25-أبريل-2023
رشيد قريشي

مقطع من لوحة لـ رشيد قريشي

في الحرب القائمة بين الحلم والمختبر، بين الغنائية واللغة، بين الإنسان والآلة. برز، بعد أحداث 1968 في فرنسا، اتجاه ضد هذين الاتجاهين: وهو اتجاه الواقعية الجديدة. هذه الواقعية، تجرّدت من "الطوباوية" الغنائيّة، وكذلك من المادية اللّغوية، ونَحَت نحو الواقع اليوميّ المعيش، ومن خلاله تطرح علاقة هذا الواقع باللغة (ظهر ذلك في مجلة كوروس "Chorus" التي أدارها تيلمان وفيناي). كما نجد هذا الإهتمام، ومنذ الستينيات، في مجلة أخرى هي "العمل الشعري" Action Poétique التي أدارها هنري دلوي، وشارل دوبزنسكي وجان مالريو، وقد قامت في هذه المجلة مناقشات حول الواقع باعتباره هدفًا، أدّت إلى حمل السّياسة إلى الشّعر، من خلال مجمل توجّهات وأشكال احتجاجية ونضاليّة كما نجد عند شعراء أمثال فيناي وفارغفتيك وبيرول.

حاولت هذه الواقعية كتابة الحياة اليوميّة لأنّ "الشعر هو الحياة، بين الناس والأشياء" على حد تعبير أكثر من شاعر ككريستيان باشلان أو تلمان أو إيف ماري... إنه شعر الطريق، والشارع والمقهى، وكأنهم بذلك ورثة بول فرلين، وتريستان كوربيير وجول لافورك وأرثر رمبو.

لم يكن الشعر السياسي للواقعية الفرنسية الجديدة مع أحد، وخصوصًا المؤسسات، بل كان شعر الضد وليس شعر "المع". إنه شعرٌ يتحرّك بين محورين: محور الرّؤيا الشاملة للتاريخ ومحور الاهتمام باليومي

إن هذه الواقعية الجديدة، حملت السياسة إلى الشّعر، ولكن يهم أن نميز شعرهم السياسي عن الشعر السياسي الذي ساد والمرتبط برؤى سياسية وحزبية ضيقة أو محددة. شعرهم السياسي ليس مع أحد، وخصوصًا المؤسسات، إنه شعر الضد وليس شعر "المع". إنه شعرٌ يتحرّك بين محورين: محور الرّؤيا الشاملة للتاريخ ومحور الاهتمام باليومي. شعر قائم على ممارسة الاحتجاج، والثورة على المجتمع والاستهلاك، واللاواقعي، والعنف، والقيم،  إنه شعر يناهض المجتمع الآلي والصناعي والاستهلاكي في أوروبا وفي أمريكا. المجتمع – السّلعة، المجتمع الذي يلتهم الانسان، وحريته، وانسانيته.

هذه الموجة، تأثرت تأثيرًا بالغًا بأمريكا الاحتجاجية، من خلال شعراء البيتس الأمريكيين (كيرواك، غينسبرغ، فرلنغتي) ومن خلال شعراء هامشيين امتزج شعرهم بالموسيقى (بوب دايلان، جيمي هندريكس، جيم موريون)، الشعراء الأكثر تعبيرًا عن هذه التأثيرات كلود بيليو (ذهب إلى أمريكا وهو يكتب باللغتين الفرنسية والإنجليزية) ودانييل بيغا ومارك شولودونكو.

كل هذا جعل شعرهم يطعم بكل مظاهر الحضارة الغربية، بصورة التلفزيون، بالفيلم، والوسترن، بالاسطوانة، بالصحافة، كلها صارت مواد بمعجم جديد، أدت إلى ذوبان لغات مختلفة، وإلى تميز، غنائية رقيقة على صخبها أحيانًا، في هذه الواقعية الجديدة.

نسأل هنا: هل أدت هذه اللقاءات المشتركة إلى قيام تجمع أو حركة؟ ونجيب: لا. فهؤلاء جميعًا لا تجمعهم مدرسة شعرية ولا نظام معين. كلهم منفصلون، في نبراتهم وفي أساليبهم. لكن مع هذا، وفي عام 1971، أصدر فرنسوا دي ديو بيانه الكهربائي، ويضم أعمالًا لستة عشر كاتبًا وشاعرًا، أسسوا دارًا للنشر اسمها "الكتريك بريس"، راحوا يصدرون أشعارهم في كراسات. إنها مجموعة "البيان الكهربائي".

في 1972 تصدر أعمال لمعظم "الشعراء الكهربائيين": ويضم شعرًا لجيسي، وبيرو، وجنسبرغ، وباتريك جوفروا، وجان جاك فوسو، وجاك فيري، وميك ترين. هذه الموجة باختصار، لم تعش طويلًا لأنها لم تكن مقبولة، نسبة إلى موقفها من العالم واللغة.