03-أغسطس-2018

زينة عاصي/ لبنان

1

ذات يوم كنت طفلًا لم أتجاوز الثالثة عشرة من عمري، عندما سألت أول أسئلتي الوجودية، وكان من سألته شيخ لأنني تربيت في بيئة أعلى مناصبها أولياء الله.

- لماذا خلقنا الله؟

- لكي نعبده

- وما الذي سيجنيه من عبادتنا له؟

لا يهم ما قاله لي من وعظ وإرشاد بعدها، لأنه لم يجب على سؤالي بشكل واضح، ولو كنت مكانه وسمعت السؤال ذاته لأجبت: إنه ضرب من ضروب الابتزاز.

 

2

ذات يوم جاء عمال مكافحة الحشرات والقوارض إلى مغسل السيارات حيث كنت أعمل، ملأوا المكان بالسم ورحلوا، جئت في الصباح، وقد وصلت قبل الجميع، كنت وحدي، كدت أبدأ العمل، لكنني رأيت أحد الجرذان عند الجدار، وعلى غير عادة لم يهرب فورًا، تأكدت حينها أنه ابتلع السم وفقد القدرة على الركض.

في البداية سوّرت لي نفسي بقتله، فلم أجد حولي سوى المطرقة، حملتها وأقبلت إليه، وعندما انتبه إليّ رأيت الخوف يلوح في عينيه، بدأ يصدر صوتًا غريبًا ويتحرك ببطء، على الفور أدرت له ضهري وتركته، كأنه قال: "لا تجعل ضحيتك ينظر في عينيك، لكي لا يرى موته مرتين"، كأنني قلت: مقرف أن يجهل القاتل لون عيني ضحيته.

وفي نفس اليوم طردني صاحب مغسل السيارات، لأنني لا أصلح للعمل الشاق كما أخبرني، حينها قلت في نفسي: ذلك القذر، لو أنه نظرَ في عيني.

 

3

ذات يوم كنت في طريق العودة إلى بيتي الكائن في "ساقية الجنزير"، وعلى أحد الأرصفة قرب مكب النفايات وجدت قطة رضيعة، شق صدري مواؤها الحزين، حملتها بين يديّ وانتظرت لنصف ساعة تقريبًا عسى أن ترجع أمها لأطمئن أنها ليست وحيدة، ولكنها لم ترجع، بحثت عنها قليلًا ولم أجد شيئًا فاضطررت لأخذها معي إلى البيت، قبل أن أصل، اشتريت قنينة "لبن عيران" وأكملت طريقي، وعندما وصلت حاولت سقايتها اللبن ولكنها لم تساعدني، لم تشرب شيئًا. في اليوم التالي ذهبت إلى الصيدلية واصطحبت القطة معي وشرحت للصيدلاني الأمر، عندها أخبرني أنها لا تعرف كيف تأكل وهي في هذا العمر الصغير وأن عليّ أن أسقيها الحليب عن طريق حقنه في فمها بالـ"سيرينغ"، وأضاف أن اللبن يضرها. عندها اشتريت منه نوع حليب قال لي إنه قد يحل محل حليب أمها، وأنا في طريقي إلى البيت رآني صاحب "الميني ماركت" المجاورة لبيتي فاستوقفني وسألني: هل هذه قطتك؟ أجبته: لا، ولكنني وجدتها على الطريق وحدها دون أمها. قال: هل يمكنني أخذها؟ سألته: هل ستعرف كيف تعتني بها؟ وأكملت له ما شرحه لي الصيدلاني. عندها قال دون تردد: نعم أعرف وسأعتني بها. لم أجد خيارًا سوى الوثوق به فأعطيته القطة وطعامها. وبعد أيام خطر لي أن أذهب لرؤيتها والاطمئنان عنها، دخلت إليه وسألته كيف حال القطة؟ عندها بدا عليه الشعور بالذنب وهو يقول لي "ماتت، من يومين"، سألته عن السبب، فأجاب: "ما بعرف".

عندها خالجني شعور مرعب، أحسست حينها أنني أنا الذي أنجبتها وأنا الذي رميتها في الشارع وأنا الذي قتلتها، وإلى اليوم وأنا أحس بذنب لا أدري إن كنت قد اقترفته أم أن الحياة مركبة بهذه الطريقة الخازوقية لتخبرنا أننا ضحايا لمجرد أننا خُلقنا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كالشوك الأبيض على الصبار

العرافة

دلالات: