20-مارس-2021

قد تشكل عودة دا سيلفا نهاية للإدارة الشعبوية اليمينية في البرازيل (Getty)

بعد أكثر من عامين على وصول الرئيس البرازيلي المحسوب على التيار اليميني المتطرف خايير بولسونارو للسلطة، حيثُ تشهد البلاد حالة من الاستقطاب نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البرازيل، إضافة لتقليله من مخاطر فيروس كورونا الجديد، برفقة تراجع المؤسسات الديمقراطية التي عمل الرئيس الذي يوصف بأنه "ترامب البرازيل" على تقويضها، يبدو أن الانتخابات الرئاسية المتوقع تنظيمها العام القادم، ستشهد تغييرًا – كما تشير استطلاعات الرأي على المستوى الوطني – بعد إلغاء تهم الفساد الموجهة للرئيس اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وفقًا للحكم الصادر مؤخرًا.

أصدر القاضي أدسون فاشين قبل أيام قرارًا يبطل تهم الفساد التي وجهتها محكمة كوريتيبا للرئيس السابق لولا دا سيلفا في نيسان/أبريل من العام 2018

إسقاط التهم الموجهة لداسيلفا

أصدر القاضي أدسون فاشين قبل أيام قرارًا يبطل تهم الفساد التي وجهتها محكمة كوريتيبا للرئيس السابق لولا دا سيلفا في نيسان/أبريل من العام 2018، ووصف القاضي قرار المحكمة التي حكمت على دا سيلفا في أربع قضايا فساد بأنها "غير مخولة" في البت بهذه الملفات، لتنتقل بذلك صلاحية صدور الأحكام للمحكمة الفيدرالية في برازيليا.

أقرأ/ي أيضًا: المشكلة اللاتينية.. التحولات الديمقراطية تطيح باليسار المأزوم

القرار المثير للجدل أعاد لدا سيلفا – الذي يمثل واجهة الرؤساء اليساريين الشعبويين في القارة اللاتينية – حقوقه السياسية، الأمر الذي يسمح له بالترشح لولاية ثالثة، في حال لم يقدم المدعي العام البرازيلي التماسًا أمام المحكمة العليا، بعدما واجه دا سيلفًا تهمًا بتلقي رشاوي لترجيح فوز شركات بناء في مناقصات متعلقة خصوصًا بشركة النفط البرازيلية الحكومية "بيتروبراس"، بينما كانت التهمة الثانية مرتبطة بأعمال تحديث مولتها مجموعات بناء في أتيباي في ولاية ساو باولو في جنوب شرق البلاد.

وكانت السلطات البرازيلية قد بدأت تحقيقًا عرف باسم "مغسل السيارات" في عام 2014، لكن سرعان ما تردد صدى التحقيق على المستوى العالمي، بعدما أظهرت التحقيقات تورط دا سيلفا إلى جانب الرئيس السابق ميشال تامر، والرئيسة السابقة ديلما روسيف، التي خلفت دا سيلفا في الرئاسة، لكنها عزلت لاحقًا بسبب فضائح اقتصادية وتهم فساد.

"مغسل السيارات".. ملخص موجز

أظهرت التحقيقات التي بدأت بتحقيق صغير في محطة بنزين وغسيل سيارات في مدينة برازيليا حينها، أن المحطة تستخدم لغسيل الأموال، إضافة إلى تصرف تجار الأموال في السوق السوداء بالنيابة عن أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة بتروبراس، حيثُ كانت الشركة تعتمد على دفع تعويضات للمقاولين مقابل الحصول على تخفيض يصل إلى خمسة بالمائة على الصفقات الموجهة إلى الشركة.

وأدين في القضية في وقت لاحق ما لا يقل عن مائة سياسي ومسؤول حكومي، إضافة لأربعة رؤساء سابقين، كما فتح في إطار القضية تحقيق مع 71 برلمانيًا، إضافة للتحقيق مع 238 عضوًا من أعضاء المجلسين في البرلمان البرازيلي من قبل المحكمة الفيدرالية العليا، وهو الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه ساهم بوصول بولسونارو إلى الحكم بعد تهم الفساد التي واجهت رئيسيّن يسارييّن على التوالي في أقل من خمسة أعوام.

