18-سبتمبر-2015

لا أحد يتحرك لأجل المخطوفين إلا أمهاتهم (سعيد خطيب/أ.ف.ب/Getty)

في قطاع غزّة، بات حقّ السفر ضربة من ضروب الحظ لمن يستطع انتزاعه. بينما، من انتزعه واستطاع العبور من خلال "معبر" رفح البرّي واختطف، فإن هذا سيكون أسوأ ما يمرّ عليه وعلى الفلسطينيّين في غزّة. حقّاً. والحال أن "المعبر" معروف بأنه بقعة الذل والقهر. ثمة من قال عنه: "نشعر هناك بأننا خُضروات مكدّسة في صناديق معدّة للتّصدير".

وبغضّ النظر عن ممارسات النظام المصري بحقّ الفلسطينيّين في القطاع ممّن أرادوا العبور من خلال الأراضي المصريّة، ثمّة أربعة قضايا إنسانيّة تمسّ حياة شخوصها الأساسيّة، شخوصها وذويهم. هؤلاء الذين ينتظرون. اختطف أبناءهم وهم ينتظرون. مرّوا عبر رفح، واختفطوا. وأهلهم ينتظرون.

كان من المفترض أن يتوجّه أبو لبدة إلى تركيا لإتمام دراسة الماجستير في هندسة الحاسوب

والدة المختطف عبد الدّايم أبو لبدة تريد البكاء. لكنها حاولت التماسك، ربما يشفع لها ذلك عند "الجهات المعنيّة"، فتعمل على إطلاق سراح إبنها أو إفادتها بمعلومات تحدّد مصيره على الأقل. و"الجهات المعنية" سؤال ضخم آخر، لا أحد يجد له إجابة. تقول أبو لبدة: "خرج ابني بطريقة رسميّة من خلال معبر رفح بعد أن سجّل اسمه للسفر بشكل طبيعي، وكان من المفترض أن يتوجّه إلى تركيا لإتمام دراسة الماجستير في هندسة الحاسوب بعد أن حصل على منحة دراسية". عبد الدّايم، وهو ابنها الوحيد، درس هندسة الحاسوب في جامعة الأزهر بغزّة. كانت والدته تدعمه باستمرار للخروج من القطاع لإكمال تعليمه الدراسي اعتقادًا منها أن حاله سيصبح أفضل. غزة والحصار وكل هذه المشاكل. فجأة صارت الأمور أخطر بكثير. "عبد الدايم ابني الوحيد إلى جانب شقيقته. هو من كان يعيلنا، فكان يعمل منذ صغره في أي حرفة يستطيع العمل فيها لتأمين مصروفه الشخصي ومصروف للبيت"، تقول والدته.

وحول الجدل المثار بخصوص الجهة الخاطفة، ترفض أبو لبدة التعليق على الأمر، مشيرة إلى أن ابنها لا يوجد له علاقة بأي من التنظيمات الفلسطينيّة أو غيرها. خروجه من أراضي القطاع كان لطلب العلم فقط. كما ترفض أيضًا، تحميل المسؤوليّة لأي جهة من الجهات المعنيّة لا في مصر ولا في قطاع غزّة، خوفًا على حياة المختطفين، وتطالب المتحدّثين بأسمائهم بالعزوف عن إلقاء الاتّهامات التي من شأنها أن توتّر العلاقات الفلسطينيّة المصريّة، ولا سيّما أنها ترى أن لا دخل للسلطات المصريّة فيما جرى مع مناداتها لهم بالعمل على إطلاق سراحهم في أسرع وقت ممكن.

لا تحرك جديًا حتى الآن للإفراج عن المخطوفين الأربعة في مصر

أمّا والدة المُختطف عبدالله أبو الجبين، فصارت فتعبر عن ألمها من اختطاف ابنها بكلمات هادئة لكنها تدل إلى معرفة وافية بسير الأحداث.. "ما نعرفه هو أنّ الشبّان اختطفوا من باصّ الترحيلات على بعد أمتار من معبر رفح، وهذا يعني أن الباصّ كان تحت السيادة المصريّة". كيف تم اختطافهم؟ وأين تم اقتيادهم؟.. "هذه أمور لا أحد منّا يعلمها ولا أدري متى سوف نعلمها". تبدي أبو الجبين قلقها الشّديد حول مصير ابنها، مناشدة الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي أن يعمل على إعادة الأربعة مختطفين.

لا يمكن لوم الأم: "قلوبنا كأمّهات تحترق، لا نحمل لمصر وشعبها إلا الحبّ، ابني مخطوف هناك، وأطلب من الجميع أن يطمئن قلوبنا عليه وأن يرحمونا. يكفي ما يفعله الاحتلال بنا، مصر كانت بمثابة طوق النجاة لنا فلتكن هكذا دائمًا". وعلى عكسها، أعلنت أم ياسر زنّون، وهو المختطف الثّالث، الإضراب عن الطعام. تشارك في كلّ فعالية "تضامن" يطلقها الفلسطينيّون في القطاع للمطالبة بالمختطفين: "سأتحمّل الإضراب عن الطعام رغم تراجع وضعي الصحي، فلا يمكنني أن أعيش وأتحمل الطعام والشراب ولا يزال مصير ابني مجهولًا". أم ياسر، بدورها، ناشدت مصر التعاطف مع الأمهات والعمل على إعادة المخطوفين.. "ابني سافر بطريقة رسميّة ولم أتوقّع ما حدث له".

ولا يمكن حصر قضيّة المختطفين بعلاقة الفلسطينيّين بغزّة وأحداث مصر الجارية، فهذه من شأنها أن تغيّر كلّ الحسابات القادة في التّعامل بين المنطقتين. إذ يبدي فلسطينيّون كُثر خوفهم من العبور من خلال الأراضي المصريّة بعد حادثة الاختطاف، خاصّة الممنوعين من السفر من حاجز "إيرز" الاحتلالي بسبب رفض إسرائيل لهم. ومنذ التّاسع عشر من آب/أغسطس وقضية المخطوفين ما زالت على حالها. حتى الآن، لا معلومات متوافّرة، ولا تحرك جديًّا لمعرفة مصيرهم، باستثناء قلوب الأمهات التي تخفق قلقًا.