28-فبراير-2020

صورة تعبيرية من أحد أسواق المغرب (الأناضول)

أعاد الفقيه المقاصدي ورئيس اتحاد علماء المسلمين أحمد الريسوني فتح باب النقاش في المغرب حول موضوع "الفوائد البنكية وعلاقتها بالربا المحرم" وهو الموضوع الذي أثار الجدل منذ انتداب الإسلاميين لقيادة البرلمان المغربي وصدور قانون السلفات الصغرى الذي تعرض للنقد.

 أثار ملف الفوائد البنكية الجدل منذ انتداب الإسلاميين لقيادة البرلمان المغربي وصدور قانون السلفات الصغرى

أصدر الريسوني فتوى مفاجئة حول القروض البنكية لفائدة الشباب المغاربة بعدما وصفها بـ"قروض حسنة" وليست "ربوية"، الأمر الذي قسم الرأي العام المغربي، خصوصًا السلفيين الذين تفرقوا بين رأي مؤيد للفتوى وصاحبها وآخر معارض لازال يحتفظ بقناعتها الدينية.

اقرأ/ي أيضًا: ترسيم الحدود البحرية للصحراء.. ضربة استباقية من المغرب ضد البوليساريو

 

وأعلن الريسوني فتواه عبر تسجيل صوتي بثه الأسبوع الماضي على حسابه في "يوتيوب"، أشاد فيها بـ"التوجه الاجتماعي والإحساني" لبرنامج "انطلاقة"، أحد البرامج الثلاثة التي تضمنها "البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات" الذي أطلقه الملك محمد السادس قبل أسبوعين، ويهدف إلى دعم وتمويل مقاولات الشباب العاطل عن العمل، وخصص للمشروع غلاف مالي مهم.

"ربا" حلال

اعتبر أحمد الريسوني في فتواه أن القروض التي يقدمها برنامج "انطلاقة" الخاص بالشباب هي "قروض مُخففة ومضمونة ومُيسرة"، لأنها بنسبة فائدة لا تتجاوز 2% في المدن و1,75 في البوادي، وهي نسبة وصفها بـ"المخفضة، والتي لا تعطي ربحًا للبنوك ولا لأي مؤسسة أخرى"، وتعبر عن توجه لـ"وجهة شرعية محمودة، فهو إن لم يكن قرضًا حسنًا، فهو يقترب من مبادئ القرض الحسن".

الريسوني وفي الفيديو علل فتواه الموجهة للشباب بحجج تُفيد أن "القروض تحتاج إلى ملفات تدرس، وإلى أعمال إدارية، وخبراء لدراسة هذه المشاريع من حيث الجدوى والمردودية، فضلا عن المتابعة والمراقبة، لأنها قروض مضمونة من قبل الدولة، وهذه الخدمات والأعمال تتطلب أجورًا وتعويضات، تتحملها المؤسسات المقرضة، في حين تتحمل الدولة الهدر الذي يقع قطعًا، نتيجة طوارئ تقع، مثل الوفاة أو العجز أو الإفلاس وغيرها، ما يعني أن البنوك ستخسر من تلك القروض نصيبًا قل أو كثر، علاوة على احتمالات التضخم وتغير قيمة العملات".

وأضاف الريسوني: "إذا افترضنا أن هذه النسبة هي لتغطية كل هذه التكاليف والمصاريف والخسائر بشكل مساو أو أقل أو حتى أكثر قليلا، ففي هذه الحالة يعد القرض اجتماعيًا وإحسانيًا، وليس قرضًا ربويًا أصلا".

فتوى مُخالفة للشريعة

فتوى الريسوني أثارت موجة من الانتقادات، خصوصًا وسط السلفيين، الذي اعتبر عدد منهم أن رأي الريسوني مخالف لنُصوص الشريعة، في حين اعتبر عدد منهم أن الفتوى صحيحة لا علة فيها.

فتش الريسوني على حفيظة تيارات كثيرة شحذت انتقاداتها على خلفية فتوى الربا والفائدة المخففة

حماد القباج، أحد أشهر الأسماء السلفية في المغرب اختار أن ينشر فيديو على قناته في "اليوتوب" ينتقد من خلاله الفتوى التي أعلن عنها رئيس اتحاد علماء المسلمين متسائلا كيف تكون النسبة المتدنية من الفائدة "قرضا حسنا" وتكون النسبة المرتفعة "قرضا ربويا".

وقال المتحدث في الشريط: "لا أتصور في حدود علمي كيف يمكن أن نفرق بين النسبة المتدنية والنسبة المرتفعة، سواء من جهة التأصيلات الشرعية، أو من جهة الدراسات الاقتصادية، التي لا تمنع البنك من الربح حتى يكون هذا مناط للانتقال من التحريم إلى التحليل"، معتبرًا أن "تدني نسبة الفائدة لا يخرج بالمعاملة عن كونها من الظلم البين".

اقرأ/ي أيضًا: هكذا خذلت النقابات عمّال المغرب!

 

وأضاف القباج أن الربا يبقى ربا ولو بـ 0.5 %، والفائدة محرمة، ولا مجال للكلام من الناحية التأصيلية والاجتهادية، إلا في إطار فتح باب الضرورة من عدمه قائلًا: "الظلم الناتج عن الربا يجعل ثروة القلة تتضخم على حساب الكثرة، ويفرز لنا صنفين من المجتمعات، صنف يتنافس في الأكثر ثروة في العالم، وصنف يُزج به في أوحال الفقر والهشاشة بشكل يصل فيه الظلم إلى درجات مهولة".