تفاصيل القضية المثيرة للجدل شهدت تحولًا درامتيكيًا بعد التسريبات التي نشرها موقع ذا إنترسبت في عام 2019، فقد أظهرت التسريبات أن وزير العدل السابق سيرجيو مورو، الذي كان مسؤولًا عن تحقيق "مغسل السيارات" أجرى خلال تلك الفترة مراسلات عبر تطبيق تلغرام مع المدعي العام المسؤول عن الادعاء في القضية ديلتان دالانغول، حيثُ كان محور الرسائل تفاصيل القضايا وآليات العمل على القضية، وبالأخص فيما يتعلق بدا سيلفا.

وكما الحال مع دا سيلفا، فقد واجه الابن الأكبر لبولسونارو وعضو مجلس الشيوخ فلافيو بولسونارو تهمًا بغسل الأموال مع الأطراف ذاتها التي كان يهاجمها باستمرار، بينما أفضت القضية في النهاية إلى استقالة مورو من منصبه متهمًا بولسونارو بعرقلة العدالة، فيما أصدر وزير العدل البرازيلي أندريه ميندونسا – الذي عينه بولسونارو في منصبه خلفًا لمورو – قرارًا يقضي بإنهاء التحقيق المرتبط بقضية "مغسل السيارات".

هل يستطيع دا سيلفا تجاوز عقبات ترشحه لولاية ثالثة؟  

على الرغم من الغموض الذي يحوم حول ما إذا كان دا سيلفا يريد الترشح لولاية ثالثة في انتخابات العام القادم، فإنه في حال ترشحه عليه تجاوز مجموعة من العقبات التي تقف في طريقه، كما يرى الكاتب أندريه باجلياريني في صحيفة الغارديان، الذي ينقل عن وكالة بلومبيرغ أن عودة لولا للحياة السياسية كانت سببًا بانهيار أسواق البورصة والعملات "مما أدى إلى تسجيل أسوأ أداء لهذا العام".

فيما اعتبر مستثمرون في حديثهم لوكالة رويترز أن احتمالية التنافس بين دا سيلفا وبولسونارو في انتخابات الرئاسة القادمة "تضع اثنين من المرشحين الشعبويين في مواجهة بعضهما البعض، مما قد يؤدي إلى إفراغ أرضية (أحزاب) الوسط، التي تعتبر أكثر خصوبة للإصلاحات الاقتصادية التي تحتاجها البرازيل بشدة".

لكن الأهم في هذا السياق يبرز في السياسات الاقتصادية لحزب العمال الحاكم عندما كان دا سيلفا رئيسًا للبرازيل، خاصة بشأن السياسات التي انتهجتها الحكومة الفيدرالية ما بين أعوام 2003 – 2011، حيثُ ساهمت بانخفاض معدلات الفقر بين البرازيليين في مقابل ارتفاع عدد خريجي الجامعات، ويقول مؤيدو دا سيلفا إن ارتفاع الدخل لدى البرازيليين خلال فترة توليه الحكم دفعت بنحو 29 مليون برازيلي إلى الطبقة الوسطى.

دا سيلفا ضد بولسونارو

في تصريح غير متوقع أعلن نائب الرئيس البرازيلي هاميلتون موراو أنه يحق للناخبين التصويت لدا سيلفا إذا ما أراد الترشح لولاية ثالثة، وهو ما يشكل عقبة قد تقف في وجه طموحات بولسونارو بالفوز بولاية ثانية في انتخابات 2022.

تعود أسباب تراجع شعبية بولسونارو بين البرازيليين إلى نهجه اليميني المتطرف في إدارة البلاد، بالأخص بعدما تبنى حملة انتخابية تقوم على مكافحة الفساد من أجل الفوز بانتخابات الرئاسة في عام 2018، بينما تورط أبناؤه وأقاربه في العديد من قضايا الفساد وغسيل الأموال، وكذا تبنى بولسونارو خطابًا عنصريًا، فضلًا عن تصريحاته التي تهاجم مجتمع الميم والأقليات، حيثُ كانت تصريحاته المثيرة للجدل سببًا لتصنيفه ضمن قائمة الزعماء الشعبويين، الذي رفضوا اللعب وفقًا للقواعد السياسية التقليدية.

