17-يناير-2017

أحد الكاراجات في بيروت (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

يستسلم اللبناني للزحمة الخانقة في شوارع بيروت، فيسلّم مجبرًا سيّارته لعمّال "ركن السيّارات" المنتشرين عند مداخل المطاعم والمقاهي بزيّهم الموحد، ليُزيل عن كاهله عبء البحث عن مكانٍ يترك فيه سيارته خلال فترة تناول الطعام أو معاقرة النرجيلة. قبل أعوام من تركّز النزوح صوب العاصمة وانفجارها سكانيًا، لم يكن لوظيفة الـ "فالي باركينغ" حضور في لبنان. ولم يكن أحد ليسمع عنها لولا انتشار المؤسسات التجارية ومرافق التسلية في مختلف الأحياء الشعبيّة والراقية على مساحة تضيق جغرافيًا يومًا بعد يوم بالأبنية التي تتسابق في الارتفاع، وأرتال السيّارات التي تسدّ منافذ الهواء في توقّفها على جوانب الطرقات أو في حركتها الدائمة على مدار الساعة.

تتحكم بكاراجات السيارات في بيروت مافيات مدعومة سياسيًا وحزبيًا وتقبض على إدارة الـ"فالي باركينغ"

عندما دخل عامل ركن السيّارات إلى "ألف باء" النزهات في المدن اللبنانية، وخصوصًا في بيروت، كان وقع الأمر طيبًا جدًا في نفوس من أنهكهم "اللّف والدوران" الذي ينتهي بهم إلى ركن سياراتهم بعيدًا والقدوم سيرًا إلى مقصدهم. وإن كانت كلفة ركن السيارة "بالوكالة" باهظة نسبيًا، مقارنةً بما تفرضه مواقف السيارات القليلة المتبقية في المدينة من بدل، "هين فلوسك ولا تهين نفوسك"، حكمة يحفظها اللبنانيون أبًا عن جد ويجدون فيها ما يبرر إنفاقهم على الكماليات في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة على القلب.. والمحفظة. إلا أن الراحة النفسية التي توفّرها خدمات "ركن السيارات" التي نشأت لتأطيرها شركات خاصة، سرعان ما تبخّرت. فلا الشركات نالت جميعها ترخيصًا، ولا العمّال التزموا بـ "أخلاقيات" تفرض عليهم الحفاظ على ممتلكات الآخرين. حتى بات تسليم السيارة إلى العامل المناسب، مسألة حظ.. يا تصيب يا تخيب.

أقرأي أيضًا: موسم الصيد العشوائي في لبنان.. أين القانون؟

يروي ضحايا الـ "فالي باركينغ" الجرائم التي ارتكبت بحقهم. كثيرة المواقف التي عانوا منها. البعض وقع في "الفخ" مرتين وأكثر. من الأولى لم يتعلم، وفي الثانية قال "بجرّب حظّي"، و"الثالثة كانت ثابتة" فقرّر من بعدها أن يركن سيارته بنفسه مهما كلّف الأمر. يتحدّث سمير بشيء من السخرية عن "الضرب" الذي أكله قبل أيام. يسخر من الأوضاع، من الحياة ومن نفسه في آن. فيقول: "توجّهت وصديقتي للاحتفال بعيد ميلادها في أحد المطاعم. سلّمت سيارتي إلى الـ "فالي"، ودخلت برفقتها للاحتفال. لكن "فرحتنا ما كملت"، حين خرجنا لنجد السيّارة مزيّنة بضبط مروري بسبب ركنها في "مكان ممنوع" وكان العامل "آدمي" فلم يرمِ به، ما وفرّ عليّ قيمته المضاعفة في حال تخلّفي عن دفع قيمته لعدم علمي به".

في الواقع، ما حدث لسمير بسيط جدًا مقارنةً بالمفاجآت غير السارّة التي أزالت "السكرة وأتت بالفكرة" عندما فوجئت إحداهن بأن مبلغًا من المال كانت تركته في محفظتها قد اختفى بعد أن تركتها مع العامل، وحين صُدمت أخرى عند رؤية مقدمة سيارتها مهشّمة بسبب تعريضها لحادث جراء السّرعة الزائدة و"التفحيط" الذي كان يمارسه العامل ليلهو ويبدد ساعات عمله.

تروي وفاء ما حدث لغيرها لتحمد الله على أن استهلاك البنزين الذي "فوّلت" به سيارتها وتناول ما كانت تركته فيها من سكاكر وسجائر "نعمة" مقارنةً بمصيبة سرقة السيارة بما فيها. فتشير إلى ما كانت سمعته عن أن أحد منتحلي الصفة كان ادعى أنه عامل ركن فتسلّم من إحدى الزبائن سيارتها. أدار محرّكها وفرّ بها إلى جهة مجهولة. وتضيف ضاحكة: "بعد ما سمعته وما أسمعه يوميًا عن كوارث الفالي، أدفع البقشيش بطيب خاطر و"حبة مسك" كلّما تسلمت سيارتي بكامل سلامتها. لأن مش كل مرّة بتسلم الجرّة".

اقرأ/ي أيضًا:

قطاع الأدوية في لبنان.. "مافيا" تقتل المواطنين

التدفئة في لبنان.. من قال وداعًا "للصوبيا"؟