12-سبتمبر-2023
libya

يتوقع أن تتزايد حصيلة ضحايا الفيضان المدمّر في ظل فقدان آلاف آخرين (Getty)

 

ما مضت إلا أيام قليلة على كارثة الزلزال في المغرب، حتى أفاق النّاس على مصيبة أخرى وقعت في ليبيا؛ إذ أدت عاصفة دانيال المتوسطية إلى وقوع فيضانات مدمرة في ليبيا، فاجتاح طوفان الماء أحياء مأهولة بأكملها، ودمّر منازل كثيرة في بعض المدن الساحلية في الشمال الشرقي للبلاد، وأودى بحياة أناس كثيرين، في حين ظل مصير الآلاف مجهولًا بعد فقدانهم خلال العاصفة.

لم تشهد ليبيا حالات فيضان واسعة النطاق منذ عام 2019، حينما توفى 4 أشخاص بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حينها

ولم تشهد ليبيا حالات فيضان واسعة النطاق منذ عام 2019، حينما توفى 4 أشخاص بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ففيضانات هذه السنة هي الأولى من نوعها بعد تلك الحادثة. ولا شكّ أنّ هذه الكارثة الطبيعية فاقمت الوضع المأساوي الذي تمر به البلاد، خاصةً في ظل حالة الانقسام والصراع الدائر فيها. 

libya

وكانت العاصفة دانيال قد ضربت بلدانًا أخرى قبل بلوغها الأراضي الليبية؛ ففي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أوقعت هذه العاصفة دمارًا كبيرًا في بلغاريا واليونان وتركيا، وهي إلى ذلك تسببت بهطولات مطرية غزيرة أغرقت البنية التحتية في البلاد. وقد أعلن المركز الوطني الليبي لخدمات الأرصاد الجوية أنّ إجمالي هطولات الأمطار بلغ 414.1 ملم على مدار 24 ساعة في مدينة البيضاء وحدها، في حين بلغت الهطولات المطرية 170 ملم في الأبرق في منطقة درنة.

كارثة بشرية في درنة

تسببت عاصفة دانيال بفيضانات هائلة خلّفت خسائر بشرية فادحة في البلاد؛ إذ تشير التقديرات الحالية إلى دفن قرابة 4000 جثة في مدينة درنة، منها 3650 في مقابر جماعية، جراء الفيضانات الواقعة في دلتا وادي درنة الصغير على الساحل الشرقي لليبيا. وتبين الصور والفيديوهات الواردة من درنة حجم الدمار الذي لحق بالمدينة ومنشآتها؛ فقد انهارت أربعة جسور ومبنيان وسدّان ضمن المدينة، وغرقت الشوارع بالمياه الموحلة إثر الفيضانات. 

وسرعان ما أعلن أسامة حمّاد- رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان- درنة منطقةً منكوبة بعدما دمّرت الفيضانات والأمطار جزءًا كبيرًا من المدينة. وأشار حمّاد إلى وجود الآلاف من المفقودين الذين تعذر معرفة مصيرهم بسبب الدمار في أرجاء المنطقة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الهلال الأحمر الليبي في بنغازي قدر عدد القتلى بنحو 250 شخصًا، بيد أنّ أجزاء المدينة الأشد ضررًا ما تزال معزولة كليًا، ويكاد يستحيل الوصول إليها حتى الآن، ولهذا يطغى التضارب على المعلومات الخاصة بإحصاء أعداد القتلى والمفقودين، والتي يتوقع أن تبلغ الآلاف. 

وقد صرّح بعض الزعماء المحليين بأنّ الوضع في المدينة أصبح "كارثيًا وخارجًا عن السيطرة"، في حين رجّح مسؤولون آخرون أن تبلغ أعداد المفقودين في مدينة درنة 5 أو 6 آلاف شخص من أصل سكانها البالغ عددهم 100 ألف نسمة. وكان الهلال الأحمر الليبي قد أشار إلى مصرع ثلاثة متطوعين لقوا حتفهم في أثناء مساعدة بعض العائلات العالقة في المدينة.

بالإضافة إلى ما سبق، تعرضت البنية التحتية في المدينة إلى أضرار جسيمة، وانقطعت أغلب الخدمات الأساسية فيها بحسب كلام الدكتور هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية الليبية. وقد شرح شنيب حقيقة الوضع في أحاديث مع وسائل إعلام عربية وأجنبية إذ قال: "لا يوجد في درنة اتصال إنترنت ولا كهرباء.. فحجم الكارثة التي ألّمت بالمدينة يتضخم بمرور الوقت".

 

أضرار شديدة في مدن أخرى

لم تقتصر الأضرار التي أحدثتها عاصفة دانيال على درنة وحدها، إذ نالت مدينة البيضاء نصيبها من الفيضانات والخسائر البشرية والمادية. وقد فقد الاتصال بخمس جنود من قوات الشرق رفقة آلياتهم، بعدما ذهبوا لمساعدة الأشخاص العالقين في مدينة البيضاء، التي قُدّر عدد الوفيات فيها بـ 46 شخصًا حسب كلام عبد الرحمن مازق، مدير المركز الطبي في المدينة. وأفادت منظمة الهلال الأحمر الليبي بمقتل أحد العاملين فيها في أثناء مساعدته أسرة عالقة في البيضاء.