حماد القباج: تأتي الفائدة البنكية في إطار نظام مالي عالمي رأسمالي متوحش يمارس أنواعًا خطيرة من الظلم على الناس ويفرض نفسه على الدول والحكومات

واعتبر الشيخ السلفي أن فتوى الريسوني تعكس تداخلًا بين مسألتين: مسألة اللجوء إلى القرض الربوية للضرورة والتي قيلت وطرحت، بغض النظر عن الصواب والخطأ فيها"، والثانية "انتقال حكم الفائدة من التحريم إلى التحليل بسبب انخفاض نسبتها، والحال أن هذه الفائدة تأتي في إطار نظام مالي عالمي رأسمالي متوحش يمارس أنواعًا خطيرة من الظلم على الناس ويفرض نفسه على الدول والحكومات".

رأي القباج لم يكن وحيدًا وسط أصوات تعالت تُندد بفتوى الريسوني من بينهم المعتقل السلفي السابق حسن الكتاني، والذي اكتفى بتدوينة قصيرة على حسابه في "فايسبوك" "سفّه" من خلالها رأي الريسوني، إذ قال "فتوى الريسوني عفا الله عنه لا توافق النصوص الشرعية، ولا تقريرات فقهاء الإسلام، فلعله يعيد النظر فيها بارك الله فيه".

ومن بين الآراء المعارضة لفتوى الريسوني، خرج الدكتور الاقتصادي والقيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي والوزير السابق نجيب بوليف ليُعارض "إجازة القروض للشباب" قائلًا: إن "الربا قليله وكثيره، له نفس الحكم، ولو كان الحق سبحانه يريد أن يفرق بينهما لما غفل عن ذلك"، مضيفا أن "الأبناك التشاركية المغربية والحمد لله موجودة لتقوم بما يلزم".

من جهته قال محمد طلال لحلو، الباحث في المالية الإسلامية في حديثه مع "الترا صوت" إن تعليل الريسوني في الفوائد اليسيرة "هو نوع من التطبيع مع الحرام، وتيسير لسبل الممنوع وتقليل من خطورة الربا في أعين الناس، وهي من أكبر الكبائر الموجبة للحرب من الله ورسوله والعياذ بالله".

وأضاف المتحدث أن تعليل الربا "يزيد من التضييق وتهميش البدائل من المالية الإسلامية والمعاملات الشرعية مثل المضاربة والمشاركة لتقاسم الأرباح والخسائر، والقرض الحسن الحقيقي المجاني"، و"يزيد من قوة نظام ربوي متسلط، عريق، قوي، محكم القبضة على الفقراء في العالم قاطبة".

لا حرام في القروض

الاحتدام بين علماء الدين حول الرأي الشرعي لم ينحصر على الرافضين للفتوى بل هناك من أيد رأي الريسوني، أمثال الباحث عبد الوهاب الرفيقي أبو حفص، الذي اعتبر أن الفتوى "خطوة متقدمة وصوت عاقل في سياق مكانة الرجل الاعتبارية عند تيارات وفئات داخل المجتمع".

وكتب الرفيقي تدوينة على صفحته في فيسبوك يُؤكد من خلالها على أنه "يأمل أن يكون رأي الريسوني بشأن مشروع تيسير المقاولات لحاملي المشاريع، بابًا لفتح نقاش مقاصدي وموضوعي، حول المعاملات البنكية الحديثة وعلاقتها بالمفهوم التقليدي للربا، وليس فقط اعتبار هذه القروض من باب الإحسان".

من جهته اعتبر الشيخ السلفي، عادل رفوش، مدير مؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث، في بث مباشر على فيسبوك أن الريسوني "كان مسددا في فتواه، وفتح بها للمسلمين والشباب والمحتاجين خاصة، بابا من أبواب التيسير، وهذا لا ينافي كونه يرى ما يراه العلماء قاطبة، مما هو قطعي في الشريعة من تحريم الربا بكل صوره".

وأضاف رفوش أنه "حين تسمع الفقيه يقول إن هذه رخصة، فهذا دليل على أنه يقول بتحريم الأصل، وأن هذه الرخصة جاءت لدافع معين، وفي حيز ضيق، لسبب من الأسباب، كما يقال في عموم الرخص". 

وزاد المتحدث إن هذه القروض "تدخل ضمن قروض الارتفاق التي تكون لمجرد الإحسان، والفيصل فيها بينها وبين الأنواع الأخرى من القروض، هو كون صاحبها لا يطلب عنها عوضا، وتكون منها الهدية والقرض والصدقة ونحوها من العقود الارتفاقية التي الأصل فيها الإحسان".

بين الواقع المعاش وصعوباته وفروض الأيدولوجيات والمصالح والرأي الشرعي يقف سؤال الإقراض والفائدة البنكية بلا إجماع أخير في المغرب

هكذا تعود إلى الواجهة قضية الفائدة البنكية والربا والإقراض مغربيَا، وهي قضية لم تغب بشكل يمكن تأكيده عن البلاد. خاصة في ظل تجاذبات حركة الواقع والإفقار والمستوى المعيشي الضنك والتجاذبات السياسية ولبوسها الأيدولوجي التي لا تقف محايدة جنبًا إلى جنب مع الثقافة الشعبية عند مساءلة الواقع المعاش.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل يحتاج المغرب إلى ضرائب جديدة أم إلى إصلاح ضريبي؟

مسيحيو المغرب.. أقلية دينية غير معترف بها رسميًا!