05-فبراير-2018

شاطئ في عنابة

عندما يفهم الإنسان أن النواميس الأولى لا تستطيع ان تكون إلاّ كونية، حينها سيقول حتمًا، إنني حيّ... حين تشعل البواخر أضواءها الراقصة، ليتوسدك الظلام، وتنام الطفلة فيك، سنشرب حينها أنخاب النجوم السعيدة.

 

ليديك زرقة السماء،

قدماك جذور مسنّة تحملان عبق التربة النديّة،

عيناك تستعيران الأخضر من دوالي أواخر الصيف،

تلبسك العذراوات غيمة من الدانتيل وترقص فيك أفكار الخلود.

مشاغبة أنت، منذ المشيئة الاولى، تراقصين الزمن فيشيخ مبتسمًا...

 

الوشم الأزرق الطاعن في الإنسانية، صار يوجعنا أكثر كلما اقتربنا من أسرارك الدفينة فينا.

 

لبونة أوغيستينها قطرة من ماء عنب ويقين.

لبونة جنونها المقدّس وزرقة تربّت داخل أسوار الأنوثة.

لبونة ألحان التخمّر الصّوفية وشطحات الموت والحب والحياة.

لبونة المهووسة بتفاصيل الغرباء وأسرار المحبّين ودوخة العشق الأوّل قبل البدء، أرفع كأس التراتيل، أنسج من ظفائر ايدوغها شراعات للمقبلين على الحياة والموت فوق اللوح الخالد.

أستعير من السماء شوقها للأرض مطرًا، ومن المطر إيقاعاته الصباحية الثرثارة... لأقول كم كنّا سعداء لمّا كنّا لا نملك إلّاك.

 

جرح بحجم جبل يفضي إلى زبد وملح،

جرح يورق ويزهر جراحًا، وانت كعادتك تزيدينه ملحًا، لتحافظي أكثر على الجراح القديمة حارقة...

أجلس وعزلة الليل الممزق بالأرواح التي وقعت في فخ البرزخ،

كل المنافي جنازات لأناس ماتوا قبل التشييع.

مدينتي آه يا مدينتيا كم افتقد نارك وماءك رفيقاي إليك.

أحاول أن أجد الإيقاع في ابتسامة الغائبين، فتثقليننا زبدًا وملحًا وأحاجي عن الدم وبركات الأولياء ورائحة الحنّاء تستر حمرة ونورًا قد شبّ في مقبرة العائلة.

هيبون يا شوق الطّفولة، لأغاني الرّعاة...

 

كلّما سمعت استخبارًا وماية وكمنجة، إلّا وسقط جدار كان يفصل خاصرتك و المفتونين بها.

أجثو أرتّل ما سمعت نوبة بنوبة وأتيه في الحمرة الفاصلة بين البدايات والمنتهى.

سبع هضبات، أطوف بها فأصير طفلًا يقفز على قوانين الأبدية والخلود.

سبعة وسبعون وليّا قد زرتهم، ولم تصلني بعد البشارة.

ولا زلت أنتظر حتفي والغروب وإشارة امتهنت الغوايات القديمة.

الناي ينبت غابات في الأقاصي السرمديّة ويموسق لحنًا خافتًا، ونمشي أنا وأنت يدًا بيد إلى جسرك الوحيد، فإن لم تقتلنا نسائم الصبح البحريّة، فستحيينا أرواحنا المعلّقة بين اليقينيات الساذجة والشكّ الحكيم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قبل المغيب وبعده

من فرط التمني