03-فبراير-2016

ازدراء الأديان أو العقوبة الفضفاضة لمن يخالف الأزهر(محمد الشاهد/أ.ف.ب)

الناس في مصر نخبويون في أحزانهم، ينتقون المشاهير والأغنياء ونجوم الصحف والفضائيات لكي يتعاطفوا معهم، بينما على الجانب الآخر من الحياة، مظلومون وعشرات يقضون عقوبات بالسجن والتخوين، والتشهير، تفرمهم عيون الأصدقاء والأهل، ونشطاء مواقع "فيسبوك" و"تويتر"، وتدعو عليهم، ولا تكلف نفسها وقفة احتجاجية تضامنًا معهم، أو، على الأقل، دعوة بظهر الغيب تشفع لهم.

نحن مؤمنون بحرية الرأي حين يكون رأيك من رأيي، ونحب الآخر إذا كان مشهورًا وتتصارع الصحف وكاميرات القنوات الفضائية لتصوير التضامن معه وبثه على الهواء، وآخر حبة في مسبحة المتهمين كانت إسلام البحيري، رجل "ازدراء الأديان" الأشهر في مصر، في الوقت الذي يملأ فيه المتهمون، بهذه العقوبة الفضفاضة لمن يخالف الأزهر، السجون والأقسام ومحاضر إثبات الحالة، ولا أحد يزورهم أو يتضامن معهم كما حدث مع البحيري، خلال جلسته قبل الأخيرة في محكمة زينهم بالقاهرة، ولا أحد يعرفهم أو يهتم بهم، أو يصورهم، أو يتعاطف معهم، ربما فقط أصحابهم.

يبدو أن دعم الحرية، الآن، مشروط بالشهرة ولا تعاطف بلا كاميرات وإذاعة على الهواء مباشرة

يبدو أن لا أحد يدفع كفالة متهم إلا إذا كانت ستتحوَّل إلى خبر يحتل الصفحات الأولى للجرائد. دعم الحرية، الآن، مشروط بالشهرة، ولا تعاطف بلا كاميرات وإذاعة على الهواء مباشرة. هذه ثلاث قصص لـ"مغمورين" متهمين بـ"ازدراء الأديان" في مصر إضافة إلى إسلام البحيري.

كريم البنا

لماذا يكره المواطن المصري ابنه إذا أعلن إلحاده؟

رجل يكره جاره المسيحي، ويطرده من رحمة ربنا لأن "ريحته وحشة وأربعة ريشة" طبيعي أن يكره من يخالفه في الرأي أو الدين أو العقيدة، لكن أن يكون هذا ابنه، فهذه مسألة أخرى. ولا يكتفي بكراهيته، بل يبلغ عنه "البوليس"، ويطرده من البيت، ويستقوى عليه بأهل المنطقة ليضربوه حتى يرجع إلى الله، "ويمشي في طريق الحق مرة أخرى".

هذا ما حدث لكريم البنا، وهو طالب يدرس بكلية الهندسة، كانت عنده مجموعة أسئلة عن ربه، وخالقه، ورسوله، طرحها على صفحته الشخصية بفيسبوك دون حرج، أو هروب، ولم يختبئ وراء اسم مستعار. كتب اسمه كاملًا وما يدور في رأسه، فهو لا يرى الله، ولا يشعر به، ولا يتقرَّب منه في صلاة الجمعة مهما وصلت درجة خشوعه، ومحاولاته، التي قال إنها مستميتة، في الوصول إليه فشلت.

نشرت صحيفة مصرية تقريرًا بعنوان "الزلزال القادم.. 25 شابًا يشهرون إلحادهم"، بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2014. العدد انتشر بكثافة في اليوم التالي، قرأه أهالي منطقة كريم البنا، وقرروا أن يبلغوا عنه "من باب المكايدة". القصة بدأت تحديدًا من على فيسبوك بعدما انتشرت صورة كريم البنا على الإنترنت كشاب ملحد وقرّر جيرانه أن يضربوه، ويقتلوه، إذا لزم الأمر، عملًا بالحديث الشريف: "من بدّل دينه فاقتلوه".

