11-يوليو-2016

تجهيز جماعي من الماء

شيء ما يربط هذا العالم الافتراضي ببعضه البعض. يكفي أنني بحثت عن "فأرة" جديدة لحاسوبي المنهك على موقع للتسوق الافتراضي حتى باتت تلاحقني إعلانات "الفأرات" على كل متصفحات هذا الكوكب العنكوبتي. أيام عديدة قضيتها بلا فأرة أستخدم فأرة اللمس ومؤشرات الهبوط والصعود في أقصى يمين لوحة المفاتيح خالية الملامح، وهو ما جعلني ألجأ إلى جوّالي تارة لأحقق رغبة ما تحولت إلى ما يشبه العادة، العادة التي ثقبت جدارًا ما في عقلي وتحولت إلى رغبة في "الدحل" و"السحل". نعم عاداتان خفيفتان على اليدين، ثقيلتان في ميزان تجليات حواسنا؛ دحل دولاب "فأرتي"، وسحل شاشة جوالي في كل اتجاه.

وصلت الفأرة الجديدة، وصلتها هناك في مدخل مخصص لاغتصاب الفراغ، وامتطيت دولابها بإصبع واحد، نشوة صغيرة أصابت إصبعي وهو يدحل حائطي الأزرق أمامي صعودًا وهبوطًا، بلا معنى يؤخر أو يقدم في تفاصيل النهار. 

من الدولاب الرشيق إلى فرشتي مستلقيًا أكمل سحل هذا الجدار هناك على شاشة جوالي التي تكبر يومًا بعد يوم، وفقًا إلى حاجتي لسحل ثوانٍ منهكة أمام ناظري بلا رحمة مني، أو شفقة بما سيحل بهذا العالم فيما لو غيّرت جدول مداعبة اليومي من على صهوة "فأرتي". 

تعال أيها الوقت اللئيم -شئت أم أبيتْ- وادحلْ أزرقَ أو أبيضَ، أو صورًا متحركة أو أخبارًا غبية. هيا أمامي أيها الوقت المقدس، سأدحلك بدولاب فأرتي الصغير، ثم سأسحلك بإصبعي عند كل محطة أو حديقة أو موقف، عند كل كرسي، لأصنع من جلدك بوستات وقصائد ملحمية. أنتظر أن يعجب بها الغرباء. سأحوّلك إلى لصّ لا شأن له سوى التربص بكل ما يفكر به الناس هناك: آراؤهم.. غضبهم.. شغفهم.. انفصاماتهم.. كرههم.. حبّهم.. سلامهم.. حربهم.. والشاي الأخضر.. والياسمين.. وصور بلاد الله الواسعة. 

ادحلْ إلى الأسفل.. توقف، أرني ما هذا، من هذا؟ لماذا كتب هذا؟ وكيف حدث هذا؟ توقف توقف يا دولاب فأرتي، توقفْ، اهدأ يا سهم فأرتي الغبي اهدأْ. 

تعبتُ من ركوب هذا الدولاب الصغير، تعبت من سحل كل ما وقعت عليه يداي، أنتظر الصورة الشعاعية لرقبتي في مدخل المستشفى المؤدي إلى ملعب لكرة القدم للأطباء المناوبين. وضعوا مسندًا لرقبتي يحافظ على مستوى نظر محدد، بعدما أنهك رقبتي هذا الدولاب الصغير. 

توقف أنت أيضًا أيها الطبيب الفرنسي من أصل يمني.. توقف أرجوك، كفَّ عن مناداتي يا "صاحب الجوال" فأنا مريض بلا دولاب يدحل هذه السماء الزرقاء لأرى إن كان بعدها أفق ما يفضي إلى دقيقتين أستلقي بهما هناك، إلى جانب أمي وهي تطوي ثيابنا الشتوية وتمازحني كي لا أغمض عيني وأنام.

اقرأ/ي أيضًا:

فان غوخ في قريتنا

الجرح الصغير على السبابة اليمنى