08-أبريل-2017

من غير المعروف تحديدًا متى وأين ظهر فن التلي في مصر (كريس بورونكلي/أ.ف.ب)

لعل الكثير من الفنون التي اهتمت بشؤون المرأة والتي عبرت بها عن ذاتها الإنسانية مثل القص والرواية والشعر قد حازت اهتمام النقاد والفنانين ونالت حظها من الاحترام والتقدير، ولكن فنًا من أهم فنون التطريز، التي برزت في جنوب مصر مثل فن التُلّي لم يحظ بلفت الانتباه إليه إلا مؤخرًا.

يستخدم التلي في الصعيد المصري لتزيين جلابيب النساء وطرحة العروس وهو يعتمد خيوط النحاس المطلية بالذهب والفضة

فن التلي بضم التاء واللام المشددة المكسورة يشير إلى نوع من التطريز المصري الذي يستخدم الخيوط المعدنية الفضية أو الذهبية اللامعة التي اعتادت النساء في صعيد مصر التطريز به وخاصة في محافظتي سوهاج والصعيد، حيث ووفقًا للتقاليد التي كانت سائدة هناك، يتم استخدام هذا النوع من التطريز في تزيين جلابيب النساء وطرحة العروس عند الزفاف. كان خيط التلي يصنع بالفعل من الشرائح من الذهب والفضة الحقيقيين، ولكنه يصنع الآن من خيوط النحاس المطلية بالذهب والفضة.

اقرأ/ي أيضًا: الزواج النوبي.. التزام بالجذور والذاكرة

وفقًا للدراسات التي كُتبت حول فن التُلّي، فقد عُرف بأنه أحد أنواع منسوجات "التريكو"، ويطلق عليه اسم التريكو حين يتم إنتاجه آليًا. لكن من غير المعروف تحديدًا مكان بدايات فن التلّي في مصر أو حتى زمن ظهوره بالتحديد، ولكن بعض المصادر ترى أن فن التلي قادم من خارج مصر في فترة محاولات المستثمرين الأجانب للاستثمار في صناعة النسيج في مصر إبان القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وبشكل عام مع بداية صناعة النسيج في مصر.

يتجلّى فن التلي في ملابس النساء وخاصة في ملابس المناسبات، الأفراح أو حفلات طهور الصبية الصغار أو حفلات الزار/الحضرة التي تقام في البيوت. وتتركز بشكل أخص فيما يستخدم من أغطية الرأس أو الكتفين والصدر وتتميز ألبسة النسوة المسنات باللون الأسود بينما تزهو ألوان الفتيات بالألوان الزاهية المتنوعة.

(yadaweya.com)التلي

ولعل من المظاهر المهمة في الثقافة الشعبية المصرية الاهتمام بزخرفة ملابس النساء لارتباطها بالدلالة على المكانة والقدرة المادية أو الوضع الاجتماعي لشخصية مرتديتها، لذلك الأقمشة "المتلاة" أو المزينة ذات أسعار مرتفعة ولذلك تكون المقدرة الاقتصادية هي الفيصل في اقتناء هذا النوع أو تركه. أما أسعار الخيوط نفسها فقد وصلت عام 2013 إلى 90 جنيهًا لبكرة الخيط الواحدة، أي ما يعادل 5 دولارات تقريبًا، ومن المؤكد أن هذا السعر تضاعف عدة مرات الآن خاصة بعد تعويم الجنيه.

وعلى الرغم من ازدهار هذا فن التلي في المناطق الفقيرة والشعبية في مصر إلا أنه موجود بمناطق أخرى في عالمنا العربي مثل الكويت، البحرين، الإمارات، قطر، السعودية، وحتى في الهند في تطريز الألبسة التقليدية هناك، وأيضًا في بعض بلدان المغرب العربي.

اقرأ/ي أيضًا: العرس الجزائري.. طقوس تقاوم النسيان

خرج فن التلي من المناطق الشعبية المصرية إلى الانتشار بين طبقات المجتمع الراقية والمتوسطة في مصر وإلى الموضة العالمية أيضًا

أما فن التلي نفسه فقد عاد ليصبح "موضة" من جديد بين طبقات المجتمع الراقية والمتوسطة في مصر في موجة العودة إلى الملابس التراثية. والجدير بالذكر أن فن التلي خرج إلى العالمية في نماذج لخطوط إنتاج من عمل مصممين فرنسيين بالإضافة إلى مجموعة ماري لويس المصرية الشهيرة في عرض أزياء أقيم بـ"كاروسيل دو لوفر" في باريس. وحظيت التجربة باهتمام وتقدير مصممي الأثاث أيضًا في معرض "ميزون أوبجي" في باريس الذي أقيم في كانون الثاني/يناير 2009، ومن بين ما طلبه أحد المصممين تنفيذ غطاء لحوائط أحد القصور القديمة في إنجلترا بدلاً من ورق الحائط، وتطلب هذا العمل دقة متناهية في التنفيذ قامت به مجموعة من فتيات إحدى القرى المصرية.

أهم موتيفات التُلي

"الموتيف" في عمل فن التلي، هو أصغر وحدة بنائية مفردة أو متكررة في العمل الفني، والموتيفات في فن التلي المصري هي مجموعة من الأشكال عبارة عن تصميمات تراثية تستخدمها الفتيات المطرزات للتعبير عن هويتهن، فهي تعتبر توثيقًا للأحداث المهمة المرتبطة بحياة الفتاة مثل ذهابها إلى المدرسة وإحاطة زميلاتها بها ومقتنياتها الشخصية وحتى موكب زفاف العروس من بيتها إلى بيت الزوج، وكذلك توقعاتها لمنزل الزوجية. فعلى سبيل المثال عندما تتخيل والدة العروس أن في المنزل نباتًا متسلقًا "اللبلاب" أو أنه يقع بالقرب من المسجد نجد على الطرحة تطريزًا على شكل نبات أو مسجد. وتتم الإشارة إلى العريس أيضًا على الطرحة من خلال موتيف الشجرة أو النخلة أو الجمل. هناك الكثير من الموتيفات المفصلة في كل بيئة وحسب طلب كل عروس.

فن التلي مثله مثل فنون كثيرة، تجعلنا دومًا نعتقد أن الانغماس في الذات والتدقيق والاهتمام بمفرداتها يحولها من أداة للتعبير عن الذات والبيئة إلى أداة عالمية تحظى باهتمام ومتابعة بل وقد يصل الأمر إلى الاستعانة بهذا الفن في بيئات أخرى ولتبقى عناصر تكوينه النابعة من سيرته التراثية العميقة أساس التشكيل والإحداث فيه.

موتيفات التلي (فيسبوك)

 

اقرأ/ي أيضًا:

نساء غزة يطرّزن ذاكراتهن

الصناعة السورية.. "ما ضل شي"