23-فبراير-2017

لقطة من الفيلم

يعيش صيّاد فقير من كوريا الشمالية مع زوجته وطفلته الوحيدة، على صيد السمك من نهر قريب من نقطة تماس بين الكوريتين، الحظ العاثر لهذا الشاب يجعل محرّك قاربه يتعطّل لتقوده الأمواج إلى الجزء المخصص لكوريا الجنوبية، وهُنا تبدأ حكاية فيلم "الشبكة" الذي يتناول الانقسام السياسي بين البلدين، وكُلّ ما له علاقة بهذا الواقع العجيب الغريب.

هناك يتعرض الشاب الصيّاد، للتعذيب الجسدي والنفسي ليعترف بما لم يفعل، أي بكونه جاسوسًا من كوريا الشمالية الجارة العدو، حيث يتقن تقديم مشاهد تعذيب عناصر الأجهزة الأمنية ويماطل فيها فنيًا، حتى يتمنى الُمعذب الموت، وفعلًا يحاول الصياد الانتحار أملًا في الخلاص من التعذيب اليوميّ لكن مساعدًا للمحقق يتعاطف معه ويحاول جاهدًا إنقاذه.

سيسأل من يعرف المخرج "كيم دو دوك" سؤالا أمام كل فيلم جديد يقدمه: كيف سأتعرض للصدمة هذه المرة؟

فيلم "الشبكة" (114 دقيقة)، للمخرج الكوري الجنوبي "كيم دو دوك" الذي قدّم عملًا متقنًا يحاكم فيه أيديولوجيا البلاد المنقسمة، وما يرتبط بها من ثقافة وواقع اقتصادي وكره وخوف من الآخر.

سيسأل من يعرف المخرج الكوري الجنوبي "كيم دو دوك" سؤالًا أمام كلّ فيلم جديد يقدمه، مفاده: أين يحط هذا المخرج المليء بالقسوة والرغبة بصدم البشر هذه المرة؟ فأفلامه تبدع في ذلك لدرجة أن البعض لا يحتمل مشاهدتها.

اقرأ/ي أيضًا: ختام مهرجان برلين الـ67.. ما الأفلام الفائزة؟

المخرج الذي يتقن تقديم أساليب وأفكار بصرية صادمة، ورسائل لا سابق لها، ينتج ويكتب السيناريو ويخرج ويصوّر لوحده، مُقدّمًا أعماله الواحد تلو الأخر مؤسسًا مدرسة جديدة في تناول الموضوعات الواقعية ينال عليها الجوائز دومًا.

ونسأل هنا: إلى أي مدى يمكن أن يشعر من يعيشون حالة الانقسام السياسي وما يرتبط بها، بحكايات انقساماتهم وبواقعهم العجيب الغريب؟

هذا الواقع المفرط في الانقسام قادر على انتزاع بعض الضحكات لفرط المفارقات رغم بشاعة السلوك السياسي القائم على الخوف من الآخر والرغبة بهزيمته مهما كان الثمن، وأي ثمن أكبر من تحطيم النفس البشرية وسحقها وكأنها دمية بيد حفظة أمن النظام وسدنته.

جزء من التحقيق كان يقتضي إخراج هذا الجاسوس الصبور إلى العاصمة ليلتقي بمشغليه المزعومين، مع الإبقاء على مراقبته، وهناك يفتح عينيه مُجبرًا ليرى ما يصدمه حضاريًا حيث المباني الشاهقة والأضواء والحداثة، لكن هذا كله لا يشكل ما يجعل الإنسان سعيدًا من وجهة نظره، فلا شيء يضاهي العودة إلى كوخه حيث عائلته وحياته البسيطة.

لا يريد المخرج هنا أن يدين طرفًا على حساب آخر، بل يلعب على مفارقة كوميدية سوداء ليقدم إدانته للطرفين، وبمجرد عودة هذا الصيّاد تتسلمه الأجهزة الأمنية في كوريا الشمالية ليتلقي صنوفًا من العذاب، تمامًا كما تمت معاملته سابقًا طمعًا بالاعتراف بكونه أصبح جاسوسًا.

اقرأ/ي أيضًا: بين فيلمي "saving private rayan" و"Hacksaw ridge"

مفارقات كوميدية صادمة تنزع الابتسامة في ظلّ قمة الحزن، برع بها المخرج مستغلًا حاجات الحزب الحاكم الدعائية، وتعبيرات البطل عندما يردد شعار الحزب الحاكم في بلدته. الخ.

يعود إلى بيته بعد أن أثخن جراحًا وتعذيبًا، وبعد أن أدرك حقيقة الأيديولوجيا المتبعة في البلدين المنقسمين، وبكونهما وجهين لعملة واحدة، يكون قد فقد مبرر وجوده إلا من رغبته بالعمل أملًا بكسب رزق عائلته التي يبدو أنه خسرها.

يعد فيلم "الشبكة" للمخرج الكوري الجنوبي "كيم دو دوك" عملًا متقنًا يحاكم أيديولوجيا البلاد المنقسمة

النهاية الموجعة والصادمة تتمثل في منعه من الأجهزة الأمنية من ممارسة مهنة الصيد، يقول له الضابط على حدود النهر: "جرّب مهنة أخرى"، لكنه عند هذه النقطة تحديدًا "لم يكن يفرق معه أي شيء" فيرفض الانصياع لقرار الجنود بالتوقف عن دفع القارب إلى الماء ويخوض في النهر عميقًا شاقًا عباب الماء بعد أن صرخ بأعلى صوته، لتعاجله رصاصات الجنود.

يشترك الطرفان السياسيان بالنظرة العامة للإنسان، وهي نظرة لا تراعي إنسانيته البتة، وأمام الرغبة بالانتصار يكون التغاضي عن كل ما من شأنه التعامل الإنساني، فكلا الطرفين عذّبه، وأتقن ذلك، وحتى عندما يطلقان سراحه يكون الهدف الحصول على صورة صحفية يستغلانها في تقديم نفسيهما للعالم عبر وسائل الإعلام.

"الشبكة" حفر سينمائي في كيف تُدمّر الأيديولوجيا البشر، كيف تقتل أرواحهم مجازًا وماديًا أيضًا، وشبكة المخرج "كيم دوك" لا تستثني أحدًا، وهي رسالة مفيدة للفلسطينيين وعليهم التقاطها، طالما يكتوون بنيران الانقسام منذ سنوات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "أفراح صغيرة"..عوالم سرية لنساء المغرب

فيلم "Man of the year": كيف تختار أمريكا رئيسها؟