للاهتمام كمارسيل ومي وعليا وقطوف، لكن جورج كوريان اعتمد على أربع شخصيات رئيسية، نبيل عازف العود والمؤلف الموسيقي، وأنجيلا المراسلة التلفزيونية، ورامي خبير المعلوماتية، وعفاف الصيدلانية مع ابنها. وعند سؤال المخرج عن السبب قال لـ"ألترا صوت": "لأن مدة الفيلم المخصص للعرض التلفزيوني لا تسمح بأكثر من خمس وخمسين دقيقة، علمًا أنني أعمل الآن على فيلم سينمائي طويل يصور تفاصيل الشخصيات". 

الفيلم ينقسم إلى ثلاث مراحل أساسية في عملية التصوير، الأولى يصور فيها مرحلة الإعداد للرحلة في القاهرة والتعرف على الشخصيات، المرحلة الثانية في الفيلم تبدأ من السفر إلى الإسكندرية والمخاطر والأحداث التي مرت بها المجموعة على القارب وصولًا إلى إيطاليا، التي صورها رامي عرموني بعدسة كاميرته الصغيرة في هذا الفيلم، أما المرحلة الثالثة فهي من إيطاليا إلى أماكن اللجوء التي اختارها كل من الرفاق، ليصور جورج في سبعة دول مختلفة، المرحلة الرابعة هي بعد فترة زمنية من اللجوء حيث يبين فيها مشاعر المهاجرين بعد الاستقرار المؤقت.

تقنيًا، الفيلم مشغول بأدوات بسيطة ورغم ذلك، استطاع المخرج توليف المشاهد بطريقة انسيابية مبدعة، فالانتقال بين اللقطات وتوظيف الموسيقى في مكانها، كان له كبير الأثر، كذلك اعتماده على المشاهد وكلام أبطاله، بلا إضافات صوتية منه، إنما وضع كتابة على المشهد عند الحاجة فقط.

تنتقل عدسة المخرج الهندي جورج كوريان بين سبعة دول لترصد معاناة السوريين

فيلم يأسر المشاهد أيًا كان انتماؤه، ويحبس أنفاسه من لحظة البدء حتى النهاية، ويعود الفضل إلى جهود هؤلاء السوريين في التصوير والموسيقى التي عزفها نبيل على عوده متمثلًا لحظات المعاناة والفرح في قلب كل سوري. إخراجيًا، يبدأ الفيلم من لحظة وصول ناقلة نفط لتنقذ رفاق الرحلة من على المركب المتهالك، لتنتقل المشاهد إلى القاهرة، وتعريفنا بالشخصيات، ومن ثم ننطلق معهم في رحلتهم، وصولًا إلى إيطاليا، وهولندا وألمانيا وبلجيكا والسويد تنتقل العدسة بين هذه الدول وبين مصر، لتنهي المشهد الأخيرة من حيث ابتدأ الفيلم، لحظة تيقن المجموعة من أنهم أنقذوا.

"عندما كنت على متن القارب، كنت متأكدًا أن هنالك لحظة نهاية أعبرها، ولكن أثناء عملية اللجوء أشعر وكأن ليس هنالك نقطة نهاية، كل شيء يصبح منطقة رمادية واحدة"، يقول رامي. فيلم "العبور" إنتاج نرويجي، تم عرضه على قناة سويدية وهولندية ودنماركية، ويتوقع أن يعرض في أكثر من قناة تلفزيونية أوروبية، ونتمنى أن يعرض في تلفزيونات عربية ليطلع الجمهور على العربي على فصل آخر من مأساة السوريين.

اقرأ/ي أيضًا:

8 نظريات تفسّر استمتاعنا بأفلام الرعب

"درب الصليب".. ومن الإيمان ما قتل