16-مارس-2024
الثورة الفلسطينية والثورة السورية والمقاومة

(GETTY) العلم الفلسطيني وعلم الثورة السورية على جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية

تأتي الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية هذا العام، مع استمرار الحرب المدمّرة على شعبنا الفلسطينيّ في قطاع غزّة، قرأت الكثير ممّا كُتب بهذه المناسبة. ما لفت نظري كثرة التعبيرات عن "هزيمة" الثورة، هناك من يرى أنّ الأمر انتهى في سوريّا، والنظام بقي، والديكتاتور استقرّ، والمنفيون سوف يظلّون منفيين. وما هي إلاّ مسألة بعض وقت حتّى يعود النظام إلى سابق عهده وعلاقاته مع المحيط العربيّ وقد حقّق هدفًا تكلّمت بعض أبواقه عنه وهو إنقاص عدد أفراد الشعب السوريّ إلى النصف. لأنّ ذلك سوف يجعل الاقتصاد يتحسّن!! وخدمات الدولة للمواطنين سوف تُصبح أفضل وأيسر!! ولكنّ ما حدث في حقيقة الأمر هو عكس ذلك تمامًا، فالخدمات انعدمت تقريبًا، والاقتصاد انهار تمامًا، حيث تعيش الدولة على المساعدات الشحيحة من حلفائها ومن التجارة غير المشروعة.

لقد بدأ النضال الفلسطيني ضدّ المشروع الصهيوني منذ حوالي قرن، أكثر من تسعين عامًا من الثورة الفلسطينية التي بدأت بهبّة البراق عام 1929، ولم تهدأ الثورة الفلسطينية، حيث أتت الثورة الكبرى عام 1936، ثمّ تتالت الانتفاضات، حتّى انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة وخاضت معاركها ضدّ الاحتلال، وبكافة الأشكال ومن أي مكان استطاعت الوصول إليه، وهُزمت في معارك عديدة، وحقّقت مكاسب في معارك أخرى، نعم هي معارك قد نكون هُزمنا فيها، ربّما هُزمت القيادات، وربّما خرج المقاتلون من المعركة. لكنّ الشعب الفلسطيني لم يتوقّف عن الثورة والنضال بكافّة الأشكال المناسبة لكلّ مرحلة ومكان وظرف.

طالما أنّ الاحتلال والظلم موجودان فالثورة موجودة، بأشكال مختلفة، لا يستطيع الإنسان أن يخضع للظلم، وهو إن سكت ودارى لفترة من الزمن لا بدّ أن ينفجر ويرفض ويُمارس رفضه

ودائمًا ما كان يبرز شكل من أشكال النضال يبتدعه الشعب المؤمن بحقّه في أرضه، كذلك دائمًا ما كان فصيل أو تنظيم معيّن يكون في طليعة الفصائل المقاوِمة. ودائمًا كان الإسرائيليون والإعلام الغربي يتّهمون هذا الفصيل بعينه بـ"الإرهاب"، ويُحاولون تعميم فكرة أنّ حمل السلاح ليس الطريقة المناسبة لمقارعة الاحتلال، هذا عندما يعترفون أنّ هناك احتلالًا. كذلك كان الأمر مع الشعب السوريّ حيث سارع النظام إلى اتّهام المتظاهرين السلميين بـ"الإرهاب" وبأنّهم يحصلون على تمويل خارجيّ لتدمير البلد، وهناك الكثير من القصص التي تدعو إلى السخرية ابتدعها إعلام النظام عن المتظاهرين وتمويلهم، أو عن حملهم السلاح وأنّهم هم من يُطلقون النار على المتظاهرين السلميين ليتّهموا النظام بفعل ذلك. أبرز القصص التي تدعو إلى السخرية والدهشة معًا هي تلك الرواية التي أطلقتها مستشارة رئيس النظام السوريّ عن خطف أطفال من قرى جبال الساحل السوريّ وجلبهم إلى الغوطة وضربهم بالسلاح الكيماويّ!!