انتشرت صورة كريم البنا على الإنترنت كشاب ملحد وقرّر جيرانه أن يضربوه، ويقتلوه، إذا لزم الأمر، عملًا بالحديث الشريف: "من بدّل دينه فاقتلوه"

يروي ألبير صابر، المدوّن المقرّب منه، ما حدث، قائلًا: "بدأ نشر صور كريم علي الإنترنت في صورة بلاغ للمحامي العام، واتصل بي كريم واتفقت معه على الابتعاد عن المنطقة، وابتعد، بالفعل، لفترة". ويضيف ألبير: "علمت فيما بعد أنه يعود للمنطقة بالليل فقط، حذرته من الخطر لكنه لم ينتبه حتى وقع في الفخ". الساعة الحادية عشر مساء يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر، اتفق كريم مع صديقه على مقابلة بالقرب من بيته، هناك من رآه، وأرشد مجموعة من رجال المنطقة على مكانه، فانتحلوا شخصية أمناء شرطة، واستوقفوه في منتصف الليل، وطلبوا منه البطاقة الشخصية: "طلَّع بطاقتك".

ضربوه، جسده الضعيف لم يحتمل، الدنيا دارت به حتى سقط، اتصلوا بالشرطة للقبض عليه، لأنه "ملحد" يسبّ الدين، ويسخر من الله على صفحته الشخصية. في مركز الشرطة، كان أمام كريم اختيار من اثنين، إمّا أن يثبت أمام أهل منطقته أن الكلام المنسوب له، ونشرته الصحيفة، كذب في كذب، ولكي يثبت ذلك فلا بدّ أن يرفع قضية يتّهمهم فيها بسبه وقذفه، واتهامه بالإلحاد دون دليل، أو يعترف بالحقيقة، ويقول إنه فعل ذلك، ويفتح حسابه الشخصي ليقرأ مأمور القسم ما عليه، في هذا التوقيت، سيقدّم الجيران ضده محضرًا بـ"ازدراء الأديان".

هذا، بالضبط، ما حدث لكن قصة عابرة في المنتصف، وهي أن كريم البنا، ليخرج من المأزق الذي وجد نفسه فيه، وكان يهدّد حياته ومستقبله، طلب تحرير محضر ضد الصحيفة المصرية، وكتب أنه "مسلم سني سابق" أشهر إلحاده، ويقول: "أتمنى أن تعلو قدسية الإنسان على قدسية الآلهة والكهان".

حرر بذلك القسم وأهالي المنطقة محضرًا ضده بـ"ازدراء الأديان"، وتم احتجازه في القسم، ثم ترحيله، في اليوم التالي، إلى النيابة العامة للتحقيق، وإثبات المحضر. لم يصدر وكيل النيابة أمرًا بالقبض على من ضربوه، ورفض تحويله إلى الطب الشرعي لإثبات حالته الصحية "المتدهورة جدًا". كل ما فعله، أن أمر بتجديد حبس كريم البنا على ذمة القضية.

قصة قصيرة حزينة.. كما أن والد كريم البنا قد شهد ضده حين طلبوا أقواله في المحكمة، يقول كريم إنه فعل ذلك، وتبرَّأ منه ومن إلحاده لـ"منع الفضيحة". القضية من البداية فضيحة أخلاقية وإنسانية لكل شخص أمام نفسه، فإذا كنت طرفًا من أطراف القصة لابد أن ترى نفسك عاريًا، لا شيء يسترك في طريق، الكل ينظر إليك بقرف، أب سقط وشهد ضد ابنه، جار لم يستوعب اختلافه، مأمور أراد أن يتقرَّب إلى الله على جثة كائن ضعيف يرى أن كل خطيئته في الحياة أنه فكَّر ولم يصل إلى الحقيقة.