كما اتخذ بولسونارو مسارًا شبيهًا للسياسات التي اتبعها ترامب خلال فترة ولايته في البيت الأبيض، وهو ما دفع بالمحلليين والمراقبين لوصف إدارة بولسونارو بـ"الحديقة الخلفية" لسياسات إدارة الرئيس الجمهوري ترامب في القارة اللاتينية، وزاد منها سيره على نهج ترامب في تعاطيه مع مكافحة فيروس كورونا الجديد، الأمر الذي جعل من البرازيل ثاني أعلى معدل بالإصابات بين الدول على المستوى العالمي، بتسجيلها أكثر من 11 مليون إصابة بينهم أكثر من 290 ألف حالة وفاة.

كما شارك بولسونارو منذ ما قبل انتخابه رئيسًا في التجمعات المناهضة للديمقراطية مستلهمًا بذلك تجربة مثله الأعلى ترامب في الحكم، فقد أصدر مؤخرًا تصريحات تشكك بنزاهة الانتخابات البلدية التي أفضت لهزيمة غالبية المرشحين المدعومين من قبله، وبدأ منذ الآن يدعو مؤيديه لأن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة عبر بطاقات الاقتراع الورقية، زاعمًا أن عملية التصويت الإلكتروني ستكون عرضة للاختراق والتزوير بدون أن يقدم أدلة ملموسة على ذلك.

وإضافة لذلك فإن تقارير عديدة تحدثت عن تعاون بولسونارو مع أبنائه وأقاربه والدائرة المقربة منه على تقويض العملية الديمقراطية في البرازيل، بما في ذلك التقارير التي تحدثت عن أن اثنين من أبنائه متهمان بقيادة "مجلس سري"، يضم مجموعة من المستشارين المقربين يعملون على تنظيم حملات إلكترونية موجهة تستهدف خصومهم السياسيين والصحفيين، وكان أحد أبنائه قد طالب بإعادة تفعيل مرسوم من عهد الديكتاتورية البرازيلية يدعو لمراقبة الأخبار ومنع الاحتجاجات السياسية، فضلًا عن تعليق الحقوق الدستورية، وهو ما دفع بولسونارو للاعتذار عن هذه التصريحات لاحقًا.

وخلال فترة ولايته التي لم تتجاوز عامين ونصف العام حتى الآن سجلت البلاد زيادة بنسبة مبيعات الأسلحة بين البرازيليين تزيد عن 98 بالمائة في عام 2019، بينما سجلت زيادة بنسبة 120 بالمائة في العام الماضي، وهي نسبة تدعو للقلق في بلد يسجل سنويًا ما بين 50 إلى 60 ألف حالة وفاة بسبب الاشتباكات العنيفة بين منظمات الجريمة، ويأتي هذا الارتفاع بنسبة حيازة الأسلحة على الرغم من أن حملة بولسونارو الانتخابية تمحورت حول إصدار قرارات تحد من امتلاك البرازيليين للأسلحة، لكن الحال أصبح بتحول مؤيدي بولسونارو إلى تدجيج أنفسهم بالأسلحة لحمايته في حال خضع للمساءلة أو خسارته للانتخابات الرئاسية القادمة.

ماذا تقول نتائج أحدث استطلاع للرأي؟

بحسب ما تشير مجلة الإيكونوميست فإنه على الرغم من المنح المالية الضخمة التي خصصها بولسونارو للفقراء لاحتواء التداعيات الاقتصادية التي خلفتها الجائحة العالمية، فإن شعبيته بين البرازيليين انخفضت من 41 بالمائة إلى 31 بالمائة بسبب سوء إدارته لمكافحة الجائحة العالمية.

بينما قال 50 بالمائة إنهم سيصوتون لدا سيلفا إذا ما ترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، فإن 44 بالمائة رفضوا التصويت للرئيس السابق

 وبينما قال 50 بالمائة إنهم سيصوتون لدا سيلفا إذا ما ترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، فإن 44 بالمائة رفضوا التصويت للرئيس السابق، في حين قال 38 بالمائة إنهم سيصوتون لبولسونارو في مقابل رفض 56 بالمائة التصويت للرئيس الحالي.