لا أريد أن أدخل في تفاصيل ظهور فصائل مسلّحة لفترة معيّنة ثمّ اختفائها بشكل مريب، ولكن ما يهمّني هنا هو التأكيد على أنّ الشعب السوريّ انتفض في وجه جلاّديه ومغتصبي حقوقه، يكفي أن نتذكّر الهتافات الأولى لنفهم تمامًا لماذا اندلعت الثورة السوريّة، لقد كانوا يهتفون: "الشعب السوري ما بينذلّ" و"حرّية حريّة". انتفضوا ضدّ الذلّ والقمع. ومع كلّ ما آلت إليه الأمور من دمار واسع وتهجير أعداد كبيرة، إلاّ أنّ الثورة لم تنتهِ، خسرت معارك كثيرة، ولكنّها مستمرّة، انتفاضة السويداء وساحة الكرامة تدلّ على ذلك، وكذلك الجذوة المستمرّة في قلوب المهجّرين الذين يحملون بلدهم في قلوبهم ويعملون ويستعدّون طول الوقت للعودة إلى سوريا الحرّة.

طالما أنّ الاحتلال والظلم موجودان فالثورة موجودة، بأشكال مختلفة، لا يستطيع الإنسان أن يخضع للظلم، وهو إن سكت ودارى لفترة من الزمن لا بدّ أن ينفجر ويرفض ويُمارس رفضه. يحفل التاريخ بقصص الثورات والثورات المضادّة، أغلب الثورات حول العالم تحوّلت إلى حرب أهلية أو ما يُشبهها، حيثّ أنّ الناس عندما يثورون لا يقومون جميعًا بالفعل، هناك مجموعات معيّنة ولأسباب فردية وتاريخية تكون في المقدّمة وهي التي تظهر متكلّمة باسم الشعب الثائر. هؤلاء هم من يُطلق عليهم صفة الإرهابيين ويُصبحون مطلوبين لأجهزة الأمن في بلدانهم وبلدان حلفاء الأنظمة التي ثاروا عليها، لكنّ التاريخ دائمًا يُنصف هؤلاء ويتمّ الاعتراف بدورهم الإنساني الثوريّ الذي قاموا به، شارل ديغول الرئيس التاريخي لفرنسا، شكّل حكومة فرنسا الحرّة في مطلع الأربعينيات، واتّهم بأنّه مجرم مطلوب للعدالة من ألمانيا النازية وحكومة فيشي الموالية لها في فرنسا. كذلك نيلسون مانديلا الزعيم الجنوب إفريقيّ، فقد كان مُدرجًا على لائحة الإرهاب لدى الولايات المتّحدة الأميركية، لكنّه اليوم رمز للنضال والإنسانية. هناك الكثير من الأمثلة التي يُمكن العثور عليها في جميع أنحاء العالم من أشخاص وُصموا بالإرهاب ليُعاد النظر إليهم بشكل آخر بعد مرور عشرات وربّما مئات السنين.

إذن هي مئات السنين، الثورات هي تغيير عميق، يحتاج وقتًا طويلًا ليستقرّ ويبني أسسه، إذا كان عمر الثورة السورية ثلاثة عشر عامًا فهذا يعني أنّها ما زالت فتيّة، وسوف تستمرّ ما دامت أسبابها مستمرّة، لم ولن تُهزم، لا يُمكن للثورة أن تُهزم، لأنّها تعبير عميق عن حاجة تاريخية. تخسر معارك، وتدفع أثمانًا باهظة، لكنّها تستمرّ.

نحن الفلسطينيون، مستمرّون في ثورتنا، مستمرّون في ابتداع أساليب نضال طالما بقي حقّنا مسلوبًا، قد نخسر معركة، وتتدمّر بيوتنا، ويُعاد تهجيرنا مرّات عديدة، ولكنّه ثمن الحريّة. الشعوب لا تستكين، تمرّ فترات صمت ويبدو للظالمين أنّ الناس قد خنعوا، لكن سرعان ما تظهر جذوة الثورة وتقوى لتتحوّل إلى فعل مؤثّر.