شريف جابر

شريف لم يكن يعرف أن اجتهاده و"شطحه الفكري" سيضعه في السجن، كان الأول في الثانوية العامة على مدرسته، والخامس على محافظة الإسماعيلية، لكن الأقدار أخذته إلى حيث لا يشتهي ولا يحب ولا يرضى أن يكون، دخل كلية الآداب قسم الاجتماع. في محاضرة، اختلف مع دكتور يقول إن "الشذوذ الجنسي انحراف سلوكي".

رأي شريف مختلف، فالشذوذ الجنسي "له أسباب بيولوجية ونفسية ولا يمكن توصيفه كسلوك منحرف"، هذا ما قاله دون تردد. يقول ألبير: "ثم بدأت المشكلة الحقيقية حين دخل محاضرة للمعيد رامي محمد حسين (أستاذ محافظ)، وقال: الإنسان الذي يصلي هو الشخص السوي الجيد.. هنا، اختلف معه شريف وقال له: ليست الصلاة هي المقياس، أغلب الناس التي تصلي ترتكب أفعالًا غير أخلاقية، وآثام، وأخطاء.. وهناك من لا يصلي لكنه ملتزم.. بدأ المعيد في اتهام شريف بالكفر والإلحاد، وقدّم فيه شكوى لإدارة الكلية لتحويله لمجلس التأديب بسبب ما يكتبه على فيسبوك من دعوات للتحرر من فكرة الدين أو تحرير الدين ممّن يدَّعون إنهم حرَّاسه".

لم يكتف أستاذ شريف جابر في الجامعة بفصله إثر اختلاف في وجهات النظر في مسائل دينية بل أدخله السجن بتهمة "ازدراء الأديان ونشر الإلحاد"

خرج الموضوع من أسوار الكلية، وتجاوز السقوط في الامتحانات إلى حد فصله من الجامعة، وتوجيهه إلى النائب العام. بشكل غير مفهوم، قامت قوة من أمن الدولة (مكوّنة من 3 سيارات ومدرَّعة)، حسبما يروي ألبير، باقتحام غرفة نوم شريف وأخذته من على سريره إلى مكان مجهول، واحتجزت حاسوبه الخاص وهاتفه، ومذكراته الشخصية.

ويضيف ألبير: "ضربوه، واعتدوا عليه بكل الأشكال، وتمّ عرضه على النيابة لتأمر بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، وإحالته للمحكمة، حتى أمر القاضي بحبسه سنة وبكفالة ألف جنيه في القضية رقم 1532 لسنة 2013". في النهاية، حكم القاضي على شريف جابر بالحبس لمدة عام، وغرامة ألف جنيه بتهمة "ازدراء الأديان ونشر الإلحاد".

مايكل منير بشاي

على صفحته الشخصية في فيسبوك، كتب مايكل منير بشاي جملًا اعتراضية اعتبرها أهالي قرية دميانة بالدقهلية سبًا للنبيّ محمد، والسيدة عائشة، لا أحد رأى ما كتبه إلَّا هم، كان من الممكن أن يتَّهموه بإهانة الإسلام، فهو مسيحي، ربما يكره الأديان الأخرى فقط، لكنهم، سدَّدوا له الطعنة في منتصف الهدف، اتَّهموه بالإلحاد بسبب "بوست فيسبوك"، وخرجوا في مظاهرة أمام باب منزله.

هل استسلم لهم؟ لا. رفض مايكل أن "يخضع ويعيش ذليلًا"، كما قال، بعدما حاولوا حرقه، وتم التحفظ عليه، وتقديمه للنيابة بتهمة "ازدراء الأديان". انتظر مايكل بين أسوار زنزانة سوداء، مظلمة، أن ينظر في أمره القاضي، وكانت النتيجة أن حكم عليه بسنة سجنًا، وكفالة ألفي جنيه.

اقرأ/ي أيضًا:

لا لتجديد الخطاب الديني!

لعبة الدين في العالم العربي