29-مارس-2024
كتاب المرحلة الملكية

يشير كذلك الكاتب إلى ضرورة فهم المرء لنفسه ومشاعره تجاه الآخرين

التسليم، بهذه الكلمة يمكن تلخيص متن كتاب المرحلة الملكية، يقول الدكتور خالد المنيف في مقدمة الكتاب: "كلمة الملكية ترمز إلى أمرين كلاهما جميل؛ أولهما فخامة المرحلة وروعتها وثانيهما يعني أن حياتك ستكون ملكًا لك وستهنأ فيها بممتلكات واسعة من الفرح وراحة البال."

ببساطة هي المرحلة التي نتمكن فيها من تجاوز الجدالات غير المجدية بالصمت، والمعارك الصغيرة الجانبية بجعلها تعبر بسلام، وكذب المحيطين بالتغافل، على أن تكون نتيجة ذلك بطبيعة الحال راحتنا المستَجداة وليس الانهزام والانسحاب الجبان من الحياة.

يدعو الكتاب إلى تحري الصدق في الأقوال والأفعال، وأن تصدق الأفعال الأقوال وما يصدر عن الجوارح كذلك.

مضمون كتاب المرحلة الملكية

تقول مايا أنجلو "ربما لا تستطيع أن تتحكم في جميع ما يحدث لك، ولكنك تستطيع ألا تجعله يؤثر عليك سلبًا"، وفق هذا القول يدور معنى كتاب المرحلة الملكية الذي يصنف ضمن مجموعة كتب التنمية الذاتية، وهي مرحلة النضج المتقدمة التي يصل إليها الإنسان نتيجة مجموعة من الخبرات والتجارب على مر الزمن، مما يجعله قادرًا على التعامل مع مشكلات الحياة بطريقة أكثر اتزانًا وأشد عقلانية.

  • احفظ المسافة

يشير الكاتب خالد المنيف في كتابه إلى أهمية حفظ المسافات مع الناس وعدم تخطي الحدود في العلاقة وهو واحد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الحفاظ عليها، ويقتبس الكاتب قول أحلام مستغانمي حول هذا حيث تقول "الحب هو ذكاء المسافة، لا تقترب كثيرًا فتلغي اللهفة ولا تبتعد كثيرًا فتنسى. ألا تضع حطبك مرة واحدة في موقد من تحب".

  • كن واضحًا مع نفسك ومحيطك

يشير كذلك الكاتب إلى ضرورة فهم المرء لنفسه ومشاعره تجاه الآخرين، فيحدد علاقته بمن حوله ويفصل العلاقات ما بين صداقة أو زمالة أو معرفة أو حب أو إعجاب أوغير ذلك، وهذا من شأنه تخفيف الحمل عن كاهله من حيث تقديم الواجبات ومعرفة ما هو مهم مما هو أقل أهمية وأكثر أهمية.

  • التسليم

ولا تأخذ معناها المجرد دون السياق، فالمقصود بالتسليم هنا ليس الرضوخ للأمر الواقع والانهزامية وإنما عدم تحمل المزيد من العناء والمشقة في سبيل تغيير ما لا يمكن تغييره، وفي هذا يستشهد الكاتب بالآية القرآنية التي تقول: "ولا تذهب نفسك عليهم حسرات".

وقد تمت الإشارة لهذا المعنى من خلال العديد من كتب التنمية الذاتية ومنها كتاب السماح بالرحيل للدكتور ديفيد هاوكينز، حيث يشير إلى أن التعامل مع الموقف السلبي على أنه أمر واقع والسماح له بالعبور مع ما يحمله من مشاعر سيئة يساعد على تجاوزه لحد كبير. 

  • قلوب نقية..أحلام سعيدة

يقول الشاعر: دع المقادير تجري في أعنتها، ولا تبيتن إلا خالي البال، فخلو البال وراحته وصفة جيدة لنوم مريح، تمامًا كنقاء سريرة القلب، وفي هذا الأمر تحديدًا يشير الكاتب إلى مجموعة من القواعد التي يمكن اتباعها لنيل هذه الصفة وهي صفات من شأنها أن تنعكس على أفكارنا وسلوكنا:

  1. "حسن الظن، حيث يعتبر علامة لنبيل النفس حر الخلال محمود الشمائل. ويرجع إلى عقل رصين ولب أصيل"، فإن حسن الظن أحد أهم الصفات التي يحسن للمرء التحلي بها لما فيه من تجنب للفتن وإرضاء للضمير الكامن في النفس.
  2. استحضار آفة سوء الظن، حيث يعتبر سوء الظن علامة لدنو النفس ودناءتها، وتقديس المرء لنفسه بطريقة لا تعود بالخير عليه أو على من هم حوله، ولا بد بعدها من بتر العلاقة لما فيها من سموم وعلل.
  3. أصلح نفسك أولًا، ولا تنشغل بغيرك ولا تتطلع إلى ما هو عليه ولا تجعلن من نفسك محورًا يدور حوله الكون، فإن هذا منافٍ للفطرة البشرية البسيطة، يقول الشاعر: سر على الأرض الهوينى    لا اختيالًا على رفات العباد
  4. "لا تصدق كل ما تسمع وصدق نصف ما ترى"، ولا يقصد هنا أن يكون المرء شكاكًا بنفسه وبمن هم حوله، ولكن أن يتجنب السماح لأي كلمة سيئة عن أي شخص بالعبور من سمعه إلى لسانه دون عرضها على العقل والقلب اللذان سينأيان بفطرتهما عن الخوض فيما ليس لهما علاقة به.
  5. تحري الصدق في الأقوال والأفعال، وأن تصدق الأفعال الأقوال وما يصدر عن الجوارح كذلك.
  6. لا تفترض أن الناس شياطين ولا تصدر نفسك ملاكًا، فإنه ما من شر مطلق وما من خير مطلق، وهذه قاعدة لو تيقنها المرء في سره وعلنه سيكون أكثر اتزانًا في تحري المواقف العابرة في حياته.

ما يميز كتاب المرحلة الملكية هو زخم التجارب المذكورة فيه

  • لا تبك على اللبن المسكوب

فالماضي ذهب بلا عودة، والحاضر هو ما تملك زمام أمره والمستقبل هو ما يلوح لك لتواصل المسير، فلا يعيشن المرء في التأسي على حلم ضاع واندثر، بل ليصنع حلمًا جديدًا ويسعى في سبيل تحقيقه.

  • السعادة ليست بشيء يمتلك

إنما السعادة حسب رأي الكاتب تنبع من مدى الرضا المستوطن في القلب والروح، هي قرار عقلي بحت، لا يمكن أن يمتلك بأموال الدنيا كلها، فإن فن التنعم بالقليل والرضا بما قسمه الله تعالى يعني بطبيعة الحال الشعور بالسعادة، دون الخوض في مشادات نفسية وعقلية دائمة في سبيل تحصيل الأفضل.

ولا يعني هذا عدم سعي الإنسان لتحسين ظروفه بكل تأكيد ولكن المعنى المقصود هنا هو عدم جعل الظروف عائقًا للشعور بالسعادة، فالإنسان مطالب دائمًا بالسعي مع تكليله بالرضا.

  • القوة لا تمتلك..القوة تنبع من الداخل

نحن لا نحصل على القوة، بل نستخرج القوة الكامنة فينا عند اللزوم، وهذا أمر غاية في الخطورة والأهمية، فقد يعيش الإنسان عمره كله في سبيل الحصول على القوة المادية التي تعنى نفوذًا أوسع وتسلطًا لا يمكن إغفاله، ولكن، هل هذه هي القوة الحقيقية فعلًا؟

بالطبع لا، وإن كان الأمر ظاهريًا أقرب للرفض، إلا أن الواقع هو التالي: اقتناع الإنسان بأن قوته تنبع من داخله، من اعتزازه بنفسه ومروءته، ويقينه بأنه على الحق يخلق حوله هالة من قوة يصعب على من هم حوله تجاوزها أو إنكارها، فالإيمان بالنفس باقٍ وإنما النفوذ والسلطة زائلة طال الزمان أو قصر، وهذه سنة الأكوان.

  • الشكاية.. أخطر أنواع الإدمان

الشكاية من صديق غادر، أو حال ضيق، أو جسد متعب، أو فكر مرهق دائمًا، هذا أمر يجعل من الإنسان مصدر سحب للطاقة فقط، لنفسه ولمن هم حوله، ولا أعني هنا عدم البوح التام بأشياء مزعجة ومشاعر سلبية اعترتنا لصديقنا المقرب مثلًا، وإنما الديمومة على التذمر الذي لا علاج له ولا فائدة منه إلا الإمعان في الأسى والانحدار نحو القاع أكثر.

ما يميز كتاب المرحلة الملكية هو زخم التجارب المذكورة فيه، والتي من شأنها رفد القارئ بالعديد من الخبرات لأشخاص عديدين ومواقف عديدة يمكن أن تشكل لهم بارقة أمل لتخطي بعض ما يعتريهم من ضغوطات وخيبات ومشاعر سيئة قد لا يعلمون كيف يمكن لهم التعامل معها.

 

إذن في كتاب من 284 صفحة ضمن الكاتب مجموعة من التجارب والاقتباسات العديدة لأخصائيين في مجال التنمية البشرية وغيرهم كذلك وفق مجموعة من المقالات والخواطر ليكون الكتاب أحد أفضل الكتب التي ينصح بقراءتها، ذكر لنا الدكتور خالد المنيف أنه في وقت من أوقات حياتنا لا بد أن نحيا هدنة مع الحياة ومعاركها الصغيرة على الأقل من خلال ما نمر به من تجارب واعية تحقق خبرات متنوعة نستطيع معها الوصول لما أسماه الكاتب بالمرحلة الملكية.