وتعالت أصوات محلية في البيضاء لمناشدة المسؤولين بالتدخل العاجل ومساعدة الأهالي؛ فالسيد صفي الدين بو هيبة، وهو عضو في مجلس مدينة البيضاء، قال بأنّ الوضع في المدينة مزرٍ وخارج عن السيطرة. وتابع كلامه: "نشعر بأسف شديد إذ نقول إننا عاجزون عن السيطرة على الوضع، لذلك نطالب المسؤولين الحكوميين بالتدخل وتقديم يد العون. فالحكومات مسؤولة ولا ريب عن حياة الناس، لذلك نطالب الأجهزة الأمنية بمدّ يد العون لنا".

ومن جهة ثانية، أعلنت السلطات الحكومية عن وفيات جديدة في مدن ومناطق أخرى؛ إذ أُبلِغ عن مقتل سبعة أشخاص في مدينة سوسة الساحلية شمال شرقي ليبيا، في حين أشارت وزارة الصحة إلى وفاة سبعة آخرين في بلدتي شحات وعمر المختار، وأُبلِغ كذلك عن وفاة شخص في بلدة المرج التي غمرت مياه الأمطار حقولها ومزارعها.

 

ما بعد الكارثة

توالت الردود الرسمية والحكومية تباعًا بعد وقت وجيز من وقوع الكارثة؛ فالبرلمان في شرق ليبيا أعلن الحداد ثلاثة أيام على ضحايا هذه الكارثة، وكذلك فعل عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من الأمم المتحدة، فأعلن الحداد لثلاثة أيام في جميع المدن المتضررة، ووصفها إياها بـ "المناطق المنكوبة". ولم يكتف الدبيبة بهذا الأمر، وإنّما وجّه أوامره للوكالات والمنظمات المعنية بضرورة المساعدة في عمليات البحث والإنقاذ، وأكدّ على إرسال قوافل إغاثة إلى "جميع المدن المنكوبة".

وبطبيعة الحال كثفت الجهات الحكومية عمليات البحث لإنقاذ الأشخاص العالقين، ومحاولة العثور على المفقودين، وفرضت السلطات حالة الطوارئ القصوى وحظر التجول، وأغلقت المدارس والأسواق والمتاجر. من جهة أخرى، أطلقت المؤسسة الوطنية للنفط، المسؤولة عن حقول ومحطات نفطية في شرق البلاد، حالة "التأهب القصوى"، وأوقفت جميع الرحلات الجوية بين مواقع الإنتاج، خاصة أن النشاط فيها تراجع تراجعًا كبيرًا. ومن الجدير ذكره أنّ الحكومة الليبية استبقت وقوع العاصفة، فأغلقت 4 موانئ نفطية يوم السبت الماضي، وهي لانوف والزويتينة والبريقة والسدرة.

 

تضامن عربي ودولي

استحوذت هذه الكارثة الضخمة على اهتمام المنظمات العالمية والبلدان العربية والدولية؛ إذ أعلن البرلمان العربي عن تضامنه ودعمه لليبيا للتغلب على هذه المحنة التي عصفت بها، وطالب الهيئات والمنظمات الدولية بضرورة التحرك لمساعدة ليبيا في تجاوز التداعيات المدمرة للعاصفة، وناشدهم الإسراع في تقديم الإعانات وفتح الجسور الجوية والممرات الآمنة. وأفادت وكالة الأنباء القطرية الرسمية أنّ أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أصدر تعليمات مباشرة للحكومة القطرية حتى تشرع في إيصال المساعدات إلى المدن المتضررة في ليبيا.

وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إنّ الملك الأردني عبد الله الثاني أصدر توجيهاته المباشرة بتقديم العون والمساعدة الضرورية للشعب الليبي. وأعربت دول عربية أخرى عن تعازيها ودعمها لليبيا في هذه الكارثة، في حين أعلنت تونس والجزائر عن تسخير جميع إمكانياتها دعمًا لليبيا في مواجهة تداعيات العاصفة.

أما تركيا فقد أعلنت عن إرسال فرق تدخل طبي وإنقاذ للمساهمة في التعامل مع عواقب الكارثة التي ضربت البلاد. 

وعلى صعيد آخر، أكّدت جورجيت غانيون، منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في ليبيا، أنّ التقارير الواردة تشير إلى تضرر عشرات القرى والبلدات الليبية، لا سيما في ظل الفيضانات الشاملة والأضرار الشديدة في البنية التحتية والخسائر البشرية. ونشرت غانيون تغريدة في منصة إكس قالت فيها: "ينتابني حزن عميق للتداعيات الهائلة للعاصفة دانيال على ليبيا.. ومن منبري أدعو جميع الشركاء المحليين والوطنيين والدوليين إلى التعاضد، والمبادرة إلى تقدم مساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين في شرق البلاد".

ما يزال من الصعب الجزم بأعداد الضحايا في ظل استمرار فقدان الآلاف من المواطنين جراء الفيضانات 

كذلك نشرت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية تغريدة قالت فيها إنّها على تواصل دائم مع الأمم المتحدة والسلطات الليبية، فهي تبحث معهم السبل الممكنة لإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة. أما تركيا، الحليفة للحكومة الليبية في غرب البلاد، فأعربت عن حزنها وتعازيها الحارة بهذا المصاب الكبير.